اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• لماذا لم افرح بالخبر السار؟

تيري بطرس

لماذا لم افرح بالخبر السار؟

 

أقر سينودوس الكنيسة الشرقية القديمة، الاحتفال بعيد الميلاد (المجيد) في 25 كانون الأول من التقويم الغريغوري، بدلا من 25 كانون الأول من التقويم اليولياني (التقويم الحديث وهو لا يزال حديثا لدينا برغم من أن اعتماده لدى الدول الغريبة بما يقارب الخمسة قرون، والتقويم القديم، والتقويمان أتت لنا من الغرب، وليس أي منهما تقويما شرقيا محضا، برغم أن التقويمات بالأساس هي إنتاج شعبنا من أيام بابل ونينوى).

تفرح النفس في هذا الزمن الأغبر، بأي خطوة إلى الأمام، أي خطوة تزيل الحواجز، وتفتح الجسور، ولكن السؤال المرير هو إذا لماذا ليس الوحدة الاندماجية الكاملة ليس بين الكنيسة القديمة والكنيسة العاملة بالتقويم الجديد منذ أمد بل مع الكنيسة الكلدانية أيضا. لماذا لا وقد زال أهم سبب لانقسام الكنيسة الكلدانية ألا وهو الاختلاف اللاهوتي، حينما اعترف الفاتيكان بصحة إيمان كنيسة المشرق، أي صحة إيمان آباء وأجداد الكنيسة الكلدانية.  كما أن الكنيستين القديمة والشرقية الآشورية لا تختلفان في اللاهوت، إذا ما هو سبب عدم الوحدة، وهذه الوحدة قد تغيير الكثير من الموازين وتحولها لصالح شعبنا؟ شخصيا قد لا يهمني ان اتحدت الكنائس ام لا، ولا يمكنني ان احدد ايهما الاصح، فرب الكنيسة هو الديان، وقد يمكنني التعايش مع تعدد الكنائس والمذاهب، ولكن عندما تؤثر سلبا على مستقبل شعبنا وامتنا، فهنا ومن هنا تهمني المسألة.

نعم يا آباء الكنيسة، لقد تعب الشعب من خلافاتكم، واختلافاتكم، لا بل إن خلافات الشعب الأخرى حولها إليكم، واتخذ منكم سندا في دعمه في هذه الخلافات. لقد تعب الشعب ويشعر بأنه مبتلى بالكنيسة، فالكنيسة اليوم لم تعد عونا، بل حملا ثقيلا على كاهل أبناء الشعب والمؤمنين. فالفقر المدقع والهجرات المتواصلة والحروب العديدة، لم تترك للشعب قوة تمكنه من دعم مؤسساتنا في ترفها الانقسامي الأميبي. وفي ترفها في مداراة الآخرين في حين أن شعبها مهجر ومهاجر ومضطهد ويتعرض للقتل والترهيب.

في عام 1964 حدث الانقسام الذي ميز بين كنيستين القديمة والكنيسة ذات التقويم الحديث، وكان السبب والحجة، تغيير التقويم، واعتبر الأمر وكانه خيانة للمقدس، وكلنا يعرف أن التقويم ليس من المقدسات، بل هو ضابط ومبين الأحداث التي وقعت، والكثير من هذه الأحداث هي رمزية، ورمزيتها لا تسلب منها قدسيتها، إلا أنها ستبقى رمزية وعلينا التكيف مع ذلك، ومنها الميلاد ورأس السنة وعيد القيامة فهي ترمز إلى هذه الأحداث أكثر مما هي تسجيل الحدث لحظة أو يوم وقوعه.

في انقسام الذي حدث عام 1964 وكانت الكنيسة كلها قد احتفلت لعيد واحد سوية بالعيد على التقويم الغريغوري، انقسمت الكنيسة بسبب التقويم، ولكن تداخلت أمور أخرى في هذا الانقسام، العشائرية (التي لم نكن نعيشها، بل نعيش تبعاتها)، وأعيد فتح جرح سميل وما حدث فيها، واستحضر الانقسام الذي حدث بعد مؤتمر ريشا داميديا (سري اميدي). لا بل إن أطراف الحكومة العراقية حينها ومن أحزاب سياسية عريقة تدخلت بهذه الطريقة أو تلك للتشجيع على الانقسام وكل كان يريد حصة من ذلك.

