اخر الاخبار:
ليل بغداد يهتز بأصوات غامضة.. توضيح أمني - السبت, 29 تشرين2/نوفمبر 2025 20:54
ترمب يعلن إغلاق المجال الجوي فوق فنزويلا - السبت, 29 تشرين2/نوفمبر 2025 20:46
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

لمحة من جمال الشعر الفارسي - بعيدا عن السياسة// صائب خليل

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

صائب خليل

 

للذهاب الى صفحة الكاتب 

لمحة من جمال الشعر الفارسي - بعيدا عن السياسة

صائب خليل

 

ليس بعيدا جدا عن السياسة في الحقيقة، فما قادني الى ما سأكتبه هنا مرتبط بالسياسة بشكل وثيق ايضا.

وجدت بالصدفة انشودة حسينية ايرانية (وأنا استمع كثيرا نسبيا الى الغناء الفارسي الصوفي غالبا) مثيرة للاهتمام لما فيها من عزم وحث وتحشيد للناس، وتعطي الواقع الحالي ما تعطيه للماضي، وهذا شيء مميز، شعرت ان العراق وشعبه بحاجة ماسة اليه للخروج من المستنقع المذل والمستسلم الذي ربما لم يمر بمثله في تاريخه.

الانشودة مترجمة لكني وجدت ترجمتها سيئة فقررت ان اترجمها بنفسي قبل عرضها عليكم. الا ان محدودية خبرتي بالفارسية تطلبت الاستعانة ببعض الترجمات، وخاصة في مقاطع مشكوكة القصد، وهي كثيرة في الشعر الفارسي.

 

ما وجدته بالبحث كان جميلا بحيث قررت ان أؤجل نشر الانشودة واكتفي بالحديث عن مقطع واحد منها في هذا المنشور فهو وحده يستحق ذلك.

 

المقطع يقول بالفارسية:

بر سردر سرای محبت نوشته اند

با سر کسی به محضر دلبر نمیرسد

 

وترجمته البسيطة:

مكتوب فوق باب قصر الحب (سراي محبت)

لا أحد يصل الى حضرة المحبوب برأسه!

 

ما المقصود "لا يصل برأسه"؟ خاصة ان "الرأس" (سر بالفارسية) تعطي معان كثيرة، فما الذي يقصده الشاعر؟

 

المعنى الأول الجميل الممكن هو ان المقصود: أن عليك ان تنحني للمحبوب، وتتواضع امامه، إن كنت تريد ان تصل اليه! والمحبوب هنا بالمعنى العام والصوفي فالأنشودة صوفية تتحدث عن الله والحسين وجهاده..

ويمكننا ان نفهم أنه مكتوب على باب قصر المحبة ان على الداخل اليه ان يحني رأسه ليدخل، في إشارة تربط الرمز الجميل بالحركة الواقعية (تخيل ان يكون باب سراي المحبة منخفضا يجبر الداخل اليه ان ينحني!)

 

المعنى الآخر الذي خطر ببالي هو ان يكون المقصود ان الوصول الى المحب لا يكون بالعقل، بل بالقلب. فبحثت هذا الاحتمال. كما اني شككت بأن مثل هذه الجملة الخاصة قد تكون صدى لمعنى تاريخي ادبي معروف في الفارسية، فهي عبارة مثيرة جدا للخيال والتأمل، وغالبا ما يتوارثها الادباء.

وبالفعل وجدت لها التاريخ الثري التالي، الذي اسعدني وارجو ان يسعدكم:

 

عن المعنى الأول للتواضع والانحناء للعشق، وجدت:

1-سعدي الشيرازي

ورد له في بوستان:

"به سر منزل عشق نتوان رسید

مگر سر به خاک در او کشید"

 

لا يُبلغ مقام العشق إلا من يسجد برأسه على تراب بابه.

 

وعن معنى الوصول بالقلب وليس العقل، وجدت:

1-حافظ الشيرازي

يقول حافظ في إحدى غزلياته:

"به عقل نازک خود من مشو فریب ای دل

که این ره نه به سر می‌رسد، نه به تدبیر"

 

وتعني: أيها القلب، لا يغرنك عقلي الرقيق، فهذه الطريق لا تُقطع بالعقل والتدبير.

 

أي: الطريق إلى المحبوب (ربما المقصود إلى الله) لا يُبلغ بالرأس (العقل) بل بالمحبة والعشق.  أي لا أحد يصل إلى حضرة الحبيب بعقله أو بكبريائه، بل بعاطفته ومشاعره.

 

2-جلال الدين الرومي (مولانا)

يقول في المثنوي:

"عقل در شرحش چو خر در گل بخفت

شرح عشق و عاشقی هم عشق گفت"

 

حين يحاول العقل شرحه، يغرق كما الحمار في وحل الطريق

لا تشرح العشق سوى لغة العشق.

 

أي أن العقل يتعثر ويضيع في طريق الحبيب (الله) ويفقد قدرته على التقدم

فالعشق (القلب) هو من يعرف تلك الطريق.

 

ارجو انها كانت رحلة قصيرة ممتعة لكم كما كانت لي، في الادب الفارسي، وأرجو ايضا اني اعطيتكم فكرة عن الطبيعة المتعددة الاتجاهات والمعاني الممكنة للعبارة الادبية الفارسية. فيبدو ان قطعة الادب الفارسي اشبه بلوحة الفن الحديث، التي يحق للمشاهد ان يفسرها بطرق مختلفة، يترك كاتبها خيار معناها الانسب، إلى القارئ.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.