اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

أوراق الخريف- رواية: الفصل الخامس// د. آدم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. آدم عربي

 

عرض صفحة الكاتب 

أوراق الخريف- رواية: الفصل الخامس

د. آدم عربي

 

كان أحمد مشغولا بترتيب خزانة ملابسه عندما وقعت عينه على بطاقته الجامعية عندما كان يدرس الهندسة "المكانيكية" في سوريا ، وقف أحمد للحظة، يتأمل البطاقة الجامعية التي كانت تحمل اسمه وصورته الشابة، تلك الصورة التي كانت تعكس طموحاته وأحلامه في ذلك الوقت ، كانت الذكريات تتدفق كمياه النهر بعد عاصفة شتوية، تعيد به إلى أروقة الجامعة، حيث كان صدى ضحكات زملائه وهمسات المحاضرات لا يزال يتردد في أذنيه ، أعاد أحمد البطاقة إلى مكانها بعناية، وهو يبتسم ابتسامة خفيفة، متأملاً في كلّ خطوة في رحلة حياته الحافلة بالمغامرات والذكريات والتحديات .

تأمل حياته في لبنان بعدما أتم دراسته الجامعية في سوريا والتي شكلت منعطفاً حاداً في حياته ، غاص مجدداً في الذاكرة ، عندما ترك سوريا مُلتحقاً بأحد الفصائل الفلسطينية ، حيث انضم إلى المقاومة الفلسطينية هناك .

في أرض الأرز، حيث تتجذر الحضارة وتتعانق السماء مع قمم الجبال، دخل لبنان محملاً بعزيمة ونضال جيفارا ، كانت مسيرته في الثورة قوية وملهمة ، تحت شمس الحرية، قاد النضال من أجل المستضعفين، وكتب بدمائه قصة الصمود والتحدي ، كان يعلم أن الثورة ليست مجرد انتفاضة عابرة، بل هي مسيرة طويلة تحتاج إلى إصرار وإيمان ، وهكذا، بين جبال لبنان، ترك أثراً لا يُنسى في قلوب رافقة من المقاتلين ، وفي كل خطوة على الجبهات والمهام المتعددة ، كان يحمل معه روح جيفارا، رمز الثورة والتغيير ، لم يكن يخشى الموت يوماً، بل كان يراه جسراً نحو الحرية التي يتوق إليها كل إنسان ، ومع كل فجر جديد، كان يستقبل النور بعزم لا يلين، مؤمناً بأن الشمس لا تشرق إلا لتنير درب الثوّار والثائرات، وكم كان يُمازح المُقاتلات بقوله " الجميلات هنَّ الثائرات " .

وقف شامخاً في وجه الظلم، متحدياً كل الصعاب، متسلحاً بإرادة لا تقهر وعقيدة لا تتزعزع ، كان يعلم أن الثورة لا تُبنى على الأحلام وحدها، بل تُبنى على العمل والتضحية والإيمان بالقضية ، وفي قلب العاصفة، كان صوته يعلو فوق الريح، كان أسطورة رفاقه، فقد ترك بصمات مهمة في ميادين القتال ، فقد أصبح اسمه مرادفاً للنضال والفداء.

لم يكن طريقه مفروشاً بالورود، بل كان مليئاً بالأشواك والتحديات ، لكنه لم يتوانى، ولم يتراجع، بل كان يتقدم دائماً إلى الأمام، متخطياً كل الحواجز، متجاوزاً كل العقبات، متطلعاً إلى يوم يرى فيه نصراً وعدلاً على هذا الكوكب.

يأخذ أحمد نفساً عميقاً ، ويُخاطب نفسه :

- ركضتَ وَرَاءَ وَهمِ التّحرِيرِ، وَنَسيت أَنَّ الجرَاحَ نارٌ وَبأسٌ

- آهٍ من الجرحِ عندما يتحوّلُ إِلَى رصَاصةٍ لا تعرِفُ الهدفَ القَرِيبَ

- وآهٍ من الرَّصاصة عندما تتحَوَّلُ إِلى جرحٍ لا يعرِفُ الهدفَ البعِيدَ!

- كان عليكَ أَنْ تمضيَ بِالتَّجربةِ

- وإِلّا كَيفَ نفهمَ؟ نفهمُ مُتأخّرِين أَحيانًا، وَلكنَّنا نفهمُ رغمَ كلِّ شيءٍ، رغمَ الجرحِ، رغمَ الجراحِ!

ـ هكذا

- نعم، وهكذا نتغَيّرُ

يستمر أحمد في تقليب الذاكرة باحثاً عن أهم محطة في حياته ، حيث يجدها في زاوية من زوايا الذاكرة، حيث تتشابك خيوط الأمس بحبال اليوم، يسترجع أحمد لحظات القدر التي رسمت مسار حياته ،يتذكر كيف وقع في قبضة حزب الكتائب ، حيث الأقدار تُكتب والمصائر تُحاك.

في الطابق الرابع من بناية شاهقة، حيث الأفق مغلق والأمل معلق، وُضع أحمد ، وفي صمت الليل الحالك، سمع همس الموت يناديه، "أعدموه في الصباح" ، كانت الكلمات كالرصاص الذي يخترق الروح، لكنه لم يستسلم لقدره المحتوم.

بقلب يعتصره الألم وروح تتوق للحرية، ألقى بنفسه من الطابق الرابع، في ليلة كان القمر فيها شاهداً على شجاعته ، سقط على شجرة، وكأن الطبيعة أمدته بذراعيها لتخفف من وطأة السقوط، لكنه تكسر، والألم انتشر في جسده كالنار في الهشيم.

مع ذلك، لم يستسلم للألم، بل زحف، زحف بإصرار الجريح الذي يرفض الموت، زحف نحو الحياة، نحو المجهول ، بالصدفة وصل إلى نقطة سيطرة تابعة للقوات الدولية، حيث تم الإنقاذ، أنقذوه ، وفي المشفى، بين الجدران البيضاء والأسرّة المتراصة، وجد أحمد نفسه، حياً، ناجياً، وشاهداً على معجزة البقاء.

يتبع في الفصل السادس......

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.