ارشيف مقالات وآراء
• قوة الردع في الوازع الداخلي للعمل السياسي !!
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 04 حزيران/يونيو 2010 11:15
عبد الر حمن آلوجي
قوة الردع في الوازع الداخلي للعمل السياسي !!
إن من طبيعة العمل السياسي أن يلعب دورا هاما ومؤثرا في الحياة بمختلف أركانها ومقوماتها وصعدها , لما لهذا العمل من دور ريادي وإرادي ومنهجي وتوجيهي هام , كما أن له قوة حركة ودفع من شأنها أن تحيط بقطاع واسع تخطيطا وبرمجة وإدارة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وبلورة الرؤى والمواقف , وحشد الطاقات , ووضع الإمكانات في مسارها , ورسم الأطر الهامة في الخطط والبرامج الموضوعة , سواء كان هذا العمل في الظل أم في دائرة الضوء , أم كان متحققا في كيان إداري ومؤسساتي, يقود المجتمع ونظامه السياسي , ويوجه دفته إلى الوجهة التي يرتئيها , أم كان في طابع متحرك , وكيان يسعى لأخذ دوره في زمام المبادرة في حكومات الظل والمعارضات , والنشاطات المعلنة وغير المعلنة , والانطلاق إلى التأسيس وبلورة اتجاه محدد , يكون له من الأثر في توجيه طاقة جماهيرية أو نخبوية أو كليهما معا , ووفق درجة وقوة ودائرة التأثير المراد إحداثه , والنقلة المفترضة في هذا العمل الهام والخطير في المجتمع , واتجاهاته , وانتحائه درجة ما من الاستقرار والأمن الداخلي , وهو ما يجعلنا نفكر جديا في المهمة المطلوبة مرحليا واستراتيجيا , في رؤية العمل السياسي وحجمه , ومدى أخذه بعده المطلوب في تلبية أغراض وأهداف وحاجات المحيط الذي يتحرك من خلاله , ويتحرى قيمه وموازينه ومواضعاته وموافقاته وأساليب حياته المتوخاة والمتوقعة , والأخرى المخطط لها , ومدى الدقة في الوصول إلى رؤية دقيقة لكل ذلك , دون اعتساف أو تردد أو تسرع, ووفق معايير ومرتكزات وقوى أتيح لها – بعد جهد سياسي وتنظيمي وتعبوي مديد – أن تحرك قطاعا أو قطاعات من المساحة الجماهيرية في الساحة الوطنية , بتفاوت في القدرة والتأثير في مجتمع تحددت توجهاته ومنطلقاته وآفاق رؤيته السياسية , أم لا زالت في طور التكون , ومدى حجم ودور كل قطاع من فطاعات المجتمع المراد التأثير عليه وتنازع قيادته وتوجيهه , وحركة وفعل كل فئة وشريحة , وكل لون وطيف واتجاه , حول ما يراد له , وما يعزم عليه , وما يراد به .
والذي يطرح بقوة وعمق في الممارسة السياسية بأشكالها وأساليبها وطرقها ومناهجها , في حالتي الحكم والمعارضة , والتكوين والاستقرار الإداري والسياسي والتنظيمي , والآخر المرشح في الظل للقيادة والتوجيه والانطلاق لمديات من التأثير , هذا الذي يطرح بوضوح وقوة هو ما مدى عمق الردع الداخلي والوازع الذاتي في السلوك والممارسة , و ومدى ترسخ الضمير الحي المتأصل في رؤية السياسي – مجردا من ميوله وعواطفه المسبقة والمباشرة - , تجاه مجموعة من القيم والمفاهيم والموازين التي تحكم وتحرك السلوك وتوجه الهدف , وتبرمج للطموح المشروع , وتخطط له ,وتترجمه إلى الواقع؟؟! , كل ذلك في غيبة الرقيب والمحاسب والحاكم الخارجي, الضاغط على الممارس و تصرفه المرجو, والمنتظر في ضوء منظومة الأفكار والتوجهات والقيم ؟! , وما مدى توغل هذا الوازع كقوة رادعة من أي انحراف واضطراب وتململ , في الممارسة الحياتية العريضة واليومية المباشرة , وما مدى قدرة هذه الطاقة في ردع كل بادرة من شأنها أن تبعده عن المسار القويم , وتخرق نطاق الهدف المرسوم والمنهجية الموضوعة, دون مغالاة ودون طرح ذلك في طابع أماني وتمنيات مثالية وغير واقعية؟! , وما مدى وثوق الممارس السياسي من سلوكه وتصرفه في تصديه لحياة الناس ومقدراتهم ومصائرهم , وتوجيه دفة اقتصادهم ومعاشهم , في حركة المجتمع الدائبة وغير المتوقفة , والسائرة نحو طموحاتها وأهدافها المأمولة ؟؟! .
