مقالات وآراء
العراق ضمآن والكأس في يديه!// محمد حمد
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 26 تشرين1/أكتوير 2025 16:54
- كتب بواسطة: محمد حمد
- الزيارات: 125
محمد حمد
العراق ضمآن والكأس في يديه!
محمد حمد
وردنا ماء دجلة خير ماءٍ - وزرتا اشرف الشجر النخيلا
من كان منا يتخيّل أن العراق، صاحب النهرين العظيمين والأنهار الفرعية الأخرى والينابيع والاهوار والعيون، سيجد نفسه في يوم ما في أزمة مياه. يستجدي عطف (الز ِين والشِين) في إيران وتركيا من أجل الحصول على حصته من المياه. ومن كان يتصوّر أن العراق يضطر بين حين وآخر إلى إرسال وفود وتقديم تنازلات واغراءات إلى دول الجوار ليروي عطشه. ويلجا فيه بعض المواطنين، كل عام تقريبا، إلى صلاة الاستسقاء واستخدام كل أساليب الشعوذة والغيب وما شاكل ذلك لجلب المطر.
أن افتقار الأنظمة إلى برامج حديثة وخطط مدروسة ومشاريع ذات جدوى لا تعتمد على الارتجال والعشوائية هي من أسباب ازمة المياه وشحتها في العراق، والتي تكون ضحيتها الاولى هو المواطن البسيط والفلاح وليس المسؤول والسياسي المتنفذ الذي لا ينقصه شيء على الاطلاق، بل انه يعاني من تخمة في كل شيء.
أن البعض يلقي باللوم على المواطن، وهو في كل الاحوال ليس بريئا تماما. فبعد هبوط الديمقراطية بمظلات الغزو الأمريكي للعراق انفتحت شهية المواطن على مصراعيها. فعمّت الفوضى في كل شيء. وظهرت طبقة من المسؤولين الكبار ورجال السياسة وأصحاب النفوذ العشائري والديني، استحوذت على معظم خيرات وثروات العراق. ومنها المياه. وبالنتيجة أصبح استهلاك المياه عشوائي وبلا ضوابط ومحصورا على فئة من أصحاب السطوة والثروة والنفوذ. فكثرت الحدائق والبساتين الخاصة وبحيرات الأسماك والمسابح الملحقة بالقصور والفلل. كما كثرت المزارع في غير أماكنها وانتشرت ظاهرة "سرقة المياه" وتحويل مجاريها إلى من لا يستحقها أو إلى أماكن لا تحتاجها بالضرورة. بينما يعاني المواطن الذي ما زال يعيش (على نيّاته) الامريّن. فتراه متضررا في مواسم السيول والفيضانات ومتضررا في مواسم الجفاف وقلة الأمطار. فهو في كلا الحالتين، امّا عطشان وامًا غرگان. وهذا الوضع يكاد يتكرر كل عام. وكل عام (تدگ الحكومة صدرها) وتعلن عن برامج ومشاريع وإجراءات لتجاوز أزمة المياه. ويبدأ بعض المسؤولين بالتجوال والتطواف على المحافظات وتعقد اللجان المتخصصة. وتقوم باصدار بيانات وجداول ودراسات (دقيقة) للمشكلة. ولكن سرعان ما يصاب العراقي بالصدمة من اول زخة مطر تستمر نصف نهار تتحوّل فيها الشوارع إلى بحيرات ومستنقعات ملوثة.
صحيح أن أزمة المياه ضربت بلدانا كثيرة وتسبّب بخسائر فادحة في الاقتصاد وبالأخص في ميدان الزراعة والثروة الحيوانية. ولكن الصحيح أيضا أن أغلب الدول استفادت من تجاربها ووضعت حلولا ناجحة إلى حدّ ما للتقليل من الأضرار الناجمة عن شخّة المياه اما نحن في العراق فالتجارب في هذه الخصوص تتكرر بلا فائدة. ومعها تتكرر عذابات المواطن وشكواه. وتتجدّد معها آماله بأن هذه المرة ستكون آخر أزمة مياه في سلسلة ازماته الاخرى التي تتواصل منذ سنين...


