مقالات وآراء
حكايات من شنكال- حجي قيراني يقفز أعلى من سيرجي بوبكا// مراد سليمان علو
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 04 تشرين1/أكتوير 2025 11:20
- كتب بواسطة: مراد سليمان علو
- الزيارات: 170
مراد سليمان علو
حكايات من شنكال- حجي قيراني يقفز أعلى من سيرجي بوبكا
مراد سليمان علو
لم أكتب عن الشاعر الكرمانجي الشنكالي القيراني، صديقي (حجي قيراني) بعد، لسبب قد يبدو غير مفهوما للبعض. ربمّا لقربه مني، فهو الأقرب لي منذ أن وطأت أرض (الدوتشلاند) مهّجرا، ومع ذلك نلتقي في المناسبات فقط، وأعتقد أنني زرته مرة واحدة فقط بلا مناسبة، والتقيت بشلة من الأصدقاء في بيته، وعلا الضحك والصياح والعياط وكأننا نسينا أنفسنا في ذلك اليوم وحسبنا إننا لا نزال في سيباى، وطبعا فاتنا إن جارتهم الألمانية (أمّ شنايدر) ممكن أن تخابر البوليس في أية لحظة بسبب الإزعاج.
أما قبل قدومنا إلى هنا فكنا نلتقي كل يوم وخاصة في فصل الصيف، ويشهد على هذا الكلام بركات العيسى، بل إنه على استعداد أن يبصم بالعشرة، ويحلف بالخرقة.
قبل أن نجبر على ترك سيباي، وخاصة في أيام الصيف، حجي كان يأتيني عصرا، ونخرج معا فهذا هو وقت التسكع في الشوارع والضحك والسوالف، أو الذهاب إلى أطراف القرية حيث دبكة ما تكون دائرة، ولا نحتاج دعوة رسمية للحضور، وكان الضحك والقفشات والتعليقات تكتمل دورتها لو صادف وجود صديقنا المشترك (أبو صباح) وهو يدير الدبكة ببراعة ويغني في وسطها كسلطان للطرب الكرمانجي في أيام الفرح الشنكالي. وربمّا التقينا صدفة بـ (الأستاذ) هادي جردو ولقب الأستاذ الذي ناله هادي جردو هو سرنا الصغير الذي نحتفظ به: حجي وبركات وخدر وأنا.
لم يكن (حجي قيراني) الوحيد الذي يطل عليّ من الباب الخارجي وأنا جالس في حديقتي الصغيرة، بين ورودي قريبا من شجرة التوت الوحيدة ـ والتي أقتلعها أحد الجيران لاحقا ليهتم بها في داره وحسنا فعل، فقد كنت أخشى أن تيبس وتموت شوقاـ أكتب وأشرب الشاي أو القهوة أو شراب (الزهورات) التي كان يجلبها لي صديقي (أبو قاسم/ ألياس حنوى) من سوريا عندما كان يذهب ليجلب بضاعته، أيام ما كانت سوريا بخير، ولا تشكو من آلام المفاصل ووجع الرأس والإسهال.
إن شاعرا مثل حجي قيراني يستطيع بمفرداته الأصيلة أن يتماهى مع جرحنا بعد مضي عقد من الزمن، وربمّا لهذا كان عنوان قصيدته الأخيرة هو (نحن والزمن). رغم البعد يكتب حجي قصائده مخاطبا العدو، مثلما يخاطبنا جميعا. يسجل شهادته بالكرمانجية بطريقة مباشرة. يستخرج من قواميس اللغة المنسية مفردات كانت نائمة منذ فرامين بعيدة وكثيرة؛ لأن بين لغة التفاؤل واليأس قفزة تشبه قفزة الأسطورة بويكا، أما هو فقفزاته أعلى، له ساقان طويلان يقدر بهما أن يخلص نفسه من وحل اللغة ساعة ما يشاء.
ربمّا وضع البعض أقنعة عبر استذكاراته للفرمان وما جرى خلالها، ولكن حجي لا يضع قناعا، ويبقى لنا نحن مستمعيه ومحبي شعره بهجة اكتشاف تلك المفردات الضائعة في صحراء النسيان، وكل مرّة ننتظر حجي أن يبدأ غوصه وبحثه من جديد مع قصيدة جديدة تلمع كلؤلؤة نضعها على كفوفنا عندما تشرق شمس أيزيدخان ليتمتع من يجيد الكرمانجية بالنظر إليها، وسماع آهاتها.
عود على بدء، وكان يتسابق للمجيء إليّ أيضا (خدر شاقولي) أو (دخيل كارو) أو (مندى وار) أو (هادي جردو) وربما آخرون في أوقات متفاوتة، نجلس بعض الشيء وربما دخن خدر أو دخيل سيجارة ونشرب شيئا ثم ننهض، أما حجي فلم يكن يجلس، كنت أعلم بأنه جالس منذ الصباح يكتب شيئا مثلي تماما، أو يقرأ والآن، هو الوقت المناسب للنهوض والمشي والتجوال وتبديل صفحات الكتب والدفاتر بصور الوجوه، وسماع (طربكة الديلان) بدلا من الموسيقى الكلاسيكية الهادئة والأغاني العراقية في زمن السبعينات، وخاصة أغاني قحطان العطار التي تولعت بها.
