مقالات وآراء
يوميات حسين الاعظمي (1401)- المقام العراقي رواية العراقيين -7
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 02 تشرين1/أكتوير 2025 20:30
- كتب بواسطة: حسين الاعظمي
- الزيارات: 138
حسين الاعظمي
يوميات حسين الاعظمي (1401)
المقام العراقي رواية العراقيين -7
من كتاب (المقام العراقي في مئة عام)
تحت عنوان داخلي مركزي
المقام العراقي رواية العراقيين -7
عودة الى التراث والحداثة
ان بحثنا هذا قد يدفعنا الى اسئلة عديدة منها مثلا. اذا افترضنا وجود الاساس التاريخي للغناء والموسيقى الجديدة في العراق خاصة والبلدان الاخرى بصورة عامة او بما تسمى الحديثة. أي الاغنية المؤلفة غير العفوية من قبل افراد يعرفهم في المجتمع. فلماذا انتج المقام العراقي مثلا، غناءا مقاميا تاريخيا..!؟ في حين لم ينتج الغناء الحديث او الاغنية الحديثة غناءا تاريخيا..!؟
ان جوابا على هذه الاستفهامات يتطلب فحصا جادا ومفصلاً لعلاقة هذيْن النوعيْن الغناسيقييْن في التاريخ. وطبيعي ان اول شيء يدركه الفنان المقامي الغناسيقي التراثي بصورة عامة. هو ان مقامات عراقية تاريخية فعلاً وغناء مقامي تاريخي، وجدت قبل هذه الحقبة من القرن العشرين. وذلك من خلال تجربة التواصل التاريخي للتراث من الآباء والاجداد والى الابناء. بوصفه تراثا جماعيا لكل ابناء المجتمع. في حين لا تملك معظم ما تسمى بالاغاني الحديثة اية اهمية تذكر بوصفها انعكاسات تاريخية او بوصفها تراثا تاريخيا متسلسلاً في كيفية بناء لحن الاغنية المؤلفة في كل عصر من العصور التي مرت. حيث يكون من الصعب البحث في هذا الموضوع، للانقطاع الذي حصل في تاريخنا في البعض من حقب التاريخ او شبه ذلك..! وبالتالي خلو تاريخنا الغناسيقي من نوتات الاغاني والمدونات الدقيقة للاغنية الحديثة الملحنة. خاصة وان اجهزة التسجيل الصوتي لم تظهر إلا في حقبة توديع القرن التاسع عشر واستقبال القرن العشرين. وعليه فان هذا النوع من الغناء في العراق على الاقل، يكون من الصعب ادراك تواصله التاريخي، لأنه نتاج ثقافات فردية لفنانين افراد قاموا بغناء وتلحين او كتابة كلمات اغنية ما دون ان تدون او تؤرخ..! وهكذا ضاع قسما مهما من تاريخنا الموسيقي والغنائي وذهبت جهود قرون كثيرة من التطور والابداع ادراج الرياح..!!
وطبيعي يكون من الواضح ان مغني المقام العراقي في حقبة التحول وابرزهم المطربين المتنافسين رشيد القندرجي ومحمد القبانجي معا. انتجوا تسجيلات بأصواتهم الغنائية، مقامات عراقية تاريخية وفعلية ومهمة، كمقامات الرست والبيات والحجاز ديوان والسيكاه والنوى والمنصوري وغيرها. وبالاضافة الى هذه المقامات، يأتِ في حقبة التجربة او منتصف العشرين. الازدهار الكبير الثاني للمقام العراقي التاريخي..! بنتاجات مغنين مبدعين كحسن خيوكة ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبدالرحمن العزاوي وزهور حسين وغيرهم. ومعظم هذه المقامات العراقية التي اداها المغنون المبدعون هؤلاء. ليست فقط ذات مرتبة اعلى بما لا يقاس مع نتاجات مغني حقبة التحول. وانما هي ايضا تاريخية بمعنى مختلف وعميق واصيل جدا. ولفهم هذا التطور المتفاوت، يجب ان نثبت الفرق بين علاقة المقام العراقي كمادة تاريخية، بالغناء العراقي في زمننا الحديث والمعاصر وعلاقته بالتاريخ. ومما يعقد هذه القضية، هو ان تفاعلاً كبيرا جدا حدث في القرن العشرين بين المقام العراقي وعملية غناؤه. وطبيعي ان علاقات وطيدة توجد بين الاثنين. وليس من المصادفة ان يكون ناظم الغزالي او كل المغنين المبدعين في حقبة التجربة، قد اشار الى هذه الحقيقة فعلاً من خلال غنائه المقامي واداء معاصريه المغنين المبدعين. إلا ان الدراما والتفاعلات المقامية تعودان في الحقيقة الى عصور مختلفة جدا..!
ان العلاقة التاريخية في الشكل والمضمون تتطور كثيرا في ازمنتنا الراهنة. وازدهار المقام العراقي يسبق تطور الاطوار الغناسيقية التراثية الاخرى. لأمر يتعلق بنشاة هذه المقامات في المدن. ومن ناحية اخرى، فغناء المقام العراقي في حقبة التجربة وبما سبقه في حقبة التحول، بل حتى في حقبة النضوج المستقبلية الواقعة في الثلث الاخير من القرن العشرين..! منذ البداية له ميول اسلوبية معينة تدفعها في مجرى التطور اكثر من ذي قبل في اتجاه الغناء المقامي..! وبالعكس فان العنصر الفني في غناء المقام العراقي، ولاسيما عند حسن خيوكة وناظم الغزالي. بالرغم من انه ناشىء بصورة اولية عن الحاجات التاريخية المحسوسة للعصر. لكنه متأثر مع ذلك، فنيّاً بواسطة تطور النهضة الغناسيقية الجديدة في العراق منتصف القرن العشرين.
ان ما جاء من فن غنائي مقامي رومانسي تأملي حالم في غناء حسن خيوكة. تجلى في غناء ناظم الغزالي بصورة اكثر فنّاً واكثر عمقاً في هذه النواحي. لأنه جمع ما بين اروع احساس أدائي بالشروط الاساسية لجميع الظروف التاريخية، واذكى بُعد نظر سايكولوجي في كل صفة مميزة منفردة. والفهم الاوضح للحظة التواصل التي تتلاقى فيها الظروف الخاصة والعامة. وقد كان الجمع هذا، هو الذي دانت له حقبة التجربة بكليتها الفكرية والفنية والجمالية وعدم امكان مقاومتها..!
والى حلقة اخرى ان شاء الله.
صورة 1 / حسين الاعظمي والمطرب السوري عمر سرميني يتوسطان مجموعة من فناني العراق وسوريا والمغرب. في آذار 2009 باكو العاصمة الاذرية ايام مهرجان(عالم المقامات). ويظهر من العراقيين داخل احمد ووسام العزاوي واديب الجاف وعلي اسماعيل جاسم.
صورة 2 / حسين الاعظمي يذهب بعائلته الى اروقة المتحف البغدادي في شتاء 1989، الى المكان الذي يحبه ويتذكره دائما، الى المكان الذي شهد بدايته الفنية.