اخر الاخبار:
سامراء.. القبض على الإرهابي "أبو إخلاص" - الخميس, 30 تشرين1/أكتوير 2025 20:34
فائق زيدان يوجه بإزالة اسمه من أحد شوارع الموصل - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:14
ترمب: إن لم تُحسن حماس التصرف فسيتم تدميرها - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:11
العراق.. توقعات جوية غير متفائلة للموسم المطري - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 19:26
نتنياهو يأمر بتنفيذ ضربات قوية وفورية في غزة - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 19:22
انخفاض كبير في أسعار الذهب في بغداد واربيل - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 11:10
البطريرك ساكو يشارك في مؤتمر عن السلام بروما - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 11:04
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

أدب آدم عربي: بين الفكر والرمز… حين تكتب اللغة وعيها// زهير حنا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

زهير حنا

 

أدب آدم عربي: بين الفكر والرمز… حين تكتب اللغة وعيها

الكاتب الذي يرى بالفكر ويشعر بالعقل

زهير حنا

تورنتو - كندا

 

يتميّز أدب آدم عربي بأنه لا يفصل بين الفكر والجمال، ولا بين الشعر والفلسفة. فهو يكتب بعين المفكّر وقلب الشاعر، ويمارس النقد بلغة الفن، ويكتب الشعر بوعي الفيلسوف.

كل نصٍّ عنده، مهما بدا بسيطا، يحمل خلفه قلق السؤال: عن الزمن، والوعي، والحرية، والإنسان.

وهو في ذلك يسير على خيطٍ دقيقٍ بين الجدليّ والوجداني، بين التحليل العقلي والتأمل الجمالي، بحيث يصبح الأدب عنده وسيلةً لفهم العالم ومقاومته في آن واحد.

 

أولا: الفكر بوصفه نَفَسا جماليا

في مقالاته الفلسفية والاجتماعية مثل "ما لا يدركه الليبراليون: الحرية كقناع للعبودية الحديثة!" و"هل يمكن نفي الرأسمالية؟"، نجد فكرا عميقا مشحونا بالإيقاع، كأن اللغة تفكر وهي تُغنّي.

يكتب مثلا:

"لا تتحدث عن الحرية حيث لا وجود للأحرار، ولا عن الديمقراطية حيث لا وجود للديمقراطيين."

 

إنها جملة تختصر فلسفته في الوعي: لا قيمة للكلمات ما لم تجسّدها الذوات، ولا معنى للمفاهيم خارج الإنسان الذي يصنعها ويغيّرها.

هكذا يتحوّل المقال عنده إلى قصيدة فكرية، والجدل إلى موقف جمالي.

 

ثانيا: الشعر كمرآةٍ للزمن والوجدان

في ديوانه "أثر الخيوط"، يتجلّى الحسّ الرمزي والوجداني العميق الذي يميّز شعر آدم عربي.

إنه يكتب عن الإنسان في علاقته بالزمن، بالذاكرة، وبالغياب. لغته متقشّفة، لكنها مشبعة بالإيحاء، وصوره تمتزج فيها الفيزياء بالحنين، والفلسفة بالعاطفة.

 

ومن أبرز نصوصه التي تعكس هذا الأسلوب قصيدته "امرأة في قطار"، التي تفيض رهافةً وتكثيفا، وتكشف كيف يمكن للشاعر أن يكتب الوجدان بلغة الفكر، وأن يحوّل اللحظة العابرة إلى سؤالٍ أبدي.

 

قصيدة: امرأة في قطار

بقلم: د. آدم عربي

في القطارِ امرأة

وجهُهَا الحزنُ

يبتسمُ للحزن

خجلُهَا لوحةُ

الذكرياتِ القادمة

تنظرُ إليَّ عندما

أُغمضُ عينيّ

أراها في الكتبِ بحرًا

للسفنِ الراحلة

ماذا أفعلُ بالمسافات

وهي تنامُ

أبعدَ مِنْ قبلة؟

ظِلُّها سطرٌ

يحترقُ في القلبِ

طيفُها لحظةٌ

تُسافرُ بينَ الجفونِ وتغني

أحلامَ الليلِ

من شفاهٍ ضائعة

ماذا أفعلُ بالصمتِ

وهو ينامُ

على أبعد بسمة؟..