أؤجل القراءة والكتابة وسماع الموسيقى جبرا واضطرارا حين يأتي أحد هؤلاء الأشقياء... يصدف أحيانا أن يأتي خدر شاقولي قبل حجي قيراني فنخرج معا، وسيباى واسعة وشوارعا طويلة تشبه بابل في أيام بلبلتها، ولكن في اليوم التالي أجد حجي وقد سبق خدر في المجيء ويقول لي:
ــ أنت تحب خدر أكثر مني!
ــ أقسم بطنبور دخيل أوصمان أنا لا أحب خدر شاقولي أكثر منك.
ــ لا، بالتأكيد أنت تحبه أكثر مني وإلا لما خرجت معه يوم أمس ولم تنتظرني.
ــ أقسم لك بسلسلة دخيل أوصمان الذهبية، أنا أحب كليكما. بل أحبكم جميعا. وخاصة أنت، ومن حبي لك أناديك بـ (حجيكى)، وبوسعك أن تناديني (مرادكو) في أي وقت، فنضحك ونخرج.
من بوسعه أن يقنع فتىً قيرانيا مثل حجي بما لا يرغب أن يعتقده، غيري؟ إنه حجي قيراني، وهو يقفز ويخبّ ويسترسل ويعدو كحصان جامح، في حياته وعمله وحبه لنا جميعا وعشقه لشنكال وكذلك في شعره الذي لم يتوقف يوما عن نظمه: يكتب عن الحياة والحب وما جرى لنا في فرماننا الأخير، اسمع قصيدته الأخيرة والتي عنوانها بالكرمانجي (ئه م و ده م) وتعني (نحن والزمن) على هذا الرابط وأحكم بنفسك: (1) HECî QÎRANÎ - EM Û DEM | حجي قيراني - ئەم و دەم – YouTube
حاولت ترجمة القصيدة إلى العربية ولكن رأيت بإنها تفقد بعض معانيها إذا ترجمتها حرفيا، وتذهب في اتجاه آخر، أما إذا ما ترجمتها وحافظت على الطابع الشعري أو التصويري للمعنى، بدلًا من الالتزام الحرفي بالنص الأصلي فعلي أن ابتعد قليلًا عن التركيب اللغوي الدقيق وهذا لا يخدم النص، وهذه هي القصيدة الرباعية الجميلة بالكرمانجية الشنكالية:
دەم وی دارا مە دهەژینێ
دڤێ لێ کۆر بکە ژینێ
بەر و پەلا ب وەشینێ
گەلۆ کی هەیە نەهێلێ؟
*
ئەڤ ج دەمە کەتیا لەزێ
بەهوەریا خەلکێ د دزێ
نەکو بێ مەژی ب گەزێ
برک و کاهنیێ ب شێلێ
*
ب لەز تێ ئەو وەکە دینا
هەدان و خەو ل وێ نینە
تنە و تالان دكه دينا
بوویە وەک ئاگر و پێلێ
*
سەنگا دەمێ رمە رمە
سەر هەر سەری دار و رمە
ددا سەر بێل هەرەما
مللەتا لبن خوەڤە دهێلێ
*
ژبیهنا ئاخا خوە م درەڤن
هەتا ئەم ژێ دوورنەکەڤن
ل خەریبیا ب وێ ئاخێ دنڤن
ل دلدا یە کۆرکا دووکێلێ
*
ئەم خوناڤە سەر پەلا بوون
زوو بوهژین و بەلا بوون
تێکلی گەلەک گەلا بوون
قۆناغە سەختا ڤێ پێلێ
*
ترسم گەلەک هی نە بۆری
هاڤی سەرببن هەڤوری
شڤانۆ رابە ئەز بگۆری
ل بەختێ تەیە تەرشێ ئلێ
*
ووندا بوون وەکە مە گەلەک
ژ دیرۆکێ نە بوونە پەلەک
یێ گۆ نە بوە دەست ودلەک
وێ کەڤێ ژ تاقەت و حێلێ
*
باهۆەریا مه کور وکەڤنار
ب رۆژێ رە ژ بەرێدا رە یار
پا نە حەیفا وە خاڤ وسار
دەم وێ بێ چارە ب هێلێ
*
مللەت ئیرۆ ێی بەربەلاڤە
نە یەک تفاق و یەک ناڤە
دەرب لێ دکەڤن ژئالیاڤە
راست وەکە کێلا ڤڕکێلێ
*
هی ئەم نزانن چیە ئێشا مە
ب کێ و کێ رە یە کێشا مە
لۆما دیم کوژێ پێشا مە
وەرهاتیە ل پەرژان وتێلێ
*
سەرێ مە وەک کەڤرێ ئاشە
ل بەر مە تم رێیا شاشە
هەچیێ مە کۆت ئەڤی باشە
بەخترەش ترە ژ روویێ سێلێ
*
دۆزا مە بووکە بێ داوەت
وەختا هن پێ ببنە دەۆلەت
مە گەلەک خوین دا بکزوەت
دا سپی بکن خەمل و خێلێ
*
جارەکێ ببنە یەک ئالی
رک و کینێ بدنە ئالی
ما چیە کە هەر ژسەدسالی؟
ئەم ڤێگرە سوارکن هێلێلێ
*
کا ڤێگرە راکن ڤی باری
دا خوەدێ ژی بێتە ئاری
بەری بتر ببیە تاری
دەم جلێ ژ سەر مە راهێلێ.
***