اخر الاخبار:
حماس: نحتاج وقتاً لدراسة خطة ترامب بشأن غزة - الجمعة, 03 تشرين1/أكتوير 2025 10:15
أسماء المرشحين علی مقاعد الکوتا المسيحية - الجمعة, 03 تشرين1/أكتوير 2025 10:10
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

بالقربِ من حدائقِ أدونيس// نمر سعدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نمر سعدي

 

للذهاب الى صفحة الكاتب 

بالقربِ من حدائقِ أدونيس

نمر سعدي

شاعر من فلسطين

 

هالني عشية الإعلان عن الفائز بجائزة نوبل للأدب عدد المناشير التي فاقت الآلاف وحجم الهجمة الشرسة على الشاعر والمفكِّر السوري الكبير أدونيس، وأغلب تلك الكتابات تتطاولُ على أبي أرواد متجاهلةً قيمته الشعريَّة والفكريَّة وهو في الذاكرة الجمعية النقدية المعاصرة بلا منازع وبرأي نقدي موضوعي بحت أكبر شاعر عربي على قيد الحياة وأكبر ظاهرة شعرية بعد المتنبي العظيم.. -باستثناء أحمد شوقي الذي يعدُّ أثره خطيراً في الشِعر- وأذكر مرة قبل أكثر من 12 سنة أنني كتبت مقالا عنه تشاجر بسببه عشراتُ الأصدقاء على صفحتي لأن صفحتي تضمُّ الأضداد.. منهم المؤيد والمحبُّ والربيب والحواريُّ له ومنهم من يرفضه.. ما أجعلني أحذف ذلك المقال بعد دقائق من نشره.

 

مما قرأته لأدونيس أخرج باستنتاج قارئ.. قارئ بسيط وعادي للشعر.. لا يعنيه أن يكون أدونيس شعوبيا أو طائفيا أو لا دينيا أو بوقا للفكر الاستشراقي.. أدونيس مد ظله على خارطة الشعر العربي وتربع على هرمه ما يزيد على ستين سنة منذ صدور أغاني مهيار الدمشقي، شاعر فذ بكل معنى الكلمة مع أنني لم أقرأ كل كتاباته الفكرية والنقدية ولا أستطيع الحكم عليها.. وسفره "الكتاب أمس المكان الآن" بأجزائه الثلاثة هو في نظري "إلياذة العرب" على حد وصف الناقد المصري المرموق رجاء النقاش. ولكن أدونيس كإنسان يشبه شعره كثيرا فهو شخص من طراز خاص.. له دائرته الضيِّقة الخاصة والخصوصية جدا، غامض وعميق ومتوجس من كل طارئ أو غريب.. لا يبوح لك بكل ما في قلبه.. لا يرتاح لكل أحد.. انفعالي.. ذكي.. لمَّاح.. بعيد الغور، مثقَّف من طراز رفيع. لم ألتق أدونيس أبدا ولم أعرفهُ شخصيَّاً ولم يقرأ لي حرفاً واحداً، تحدثت معه قبل فترة زمنية ليست بالقصيرة مرة واحدة بشكل مطوَّل.. حوالي ثلاثة أرباع الساعة عبر الواتساب بطلبٍ من شاعر صديق هو قريب له بخصوص نشر مختارات شعرية أو ديوان جديد لي في سلسلته الشعرية اشراقات.. لم يقتنع بنشر مختارات شعرية ولم يكن بحوزتي قصائد جديدة تشكِّل ديواناً وبالتالي لم ينشر شيء.. ولكنه تحدث معي بأريحية ومرح طفولي ولطف وحسٍّ ثقافيٍّ عميق.. تحدَّث عن القصيدة العربية وحمولاتها من الثقافة الشعرية.. عن كسره أحيانا الوزن التفعيلي عن قصد في مجمل شعره.. عن السيَّاب والبياتي وغيرهم.. عن ضرورة تقنية توظيف الأسطورة في الشِعر.. عن الحداثة وما ينقص القصيدة العربية لتنطلق وتتحرَّر من الرتابة ولعنة التشابه.. عن صداقته بالشعراء العبريِّين اليساريين كناتان زاخ وروني سوميك وتأثير أجواء القصيدة العربيَّة على القصيدة العبريَّة في عهد ازدهار الشِعر العربي في الأندلس. حين سألته ما هو مفهومك للحداثة وأي القصائد تعجبك أستاذ أدونيس أتذكَّر بأنه أجابني بأرَّق وأجمل ما في تراث المدونَّة الشعريَّة العربيَّة القديمة من أبيات، تشكِّل نقاط مضيئة ممتدَّة ومتوَّهجة إلى الأبد. اكتشفتُ لاحقاً أنه غير مطلِّع الكترونيا على الصحافة الشعرية العربية فهو تقريبا لا يطلع على النت.. وبعيد كل البعد عن منصَّات التفاعل الاجتماعي.. وتستطيع أن تنشر لمدَّة مئة سنة في المواقع والصحف عبر شبكة النت وفي كبريات الصحف العربيَّة المهمَّة والرائدة من دون أن يعرفك الرجل أو يقرأ لك بيت شعري واحد. ثمة بطانة قريبة منه تساعده في الاطلاع والتواصل وإدارة كل شيء حوله فهو في الخامسة والتسعين من عمره ولكنك تحسُّ أنه لم يسأم تكاليف الحياة والشعر رغم شيخوخته.

ألهذه الدرجة صدَّع أدونيس أحلام غوغاء الثقافة والفكر والشِعر وأشعل النار في هشيمهم البالي؟!

 

اتركوا الرجل يرتاح في شيخوخته بعد ما أثار من غبار الجدل النقدي والشعري.. اتركوه بلا نوبل بلا زوبعات فارغة في فناجين الفيسبوك.

 

أدونيس قال كلمته، وعلى عكس جبران خليل جبران أتاح له الزمن أن يقولها كلَّها ولم يتبَّق منها حتى خيط واحد من الدخان يتمايلُ في سكينة روحه، إن كنتم أنداداً له ولمنجزه الفكري أو النقدي أو الشعري فحاولوا وضعه على محكِّ النقد وتفكيكهِ.. إن استطعتم إلى ذلك سبيلا..

 

أخيرا.. قلتها ألف مرَّة، أنا لا أقدِّس أدونيس ولا أيَّ شاعرٍ غيره، بل أحترم شاعريَّته بعيداً عن خصوماته ومعاركه الفكرية والنقدية.. أحترم شاعريَّته كما أحترم شاعريَّة امرئ القيس والمتنبِّي وأحمد شوقي والسيَّاب ونزار قبَّاني ومحمود درويش.. فما كتبته لا يعدو كونه تداعيات من حديثنا معا.. أو قراءةً على مرأى الضوءِ والريحِ لحدائق هذا البستانيِّ العبقريِّ الفريد.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.