اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

قصة "الحكيم وسلة السمك"// نبيلة الشلي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيلة الشلي

 

قصة "الحكيم وسلة السمك"

نبيلة الشلي

 

يحكى أنه في غابر الأزمان، كان هناك حكيم ينوي الخروج في سفر بعيد. والمسافة طويلة وكان بحاجة الى مساعد يؤنس وحدته، ويحمل عنه جزءا من عبئ السفر. وحتى يجد الحكيم الرجل المناسب لشغل هذا المنصب، فقد قام بخطة محكمة: أخد سلة ووضع بها سمكا طازجا، في فم كل سمكة وضع قطعة ذهبية. ولكنه بين هذه السمكات الطريات الطازجات وضع سمكة متعفنة واحدة وغطى السلة بقطعة من القماش، ذهب هو وسلته الى حافة الطريق الرئيسي في القرية وجلس. وكل ما مر به رجل يبدو عليه أنه يصلح للعمل معه يبادره الحكيم بالسلام ويعرض عليه سلة السمك هدية منه... ولكم أن تتصوروا ردة فعل كل من مروا عليه: فبمجرد أن يمسكوا السلة تقفز رائحة السمكة المتعفنة لأنوفهم تزكمها، فيعتقدون أن الحكيم رجل به حمق حتى يعطيهم سلة سمك متعفنة، ومنهم من يردونها له مع كلمة شكر، ومنهم من يدفعها في وجهه متدمرا، ومنهم من يسبه وينعته بذهاب العقل، ومنهم من يرمي بالسلة وينصرف غاضبا. والحكيم على هذه الحال حتى شارفت شمس اليوم على المغرب ... فمر به رجل يبدو عليه التعب والارهاق بعد يوم حافل بالعمل اقترب منه الحكيم وبعد التحية والسلام أعطاه السلة كجميع الناس. طبعا قفزت رائحة العفن الى أنفه وبدا عليه المعاناة وهو يحاول تحملها، وقال للحكيم وابتسامة الامتنان على وجهه: "شكر الله صنيعك وجزاك عني خيرا" . وحمل السلة وانصرف وهو يترنح من شدة التعب وضنى الرائحة القوية التي تنبعث من سلة السمك. الحكيم طبعا خطته لم تنتهي هنا، فقد كان عليه أن يتبع الرجل ويراقب ما يفعله الرجل. فقد توجه الى حافة النهر، وبعد أن أزاح قطعة القماش عن السلة، بدأ يفتش السمك سمكة سمكة حتى عثر على السمكة المتعفنة، أمسكها وتوجه إلى شجرة متوسطة الحجم ما تزال في ريعان شبابها وحفر أمام جدعها حفرة عميقة، ودفن بها السمكة وأعاد عليها التراب. ثم عاد لسلته وغسلها بماء النهر وغسل معها السمكات واحدة واحدة وأعادهم للسلة وانصرف الى بيته.

 في يوم الغد كانت خطة الحكيم تقتضي أن يعود إلى نفس المكان الذي كان جالسا به بالأمس وينتظر. وبالفعل مرعليه الرجل وفي يده كيس وتقدم نحوه بابتسامة شكر وسعادة وقال له: "تفضل يا سيدي هذه القطع الذهبية في الكيس وجدتها زوجتي في فم السمكات التي أكرمتنا بها الأمس". فقال له الحكيم: "يمكنك الإحتفاظ بها فهي هدية لك". رد الرجل بتواضع وقناعة لا متناهية: " لقد أكرمتني وأجزلت لي العطاء، فبعد ما كنت عائدا للبيت بعد خيبة يوم كامل في البحث عن العمل لا مال ولا قوت، دخلت بيتي ومعي عشاء الأسرة كاملة... لا حاجة لنا بالقطع الذهبية يا سيدي، فلقد بتنا شباعا واليوم يوم جديد أعود لطلب الرزق وان شاء الله لا أخيب فعلي السعي والرزق على الله. أصرَّ الحكيم قائلا: "القطع لك مقابل عملك معي"، وأكمل كلامه بثقة تامة وهو يتطلع الى وجه الرجل الذي تهلل سعادة وبشرى خير وهو الذي يبحث عن عمل. تابع الحكيم كلامه قائلا : " ولك مثلها أضعاف المضاعفة حسب المدة التي تقضيعا معي في العمل" . وسكت الحكيم وهو يتلطف بالرجل الذي اختنق صوته من فرط السعادة والفرح وهو يقول : "أعمل يا سيدي ... نعم أعمل...  فقط أخبرني فيما عملي..." . ابتسم الحكيم بارتياح وهو يسمع استعداد الرجل للعمل معه وشرح له طبيعة العمل. وافق الرجل فورا، فعمله مع الحكيم سوف يساعده على اعالة أسرته وسوف يغطي احتياجاتهم ويحسن من وضعهم المادي والإجتماعي. لكن الحكيم كان ما يزال في نفسه تساؤلات ولم يمنع نفسه من مصارحة الرجل بها فقال له: "نحن الآن سوف نصبح رفيقي سفر وأصبح لا بد لي أن أفهمك ولا بد لك أن تفهمني، أما عني فقد تعمدت أسلوب سلة السمك حتى أجد المرافق المناسب لي وأما عنك فما قصة دفن السمكة وغسل السلة وكيف من الأصل قبلت الهدية ورائحة السمك المتعفن أدمعت عيناك بمجرد استلامك للسلة. رد الرجل برزانة وهدوء: "أما عن قبولي السلة فلأنها هدية منك والهدية لا ترد ولا تعاد ولا يشترط فيها شرط، أما عن بحثي في السلة فقد علمتني الحياة ألا أحكم على الأشياء من مظهرها فكان لا بد لي من معرفة مصدر الرائحة واستبعاده. ودفني للسمكة عند جدع الشجرة لأن السمكة سماد ممتاز للنبات والشجر والشجرة هذه يافعة تحتاج القوة. أما مداراتي للسمكة بالتراب فحتى لا ترتفع رائحة العفن فتأذي المارة من الطريق. وغسلي للسلة فحتى أترفق بزوجتي ولا أدخل عليها في بيتها بشيئ قد تعافه نفسها. تأكد الحكيم أن هذا الرجل مناسب تماما للمهمة.

 وأبشركم خيرا فهذا الرجل استلم العمل عن الحكيم بعدما أصبح هذا الأخير شيخا مسنا وبعدما أتقن الرجل صناعة الأدوية من الأعشاب، أصبح حكيما بدوره يبحث عن مساعد له.

 

نبيلة_الشلي

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.