اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• شخبطة على الحائط / الاميرة الراهبة هند ابنة الرافدين

توما شماني

شخبطة على الحائط /

                الاميرة الراهبة هند ابنة الرافدين

المؤرخون اهانوا الاميرة الراهبة هند اذ جعلوها جارية ادخلوها في كتابات معدة لقضاء الليالي في دواوين الخلفاء والسلاطين في الليالي الملاح بين الكاس الطاس

 

الاميرة الراهبة هند ابنة (الحيرة) عاصمة مملكة المناذرة دولة بني العباد التي كانت قريبة من النجف التي تقع على نهر الفرات، (امارة المناذرة) كانت مستقلة على وفاق مع الامبراطورية الساسانية الفارسية كانت تصد هجمات الصحراء العربية. اسم (الحيرة) آرامية الاصل تعني (الطرق المتقاطعة)، ويدو انها كانت تقوم بنفس الدور السياسي العسكري لـ (دولة الحضر) السابقة القريبة من الموصل، والمتمثل بحماية الحدود الرافدين التابعة للامبراطورية من الغزوات البدوية القادمة من الجنوب. بمجرد إن انتهت (الحضر) في القرن الرابع، قامت (امارة الحيرة) في نفس القرن. بما ان (الحيرة) قريبة على (بابل) القديمة، فانها حملت الكثير من روحها الحضارية المندثرة. سكان (الحيرة) هم من الرافدين لاوائل الذين كانوا قد اعتنقوا المسيحية النسطورية، لهذا كان يطلق عليهم لقب (عباد)، وتعني بالآرامية (المؤمنين)، كانت لغتهم السائدة الآرامية. منهم من قال الشاعر (يسقيـكما من بني العباد رشا - منتسـب عبـده إلى الأحـد) كان التواجد العربي في المدينة تمثله قبيلة (بني لخم) كانوا يعرفون بـ (اللخميين) كانوا العنصر الحاكم منهم (المناذرة) الذين شكلوا سلالة امراء الحيرة، كان عرب الحيرة آراميوا اللسان ثم العربية منهم شعراء نظموا الشعر الرقيق منهم (المنخل اليشكري) الذي قال (فاذا شربت فانني رب الخورنق والسدير) ثم (واذا صحوت فانني رب الشويهة والبعير) ثم يقول (احبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري).

 

مارست (الحيرة) تسامحا دينيا ليس له ضريب، كانت الغالبية مسيحية نسطورية يشاركها بقايا معتقدي الديانات في وادي الرافدين القديمة باوثانهم التي كانت تتمثل بآلهة الكواكب، وهم اتباع مذهب (عبادة القمر). كان هناك اتباع (المانوية)، واتباع المذهب المسيحي (اليعقوبي ـ المونوفيزي) والصابئة الذين كانت اعدادهم كبيرة ثم اليهود من بقايا السبي البابلي وبقايا مملكة عيناب. كان الملوك واكثر السكان على المسيحية حتى سقوط المناذرة قبل الفرس الساسانيين، كان يرأس المسيحية أسقف. من (الحيرة) ذهب قسم من المبشرين من وادي الرافدين إلى اليمن والبحرين وعمان والأجزاء الأخرى من جزيرة العرب لنشر النسطورية. فيها أنعقد مجمع (داد) يشوع عام 424 ميلادية لتنظيم شؤون كنيسة النهرين. دولة المناذرة كان فيت مركزا مهما اذ كانت تظم اعدادا من الاديرة حيث كان يعيش فيها الرهبان بالاظافة الى واجباتهم الدينية كانوا سدنة للمخطوطات التي كانت بالسريانية ثم انتقلت الى العربية بعدئذ. ينبغي الاخذ بنظر الاعتبار ان الاديرة كانت المكان الوحيد لحفظ التراث فلم يكن هناك من مكان لحفظ التراث غير الاديرة. اديرة الحيرة دير هند الكبرى ودير هند الصغرى ودير عبد المسيح ودير العذارى ودير بني مرينا ودير حنة دير النقيرة ودير ابن براق ودير مارت ومريم ودير اللج ودير الجماجم ودير الأكيراح ودير الأسكون. من الشعراء اولم امرؤ القيس والمنخل اليشكري والنابغة الذبياني المثقب العابدي وطرفة بن العبد ولقيط بن يعمر الأيادي وعدي بن زيد العبادي وعمرو بن كلثوم وعمرو بن قميئة وأعشى قيس والمرقش الأكبر ولبيد بن ربيعة. كلها انمحت باحتلال الفرس الساسانيين.

 

كانت لمناذرة الحيرة صلات مع الجزيرة العربية خاصة قريش التي كانت البارزة في الجزيرة العربية لموقعها في مكة، من الحيرة (سراة نصارى اشتركوا مع سراة قريش في الأعمال التجارية، ككعب بن عدي التنوخي، من سراة نصارى الحيرة، كان أبوه أسقفاً على المدينة، كان يمارس التجارة، يملك شركة في التجارة في الجاهلية مع (عمر بن الخطاب) في تجارة البز من (الحيرة) تعلم العرب (الكتابة) واشتقاق الخط العربي من الخط السرياني. قيل ان (الخليفة هارون الرشيد) زار الحيرة شيد بها عددا من المباني هذا قول غير اكيد لانه عندما بنى العباسيون الكوفة عاصمة لهم كانت الحيرة قد آلت الى الزوال حتى قيل ان حجارات قصر الخورنق والسدير نقلت الى الكوفة وبنيت بها اقصور الهاشمية عاصمة العباسيين قبل بغداد. في عهد المقتدر تعرضت مدينة الحيرة كغيرها من بلاد السواد لغارات البدو ثم اضمحلت وانتهت من الخارطة، برزت بعدها الكوفة ثم النجف.