واليوم نقول الحمد لله قد وضعنا خلفنا، سبب الانقسام، وبتصويت حوالي 90% من المؤمنين، وهذا حسن وجيد، ولكن السؤال المهم ما هو مبرر البقاء منقسمين، والكنيسة هي واحدة الآن بالتقويم وباللاهوت، ولم يبقى سببا إلا تراتبية الإدارية وهي أيضا حلت، سابقا بالقبول بوجود بطريركين لحين أخذ الله أمانته ومن ثم تعود الكنيسة إلى نظام البطريرك الواحد. سابقا قلنا إن سبب تجذر وبقاء الانقسام هو النظام الصدامي الذي لا يقبل بهذه الوحدة أو أي تطور نحو الوحدة، ولكننا الآن في السنة السابعة بعد سقوط صدام، ألم نأخذ زمام الأمور بيدنا بعد؟ أم أن هناك صدام داخلي فينا يعمل من أجل بقاء الانقسام، مستغلا مسكه لنقاط ضعف على أطراف معينة، مهددا بإثارتها أن تحقق الاتحاد؟ إذا أين الروح المسيحية والروح القومية في الحالة هذه؟

وهذا الأمر ينطبق أيضا على الكنيسة الكلدانية، لماذا لا تعود إلى مشرقيتها وإلى نصفها الآخر، وروما لم تعد تعتبر نسطورس وتيادورس وديادورس هراطقة، يجب أن يلعنوا ليل نهار، لا بل إن الروح المسيحية لم تعد تتقبل لعن الناس، واتهامهم بالهرطقة وبغيرها من الاتهامات لمجرد الرؤية المغايرة. فكيف بحرمان كنيسة عاشت وحيدة وفي فم الذئب لكل سنوات عمرها ولكنها ظلت وبقت وان خسرت الكثير من قوتها.

اليوم نحن كشعب وككنائس نعيش الأزمات المتتالية، وما أزمة الكنيسة الكلدانية الأخيرة وسبقتها أزمة كنيسة الشرقية الآشورية وسبقتها أزمة الكنيسة الشرقية القديمة، إلا أزمة واحدة أنها أزمة أمة وشعب يريد الوجود، أي البقاء حيا ويحاول بكل السبل العمل على البقاء على الحياة، كالغريق الذي يحاول أن يمسك بأي قشة أو يضرب يمينا ويسارا بيديه لإنقاذ نفسه، نعم إن شعبنا وخوفا من الضياع تراه أو ترى كل فرد فيه يحاول ويعمل من أجل هذا الإنقاذ ولكن، كل طرف يحاول منفردا وحيدا منعزلا عن الآخر، لان الثقة قد فقدت بين الأطراف كافة. والدليل هو سيل الاتهامات والاتهامات المتبادلة بين مختلف الأطراف المختلفة.

بعد أن بدأت كتابة هذه المقالة نشرت مقالات أخرى تتعلق بما كنت أنوي الكتابة فيه عند سماعي لنبأ قرار سينودس الكنيسة القديمة الاحتفال بعيد الميلاد بحسب التقويم (الحديث). هذه المقالات كانت لنيافة مار لويس ساكو مطران كركوك والأساتذة أنطوان صنا وليون برخو والشماس جورج ايشو   . وقد نلتقي أو نختلف معهم، ولكن الجميع بات مقتنعا أن هناك أزمة قوية، ولكن تحديد الأزمة بطرف ما باعتقادي هنا هو الخاطئ، فالأزمة شاملة كاملة وهذا ما أشرت إليه في مقالة سابقة بعنوان (هل هي مشكلة الكنيسة الكلدانية....؟ والتي نشرت على موقع عنكاوا بتاريخ 29 ـ 10ـ 2009 ).

