مقالات وآراء
لماذا لا يفوز المستقلون في نظام سانت ليغو؟// صائب خليل
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 27 تشرين2/نوفمبر 2025 11:45
- كتب بواسطة: صائب خليل
- الزيارات: 187
صائب خليل
لماذا لا يفوز المستقلون في نظام سانت ليغو؟
صائب خليل

كثر الحديث عن خيبة أمل المستقلين الذين رشحوا للمقاعد النيابية في الانتخابات الأخيرة في العراق، وخيبة أمل ناخبيهم، الذين شعروا بأن النظام الانتخابي المتبع غير عادل تجاه مرشحيهم. وفي هذه المقالة أحاول ان اشرح بأبسط ما استطيع تلك الظاهرة ولماذا يفوز مرشحو الكتل بينما يخسر المستقلون، حتى ان حصل هؤلاء على أصوات أكثر من اقرانهم المنتمين للأحزاب، أحيانا.
الانتخابات العراقية الأخيرة (2025) أجريت وفق نظام من جزئين: الأول هو "توزيع الأصوات" حسب نظام القوائم والتمثيل النسبي، والجزء الثاني هو "توزيع المقاعد" وفق نظام سانت ليغو 1.7. وكلا الجزئين في غير صالح الترشيح الفردي (المستقلين). توزيع الأصوات على للقوائم يسمح بانتقال الأصوات بين مرشحي الحزب الواحد للحصول على اكبر عدد من المقاعد، وتوزيع المقاعد بـ سانت ليغو يضع عتبة صعوبة للحصول على المقعد الأول. والحقيقة ان هذا النظام يعامل المرشح المستقل وكأنه "حزب من شخص واحد"، لكنه لا يستطيع ان يفوز بأكثر من مقعد واحد، حتى ان حصل على الأصوات اللازمة لذلك.
في هذا النظام، يخسر المرشحون المستقلون افضليتين: من ناحية، ليس لديهم فرصة للحصول على أصوات زملائهم غير المستعملة، ومن ناحية أخرى فأن كل منهم يجب ان يعبر عتبة سانت ليغو بمفرده. أما مرشحو الأحزاب فيتم إعادة توزيع الأصوات ليستفيد منها الجميع بأفضل شكل، وكذلك فأن عبور عتبة سانت ليغو يتم بواسطة مجموع أصوات مرشحي الحزب وليس كل مرشح على حده. فإن حصل الحزب على مقعده الأول، تكون بقية المقاعد قد عبرت العتبة.
الجدولان مثالان عن حالتين مختلفتين للتوضيح. في الجدول الاعلى مثال لنتيجة انتخابات خيالية، يتنافس فيها أحزاب ومستقلون. وقد اخترت اسم الحزب ليمثل عدد مرشحي الحزب للسهولة، فـ "حزب 9" يمثل 9 مرشحين و "حزب 2" له مرشحان وهكذا. ولدينا كما نرى 55 مرشحا، يتنافسون على 30 مقعد، وقد وضعنا امام اسم كل حزب او مرشح عدد الأصوات التي حصل عليها.
من جدول حسابات سانت ليغو يتم اختيار أعلى 30 رقما (المؤشرة بالأصفر) لتمثل المقاعد الـ 30. ونرى امام اسم "حزب 10" صف من ستة ارقام عالية، فحصل على 6 مقاعد وحصل "حزب 7" على أربعة مقاعد وهكذا.
العمود البني يمثل "معدل ما حصل عليه كل مرشح من أصوات" لكل حزب (او مستقل). ويمكننا ان نلاحظ أن المستقل الوحيد الذي حصل على مقعد هنا هو "أحمد" الذي حصل على 88 صوتا، وفشل باقي المستقلون من كان عدد اصواته اقل من ذلك.
أما بالنسبة للأحزاب فنلاحظ مثلا أن "حزب 2" قد حصل على مقعدين، أي لكل مرشحيه الاثنين، رغم ان معدل أصوات الحزب كان 74 فقط! يعني ان 74 صوتا كانت كافية لتحصل للمرشح على مقعد عندما يكون ضمن حزب، ولم تكن 82 صوتا كافية لفوز "وداد"، ولا "سلام" ولا "علاء" رغم أن كل منهم حصل على اكثر من 74 صوتا!
أيضا، وهذا مهم، ان المرشحين داخل الأحزاب الحاصلين على أصوات قليلة، لديهم فرصة في الحصول على مقعد. ففي حزب 10 يكفي المرشح ان يحصل على 60 صوتا ليضمن مقعده، وفي حزب 7" يكفي المرشح ان يحصل على 50 صوتا ليضمن المقعد، ويكفي المرشح في حزب 4" ان يحصل على 42 صوتا. اما في "حزب 3" فهناك فرصة للفوز بالمقعد لمن حصل حتى على 35 صوت مثلا، (إن كان الثاني في الحزب حصل على 34 صوت والثالث 21مثلا). هنا نرى مثالا على احتمال فوز 35 صوت لحزبي، على 82 صوت لمستقل!
مثال اخر في الجدول الأسفل حيث افترضت تنافس ستة مرشحين على ثلاثة مقاعد. قرر الثلاثة الاولين تشكيل حزب باسم "حزب 3" وقرر الثلاثة الاخرون "وداد" و "سلام" و "علاء" الترشيح كمستقلين. ولنفترض ان كل من المرشحين حصل على نفس عدد الأصوات (100)، فكيف ستتوزع المقاعد؟
في هذا المثال نرى ان جميع المقاعد الثلاثة صارت من نصيب من اختاروا أن يشكلوا حزبا، ولم يفز أي مستقل، رغم انهم حصلوا على نفس الأصوات التي حصل عليها الحزبيون!
لقد اختيرت هذه الأرقام لتوضيح الفكرة، وليس للقول ان التوزيع سيكون دائما بمثل هذه النسب، انما يمكن القول بالتأكيد، ان فرصة فوز مرشح الحزب او القائمة على المستقل ممكنة حتى ان كان مرشح الحزب اقل أصواتا، انما لا يمكن ان يحصل العكس في الواقع، فلا يمكن ان يفوز مستقل بمقعد وهناك مرشح حزب لديه أصوات مساوية له أو اكثر منه.
هل هذا نظام ظالم؟ في الحقيقة لا، ولسببين: الأول هو ان تشتت مجلس النواب الى عدد كبير من الأحزاب الصغيرة يقلل كثيرا من كفاءة العمل، ويجب تجنبه، وهو ما تفعله جميع الدول تقريبا من خلال وضع "عتبات" على المقعد الأول.
والسبب الثاني هو ان المفترض في الديمقراطية هو تشكيل أحزاب تهدف إلى تحقيق سياسة معينة للبلد وتعد ناخبيها بالسعي لها، وليس مرشحين مستقلين لا يستطيعون ان يعدوا ناخبيهم إلا بوظائف او اشباهها من الرشاوي. فالحزب هو الوحدة السليمة لممارسة الديمقراطية، وهو الاقدر على تنفيذ وعوده، ومن مهمات المرشح ان يجد لنفسه رفاقا يتفقون معه على أهدافه ليكونوا حزبا له تأثير بعد الانتخابات.


