اخر الاخبار:
سامراء.. القبض على الإرهابي "أبو إخلاص" - الخميس, 30 تشرين1/أكتوير 2025 20:34
فائق زيدان يوجه بإزالة اسمه من أحد شوارع الموصل - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:14
ترمب: إن لم تُحسن حماس التصرف فسيتم تدميرها - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:11
العراق.. توقعات جوية غير متفائلة للموسم المطري - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 19:26
نتنياهو يأمر بتنفيذ ضربات قوية وفورية في غزة - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 19:22
انخفاض كبير في أسعار الذهب في بغداد واربيل - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 11:10
البطريرك ساكو يشارك في مؤتمر عن السلام بروما - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 11:04
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

قراءة نقدية في لوحة (العرش والعش) للفنانة التشكيلية فيفيان الصايغ// محمد حجازي البرديني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد حجازي البرديني

 

 

قراءة نقدية في لوحة (العرش والعش) للفنانة التشكيلية فيفيان الصايغ

محمد حجازي البرديني

 

في زاويةٍ من صمت الألوان، تتربّع الرموز في لوحة الفنانة فيفيان الصايغ كأنها مملكة صغيرة من الدهشة، فيها العرش، والعش، والطائر، والنور الذي يتسرّب من الغياب كأنّه دمعة ضوءٍ على خدّ الزمن.

هذه اللوحة ليست مشهدًا بسيطًا من الحياة، بل هي قصيدة من الفكر البصري، تفيض رموزًا وتأملًا، كأنها مرآة لزمنٍ أضاع ملكه فبقي الكرسي شاهدًا عليه.

 

اللون الأحمر: لهب الذاكرة ودم العالم.

اللوحة تفتح بابها باللون الأحمر، لا الأحمر الذي يُرى، بل الأحمر الذي يُشعر.

لون يشبه صوت القلب حين يئنّ، كأنّ خلفية اللوحة جدار من الحنين، أو مسرح انطفأت عليه الأنوار وبقيت دماء الحلم تضيء المكان.

هو لونٌ يذكّر بالحبّ حين يشيخ، وبالدمع حين يخجل أن يسقط.

في هذا اللون تُقام الدراما الصامتة: صراع بين البقاء والغياب، بين العرش والطائر، بين الإنسان والطبيعة التي حلّت محلّه.

الأحمر هنا ليس تزيينًا بصريًا، بل هو الروح السرية للوحة، ينبض خلف الأشياء، يدفئها من الداخل، ويجعل كل ما فوقه حيًّا بالمعنى وإن مات بالشكل.

 

الكرسي: عرش الذاكرة ووحشة السلطان الغائب.

في قلب اللوحة، يتوسّط الكرسي المشهد كأنه مركز الوجود.

كرسيٌّ فخمٌ، بزخارفه البيضاء الناعمة، ومسانده الملتوية، وكأنّه عرش خرج من قصيدة ألف ليلة وليلة، ثم تُرك وحيدًا في مسرحٍ بلا جمهور.

لا أحد يجلس عليه، لا بشر، لا ملك، لا أمير؛ جلست عليه الطبيعة نفسها في هيئة عشٍّ وطائر.

هنا تكمن المأساة الفنية الكبرى في اللوحة: غياب الإنسان عن مكانه الطبيعي، وتركه للجماد كي يحيا بدونه.

ذلك الكرسي هو استعارة لكل ما فقدناه: السلطة، الذاكرة، البيت، الوطن، المعنى.

وقد أرادت الفنانة أن تقول بلغة اللون: "كم من عروشٍ خلت، وكم من أماكنَ لم تعد تعرف أصحابها."

 

العشّ والطائر: الحياة تعيد صياغة القصر.

فوق العرش، يعلو عشٌّ من الأغصان الملتفة بخيوط من الحليّ والخرز والمجوهرات.

ما كان للذهب أن يصعد إلى هناك، لكنّه صعد.

وكأنّ الفنانة تقول إنّ القيمة لم تعد فيما يلمع، بل فيما يحيا.

الطائر الذي يقف على العشّ ليس مجرد كائنٍ بريء، بل رمزٌ للحرية التي وجدت مأواها فوق رماد الإنسان.

إنّه صوت الطبيعة وهي تستعيد سلطانها، تحوّل العرش الفخم إلى عشّ بسيط، وتعلن أن الحياة يمكن أن تبدأ حتى فوق أطلال المجد.