 

إن الكنيسة بدعوتها أنها رسالة محبة، وأنها ترمي لإنقاذ أرواح الناس من المصير المؤلم ما بعد الدنيا الفانية، ولأنها تنزه نفسها عن المصالح المادية، ولأنها أصلا من جذر واحد، أجد أنه من الضروري على الكنيسة بشقيها الثلاثة أن تعمل على

1 _ الوحدة الاندماجية، والعودة إلى تسمية كنيسة المشرق الأصلية. التسمية الآشورية التي أطلقت على كنيسة المشرق في عام 1976، أدت واجبها في حفاظ الشعب على هويته القومية، امام الهجمة القوية من الايديولوجية العربية القومية، والعودة إلى التسمية الأصلية، لن يعني انسلاخ أبناء الكنيسة من انتماءهم القومي، كل ما في الأمر أن التسمية الأصلية ستعود جامعة الأطراف الكافة تحت خيمتها.

لن تكون الكنيسة الجديدة بحاجة ماسة لكي تكون تحت خيمة كنيسة روما، بل ستكون (ويجب تشجيع ذلك ) كنيسة شقيقة لها ضمن كنيسة المسيح، وان رغبت الكنيستان المشرق وكنيسة روما في الوحدة الاندماجية يديرهما كرسيا بطريركيا واحدا فلا أعتقد أن الأمر سيلقى معارضة من حيث المبدأ.

2 _ لقد اغتربت الكنيسة أو البعض منها من الشعب وتبنت اللغة العربية في طقسها وهو أمر أدى إلى التأثير السلبي على الانتماء القومي لأبناء الشعب، ولأن أبناء هذا الشعب بغالبيته هم من أمة وشعب واحد ( أي من هذه التسميات تبقى صحيحة كلداني سرياني آشوري)، ولذا فالعودة إلى الطقس بلغة السورث هو أمر جدير بالتقدير والاهتمام لا بل الواجب.

3 _ ترك الأمور السياسية للسياسيين مع الحث على الوحدة، والوصول إلى القواسم المشتركة (وحدة الشعب والأمة، وحدة التسمية، وحدة اللغة المستعلمة في الكتابة والقراءة ).

4 باعتقادنا المتواضع، وان لا اعتبره شرطا، أن إيمان كنيسة المشرق في توضيح طبيعة المسيح (أقنومين وطبيعتين) لا يزال صالحا، وبالأخص أن كلمة الأقنوم لا يوجد مثيل لها في اللغات اليونانية أو اللاتينية، فإيمان كنيسة المشرق يكاد يقترب جدا من إيمان كنيسة روما، والخلاف هو لغوي وله بعد تراثي، فإذا كان من حق كنيسة روما وقسطنطينة والإسكندرية أن تتأثر بتراثها الثقافي وتستعين به لتوضيح الإيمان ومدلوله، فهذا الحق ينطبق على كنيسة المشرق.

إن الوحدة بين الكنائس الثلاثة تعني زرع وبعث الأمل من جديد لدى المؤمنين، ويعني أن هذه الكنائس تبحث حقا عن مخارج حقيقية لأزماتها المتتالية، ويعني زج كل الشعب المبتعد في دعم عملية الوحدة. كما أن عملية الوحدة، ستحد من عمليات رسامة الكهنة والأساقفة والمطارنة، وكل كنيسة بالتنافس مع الكنائس الأخرى مما يضيف عبء مالي كبير على الكنائس. إن عملية الوحدة ستختصر من مثل هذه المصاريف وسترشدها، وستعيد أبرشيات كبيرة إلى حضن الكنيسة الأم.

كما سيسمح للكنيسة لتعود إلى أصالتها في أنها كنيسة للناس وبالناس من خلال المدارس والمستشفيات التي تقوم بإدارتها، فكنيسة المشرق لم تكن أبنية وبطاركة وبعض الكتاب، بل كانت جامعات ومدارس وأديرة تنشر العلم في كل مكان، مثل جامعات نصيبين وأورهي وجندي شابور ومثل مدرسة الدير الكبير وكل الأديرة والكنائس التي كانت منبع للعلم والمعرفة

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.