 

تحليل القصيدة: رمزية العابر والمستحيل

في هذه القصيدة يلتقي عند آدم عربي الحب بالغياب، والوجدان بالزمن.

القطار هنا ليس مجرد وسيلة سفر، بل رمزٌ للوجود الإنساني المتحرّك نحو المجهول، والمرأة التي تظهر فيه تمثّل الحلم الضائع، أو ربما اللحظة التي لا تُمسك.

 

تتجلّى براعة الشاعر في تحويل المشهد الواقعي إلى مجازٍ فلسفي:

"وجهها الحزن يبتسم للحزن" ، مفارقة تجمع بين الجمال والأسى، وكأن الحزن صار هو الملامح ذاتها.

 

"أراها في الكتب بحرا للسفن الراحلة" ، إشارة إلى أن الذاكرة ليست سوى نصٍّ نقرأ فيه من رحلوا.

 

"ماذا أفعل بالمسافات وهي تنام أبعد من قبلة؟" ، المسافة تتحوّل إلى كائنٍ حيٍّ ينام بين الرغبة والعجز.

 

تتكرّر المفردات (الحزن، الظل، الصمت، المسافات) لتخلق جوّا من السكينة المأساوية، حيث لا يحدث شيء، ومع ذلك يحدث كل شيء في الداخل.

إنها قصيدة عن اللقاء المستحيل، وعن الإنسان الذي يحدّق في المدى فيكتشف ذاته.

وفيها يتجلّى أسلوب آدم عربي المعروف: الاقتصاد اللغوي، الرمزية الكثيفة، والموسيقى الهادئة التي تمزج بين التأمل والوجد.

 

ثالثا: الرواية كصدى للفكر والزمان

في روايته "مدينة الوقت"، تتخذ الأسئلة الفلسفية شكلا سرديا.

المدينة عنده ليست مكانا، بل مجازٌ للزمن العربي المتكرّر، وللانفصال بين الوعي والتاريخ.

 

يكتب في أحد الفصول:

"الزمن يكتب التقارير، والمدينة تصدّقها قبل أن تقرأها!"

بهذه الجملة الساخرة يختصر عبثية الواقع الذي تتحوّل فيه الحقيقة إلى وثيقةٍ رسمية، والإنسان إلى توقيعٍ بلا وعي.

السخرية في روايته ليست سخرية سطحية، بل أداة نقد فلسفي تمزج بين الجدّ والتهكّم، لتعرّي هشاشة البنى السياسية والاجتماعية.

 

رابعا: البنية الفكرية والجمالية في أدبه

ما يميّز أدب آدم عربي هو أنه يبني نصّه على وحدةٍ عضوية بين الفكر والجمال.

فهو لا يكتب المقال بمعزل عن اللغة، ولا القصيدة بمعزل عن الفكرة.

بل يُنضج المعنى داخل اللغة نفسها، ويجعل من الجمال وسيلةً للكشف لا للتزيين.

وهنا يمكن القول إن مشروعه الأدبي هو مشروع تحرير مزدوج: تحرير للفكر من الجمود، وللجمال من التفاهة.

 

 الأدب كفعل وعي ومقاومة

إن أدب آدم عربي لا يُقرأ بحثا عن المتعة وحدها، بل عن المعنى الذي يولد من الصراع ، بين الإنسان وزمنه، بين الحلم والواقع، بين الوعي والعاطفة.

إنه أدب يجعل القارئ يفكّر وهو يتأثر، ويشعر وهو يتساءل.

 

في قصيدته "امرأة في قطار" كما في مقالاته وروايته، تتجلّى فلسفته الهادئة:

أن الجمال لا يُنقذ العالم، لكنه يذكّرنا بأننا ما زلنا نستحق الخلاص.

 

"ماذا أفعلُ بالصمتِ

وهو ينامُ

على أبعدِ بسمة؟"

هنا، يترك آدم عربي سؤاله الأخير معلقا في الأفق، كأن الصمت نفسه هو الإجابة الوحيدة الممكنة في عالمٍ يضجّ بالضجيج.

 

زهير حنا

تورنتو - كندا

29/10/2025

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.