أسئلة هامة تطرح نفسها على الممارس وهو منخرط في عملية سياسية ارتضاها لنفسه , وتصدى بكليته فكرا وسلوكا لتجربة هي من أعقد وأهم وأكثر التجارب عرضة للمراقبة والنقد !! , وعليه أن يدرك أن إتيانه كل عمل من شأنه أن يكون تحت المجهر الكاشف , وان ليس ثمة ما يخفى , سواء كان الممارس قادرا أو قامعا أو قاهرا , أو كان يعاني مخاض التجربة في الظل
والمعارضة , ليأتي سلوكه محكوما برقابة صارمة وروادع داخلية عميقة , إن كان الوازع الداخلي حيا ومتحركا , وقوي الردع والفاعلية , أو خارجيا ضاغطا ,سواء كان صامتا مدحورا , أم ناطقا قوي النبر واضح الصوت ..ولا يتأتى الوازع الداخلي النازع إلى رقابة حقيقية , تحكم السلوك وتوجه التصرف , وتقوده بهزة داخلية رادعة ,لا يكاد هذا الوازع يتأتى بجرة قلم , بل من خلال تربية طويلة ومضنية وشاقة في حلقات محيطه الاجتماعي بدءا من الأسرة والمدرسة والمنظمة وانتهاء بتفاعله مع محيطه العام , ومجتمعه وعلاقاته الواسعة في كل ذلك , وما يتركه كل ذلك من أثر يخضع له المراقب داخليا , وهو يخرج من صقال مبادئه , وتهذيب صارم ومديد لعقيدة نضالية وفهم فكري وقيمي عميق , وصهر لإرادته في مختبر حياتي فيه الكثير من الخض والتمحيص والابتلاء , وصقل القدرات , وعرضها على كوامنه وأعماقه , ليخرج من ذلك وهو يستعد- بما ملك من قدرة وطاقة , وإقبال على الحياة , وامتحان لإرادته الخيرة- لخوض هذه التجربة الفريدة , مسندا إلى نفسه مهمة كبرى , فيها من الشقوة والمكابدة والعنت , ما فيها من السعادة والفلاح وراحة الضمير أيضا , لتغدو عملية محاسبة النفس وردعها , من خلال الوازع الداخلي قوة لجم وردع من خوض غمار الشهوات وركوب متن الوصولية والارتشاء والانتهازية والتهالك على المناصب , والنيل من الآخرين ما يجعله في حالة من البؤس والتردي والانهيار ولوك كل أنواع الهزيمة الداخلية , في غياب الرقابة الثمينة والوازع الخير , والدفقة العامرة بالحياة والأمل في تحقيق طموح الناس , في راحة ضمير يقظ , وسلاسة عمل , يمكن أن تشكل الرقابة الخارجية قوة ردع ضاغطة , ولكنها لا تكاد تمثل جزءا يسيرا من الرقابة الداخلية النشطة في الأعماق , وهي تحاسب وترتب وتوجه توجيها رائدا وقادرا, وعظيم الدلالة , في حين يمكن لمن لا يملك هذه النفحة السامية أن يتملص ويتخفى من كل رقابة خارجية , ليقع ضحية غرائزه وأطماعه وهواه القاتل , فيعبث ويسيء ويزرع الفساد , وينهب ويظلم ويقمع ويجور, وينكث بالعهود والمواثيق , ويختلس ويرتشي , يأتي الفواحش, ويبطر ويتجاوز كل حد , ليتحمل في كل ذلك أعباء أخطائه وانحرافاته المشينة , في حين ينعم الآخر- وهو يمارس عمله السياسي- براحة منقطعة النظير في ضميره لعلمه بما يكنه ويخفيه ويظهره , فيحقق نتائج حاسمة ومبدعة وخيرا سابغا , في ظل وازع داخلي مؤثر ورادع , وفي اقتراب كبير من أهداف وطموحات شعبه , ورفاهه وازدهار حياته , وهو من شأنه أن يرسم خطا عريضا في الخارطة السياسية في كل مكان ليخرج من إطار الفكر والنظرة السياسية المجردة إلى واقع عملي , يحمل في طياته نسخا كثيرة
, بل آلاف الأمثال الحية في محيطنا السياسي في سوريا عامة والحركة الكردية, بحيث تنطق النماذج السياسية بما توحي هذه النظرة وتحددها من سلوك وممارسات , وشخوص حية تتحرك على أرض , ولا تكاد تخفي رؤوسها في الرمال , لأن الكثير منها مكشوفة بما تأتي وتدع من حركة ونشاط وقول وفعل, وهو المقصود والمطلوب في وقفة جادة وهادفة و مسؤولة .
المتواجون الان
498 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع