مقالات وآراء
هل إسرائيل بحاجة للإعلان عن ضم الضفة الغربية؟// جمال محمد تقي
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 26 تشرين2/نوفمبر 2025 11:23
- كتب بواسطة: جمال محمد تقي
- الزيارات: 411
جمال محمد تقي
هل إسرائيل بحاجة للإعلان عن ضم الضفة الغربية؟
جمال محمد تقي
منذ تشكيلها كانتحكومة نتنياهو تركز في خططها ،على تهويد الضفة وضمها بالتدريج، لفرض أمر واقع جديد يجعل من بقايا الحكم الذاتي الذي تتمتع به السلطة الفلسطينية في منطقة، ألف، منقرضا ومن دون ضجة، بحيث لا تجد السلطة مكانا تحكمه، بسبب التواجد العسكري المباشر للجيش الاسرائيلي، مع التجريد العمليلصلاحيات الادارة الذاتية في موضوعات الخدمات المدنية ورخص البناء، حتى موضوع الحركة بين المدن والبلدات والقرى اصبح مقطرا ومؤطرا بنحو 898 حاجز ثابت ومتحرك وبوابات حديدية ناهيك عن حركة العربات والشاحنات، وكانت صلاحيات سموتريتش المزدوجة كوزير للمالية ووزير للادارة المدنية في وزارة الدفاع جعلته حاكما عاما للضفة الغربية، وهذا مااعطى دفعة قوية لسياسة قضم الاراضي ومصادرتها وتوسعة المشيد من المستوطنات واستحداث بؤر جديدة ببنية تحتية محفزة، ومكافئة الاستيطان باثر رجعي، الى جانب تحكمه بالوضع المالي لموارد السلطة وعلاقتها بسلطة الضرائب والبنوك ، وهذا ما جعلها تقع وبلا رحمة تحت مطرقته، لقد تضاعفت هذه السياسة بعد 7 اكتوبر بحيث اصاب الشلل كل مناحي الحياة في الضفة، من خلال سياسة الخنق المعيشي والاغلاق الامني والتهجير القسري .خلال العامين الاخيرين فقط اقيمت 114 بؤرة استيطانية جديدة، ومع البت في تنفيذ مشروع إي 1 الذي يربط مستوطنة معاليه أودميم بالقدس الكبرى تم عمليا الفصل الكامل بين شمال وجنوب الضفة، ومع تطهير غور الاردن من سكانه الفلسطينيين والذي يشكل 20 بالمئة من مساحة الضفة، وعمليات تجريف مخيمات شمال الضفة وتهويد احياء المدينة القديمة في القدس والخليل، لم تبقى بقعة من ارض الضفة لم تمسها الاستباحة.
عسكرة بجيشين
جيش من الميليشيات المسلحة بأمر من وزير الامن الوطني إتمار بن غفير، قوامه المستوطنين المتعطشين لسلب كل مابين ايادي الفلسطينيين، إضافة لفرقتين من الجيش النظامي ووحدة طيران واجهزة شرطة الحدود والشاباك والفرق الخاصة، كلها بحالة إنذار لإنجاز مهمة ترويض وتنغيص وتهويد الضفة وقتل واعتقال كل من يتصدى للمصادرة والتهويد، وما المناورة العسكرية الاخيرة لهذه القوات والتي شملت كل اراضي الضفة إلا اعلان لحالة طواريء تمهد للضم الفعلي دون اعلان!
بعد طوفان الاقصى اصبحت الحرب على الضفة شبه معلنة، صحيح انها ليس إبادية كما في غزة لكنها متصاعدة، اقتحامات دائمة للمخيمات مع اخلاء للسكان، وعمليات هدم واسعة لتغيير هندستها بما يسهل عملية التحكم العسكري، لقد تم تدمير اكثر من 1429 مبنى، وتشرد عشرات الالوفمن مخياماتهم واراضيهم، واستشهد اكثر من ألف فلسطيني بينهم 150 طفل واصيب حتى وقت قريب نحو 5 آلاف و400 فلسطينى، اغلبهم بقصف الجيش وقنصه، وبغارات المستوطنين!