الطائر الأسود ذو الصدر الأبيض يرمز إلى التناقض بين الظلمة والنور، بين الأرض والسماء.

هو الغراب الذي يبشّر بالنهاية، وهو الحمامة التي تبشّر بالبداية.

رمزٌ مزدوجٌ كالحقيقة نفسها؛ مؤلمٌ وجميل في آنٍ واحد.

 

الإضاءة والظلّ: المسرح الداخلي للّوحة.

كل شيء في اللوحة يغتسل بنورٍ خافتٍ، كأنّ الضوء نفسه خائفٌ من أن يوقظ الأسرار.

الإضاءة تتركّز على الكرسي، لتجعله بؤرة العين والعقل معًا.

لكنها ليست إضاءةً كاملة، بل ضوءٌ يشبه ذاكرة الحلم، يُريك ويخفي، يفضح ويستحي.

تحت الكرسي يمتدّ ظلٌّ ثقيل، لا كظلٍّ مادي، بل كظلّ معنى، كأنّ الماضي نفسه ما زال جالسًا هناك، وإن غاب الجسد.

أما الخلفية، فقد ملأتها الفنانة بمصابيح الشوارع، أعمدة الإنارة التي تقف في صمتٍ، كأنها شهودٌ على العرش المهجور.

تضيء ولا تضيء، تراها ولا تراها، فهي ليست لإضاءة الطريق، بل لإضاءة المعنى.

وفي تكرارها، إحساسٌ بالوحدة، وبأن المدينة نفسها تراقب المشهد من بعيد.

الرمزية والتأويل.

 

كل عنصرٍ في اللوحة يحمل رمزه الخاص:

الكرسي: السلطة، الغياب، الماضي المجيد.

العشّ: عودة الطبيعة، ولادة جديدة، معنى البقاء بعد الفناء.

الطائر: الحرية، الرقيب، روح الإنسان حين تغادر الجسد.

اللون الأحمر: الشغف، الذاكرة، الاحتراق.

أعمدة الإنارة: الحضور الميت، العين التي ترى ولا تنقذ.

ومن تآلف هذه الرموز، تولد الدراما الصامتة التي تُشعرك أن اللوحة لا تصوّر مشهدًا، بل تتكلّم بلغتها الخاصة، بلا صوتٍ، لكنها تفهمك تمامًا.

 

الرؤية الجمالية والفلسفية.

تقدّم الفنانة في هذه اللوحة تأمّلًا في معنى الوجود والزمن.

فما بين العرش والعشّ، مسافةٌ فلسفية هائلة: من القصور إلى الأغصان، من المجد إلى البساطة، من الزينة إلى الحياة الحقيقية.

وكأنها تقول: كل ما يبقى بعد زوال الإنسان، هو ما استطاع أن يتحرّر من غروره.

العشّ الذي حلّ محلّ التاج هو إعلان انتصار الطبيعة على الزيف، والحياة على الترف، والبساطة على الكِبر.

هذه اللوحة، وإن بدت هادئة، فإنها تتكلّم عن الثورة الكبرى في الوجود؛ عودة الأصل إلى مكانه.

هي لوحة فلسفية مغلّفة بجمالٍ بصريٍّ ساحر، تنفذ إلى القلب قبل العين، وإلى المعنى قبل الشكل.

 

خاتمة: في معنى الجمال والصمت.

حين تقف أمام هذه اللوحة، تشعر أنّ الطائر سينطق، وأنّ العرش سيذكر اسم صاحبه، وأنّ المصابيح ستبكي نورها الأخير.

إنّها لوحة لا تُقرأ بالعين فقط، بل بالقلب والعقل والذاكرة.

فيها من جمال الهدوء ما يجعلها صلاة لونية، ومن عمق الفكرة ما يجعلها كتاب تأملٍ مفتوح.

لقد جعلت فيفيان الصايغ من الألوان كلمات، ومن الأشكال جُمَلًا، ومن الضوء حكايةً عن الإنسان حين يغيب، والطبيعة حين تحيا مكانه.

تلك هي اللغة الصامتة للجمال؛ فالجمال صوت الله في الأشياء، وإن الفن صلاةٌ ترفعها الألوانُ بدلَ الحروف.

 

كتبت الإضاء النقدية بتاريخ الأحد 5 / 10 / 2025 م.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

962776537021

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.