حرب اسرائيل المتصاعدة على كل مخيمات ومدن وبلدات وقرى الضفة الغربية التي سبقت الحرب على غزة، تفند المزاعم القائلة بأن ما تقوم به اسرائيل هو ردة فعل تلقائية على عملية طوفان الاقصى، وكأنها لم تخطط مسبقا لقضم اراضي الضفة، ومضاعفة النشاط الاستيطاني فيها، ولم تقطع اوصالها بشق الطرق الالتفافية التي تجعل من مستوطنات الضفة والبؤر المستحدثة كحواضر عسكرية طاردة للوجود الفلسطيني، لتستحكم في تواصلها السيطرة الكلية، تمهيدا لإجبار اهالي الضفة على الهجرة، او الخضوع، او مواجهة الموت، كما قالها صراحة سموتريتش، السؤال الذي ينتظر الاجابة، من سيمنع اسرائيل من تحقيق يومها التالي في الضفة؟
تعهدات ترامب بلا رابط
لم ينطلق تعهد ترامب لقادة الدول العربية والاسلامية بمنع ضم اسرائيل للضفة الغربية من باب مخالفته لابسط الاعراف الدولية، او لتناقضه الصريح مع نهج التسوية السلمية العادلة للصراع العربي الاسرائيلي، ولا لرؤية مبدئية تحكم على القرارات السياسية والدبلوماسية من زاوية قوانين وقرارات الشرعية الدولية، فمن يؤمن بسلام القوة، لا يعنيه ان يكون ذلك السلام عادلا او ظالما، وبالتالي لا يعنيه ان كان اخلاقيا او العكس، كل الذي يعنيه ان يأخذ القوي ما يستطيعه ويعطي للضعيف سقط متاعه، ضمن صفقة لا يخرج طرفيها بصفر اليدين، والذاكرة حافلة بما يؤكد هذا المنحى في سلوك ترامب وقراراته ذات الصلة خاصة في فترة رئاسته الاولى، حيث اعترافه بالقرار الاسرائيلي القاضي، بضم هضبة الجولان السوري، ثم اعترافه بقرار اسرائيل، جعل القدس الموحدة عاصمة ابدية لدولة اسرائيل، وعليه قرر نقل السفارة الامريكية من تل ابيب للقدس، وفي عامه الاخير في البيت الابيض طرح مشروع صفقة القرن، الذي ينطلق من ذات الرؤية، سلام القوة، وفيه مايكرس هيمنة اسرائيل ليس فقط على القدس ومستوطنات الضفة وانما على كل البقية الباقية من اراضي 67 وان كانت تحت مسمى دولة فلسطينية، أما عن محاولاته الدؤوبة لفك الارتباط بين تطبيق الحل العادل للقضية الفلسطينية، ومسألة التطبيع العربي والاسلامي مع اسرائيل، والقاضي بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للقدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة واقامة دولة فلسطينية مستقلة، جنبا الى جنب مع دولة اسرائيل، حدث ولا حرج، والاتفاقيات الابراهيمية شاهدة على ذلك.
لم يمل ترامب منسعيه هذا حتى اثناء حرب اسرائيل الابادية على غزة، بل راح يستثمر في مهمة انقاذها من ورطة حربها، التي جعلتها منبوذة ومارقة بعيون البعيد والقريب، ووضعتها امام خيارات مرة، احرجت امريكا وجعلتها معزولة في انكارها للجرائم الاسرائيلية الفاقعة، فعندما طرح خطته لانهاء حرب غزة، لم يربطها بالوضع الساخن في الضفة وبالتالي عزل جوهر المشكلة عن ظاهرها المتجلي في الوضع المأساوي في غزة، متناسيا ان الضفة على برميل بارود وان الحل الحقيقي يكمن في انهاء احتلال كل الاراضي الفلسطينية وايقاف حرب الاستيطان فيها، لا تجميد وضع غزة ونزع سلاحها، والدفع بالتطبيع غير المشروط مع اسرائيل الى اقصاه، في ذات الوقت الذي تنجز فيه اسرائيل كل مستلزمات الضم القسري للضفة، ليكون اعتراف ترامب به، كليا او جزئيا، مجرد تحصيل حاصل!