 

الاميرة (الراهبة) هند ابنة (الحيرة) هي (هند بنت النعمان) تعرف في التاريخ بـ ( هند الصغرى) تميزا عن (هند بنت الحارث). هند بنت (النعمان بن المنذر) ملك الحيرة, قيل عنها انها تزوجت من الشاعرٍ (عدي بن زيد العبادي) ثم قتله النعمان لوشايةٍ. ثم آثرت (هند) الترهب، كانت (هند) تنظم الشعر الرقيق. كانت أميرة فصيحة من بيت إمارة، ولدت ونشأت في بيت الملك بالحيرة. قال (أبو فرج الأصفهاني) إن (هند) ترهبت (لما حبس "كسرى" "النعمان الأصغر" أباها، ومات في حبسه، ترهبت فلبست المسوح، أقامت في ديرها مترهبة، حتى ماتت ودفنت فيه). اضاف (الأصفهاني) ان دير (هند الكبرى بنت الحارث الكندي) بالحيرة، كان مكتوب في صدره (بنت هذه البيعة هند بنت الحارث عمرو بن حجر الملك بنت الأملاك، وأم الملك عمرو بن المنذر، أمة المسيح، وأم عبده، وأمة عبده، في زمن ملك الأملاك "خسرو أنوشروان"، في عهد "آفرايم الأسقف"، فالإله الذي بنت له هذا البيت يغفر خطيئتها، ويترحم عليها وعلى ولدها، ويقبل بهما وبقومهما إلى إقامة الحق، ويكون الإله معها ومع ولدها الدهر الداهرين) ماجاء به (الأصفهاني) كان بعد اربعة قرون ؟؟؟ كتب عنها جليل العطية الكاتب في كتابه (الديارات). (هند) ترهبت لبست المسوح أقامت في دير بنته بين (الحيرة) و(الكوفة) عرف بـ (دير هند الصغرى). من اعظم ديارات (الحيرة) آنذاك، التي جميعها غابت آثارها.

 

اقول لكم (ان التاريخ شوربة عدس وبطيخ) ان (مملكة المناذرة) حين غزى وادي الرافدين الفرس الساسانيين الغلاة انمحت (مملكة المناذرة) من الوجود بقوا ثلاثة قرون بنوا (طاق كسرى) لم يبقى من (الحيرة) غير قصورها لغلواء الساسانيين هدموا الاديرة. من الفبركات او الهرطقات التاريخية قالوا أن (هند)، عاشت حتى زمن الحجاج بن يوسف الثقفي قيل زارها سعد بن أبى وقاص عند دخوله الكوفة.

 

الواقع ان (هند) الراهبة اساء المؤرخون ذكرها في روايات كثيرة لا اساس لها من الصحة، موضوعة ومتخيلة في عصور عديدة وهي من الروايات التي يروونها في جلسات الليل في قصور الخلفاء  والسلاطين، منها ذكرهم انها تزوجت الحجاج بن يوسف الثقفي فوالدها (لنعمان بن المنذر), الملقب بـ (أبو قابوس) تولى الحكم في 582 م حتى 610 م دخل سعد بن أبي وقاص العراق بعد موقعة القادسية اثر سقوط االساسانيين. اما الحجاج فقد ولي على الرافدين في عهد عبد الملك بن مروان الذي  سك العملة  في حج عبد الملك خطب على منبر النبي فعزل الحجاج عن الحجاز لكثرة الشكايات عنه، أقره على الرافدين، يعني ذلك ان الراهبة (هند بنت النعمان) لم يبق لها وجود هذا الادعاء يظهر المدى الذي مرت به الاقوام في البلاد المفتوحة حيث اصبحوا من الدرجة الثانية في الاعتبار. من القصص الاخرى المغبركة ماقيل ان خالد بن الوليد قابلها في صومعتها جرى بينهما حديث قالت هي فيه (ما طلعت الشمس بين الخورنق والسدير إلا على ما تحت حكمنا، فما أمسى المساء حتى صرنا خولا "عبيدا" لغيرنا)، فأنشدت تقول (فبيا نسـوس الناس والأمر أمرنا - إذا نحن فيهم سـوقة نتنصف) ثم (فتبا لدنيا لا يـدوم نعيمها - تقلب تارات بنا وتصرف). هذا التجديف لم يسلم منه الجانبان في العصر الاموي والمؤرخين، المتصحف لرواياتهم يرى اما مدحا يمدحون انفسهم ويذمون الاخرين، ثم لا تستنكف الجانب الاخر في مدح النفس والصاق الذم بآلاخرين صفة ماتزال قائمة بين ظهرانينا حتى هذه الساعة.

 

لم يترك لنا التاريخ الا القليل من شعر واقوال الاميرة الراهبة هند ابنة (الحيرة) غير ذاك الذي كان تنعي به حياتها وحياة المناذرة الذين سقطوا من علوهم الى الحضيض، حتى (دير هند الصغرى) لم يبق منه غير بناء متهدم في الأخيضر حيث يوجد أثر قديم يبعد 6 كم غرب الرزازة, يظهر من الآثار الشاخصة كانت فيه كنيسة ملحقة بالدير ومن بعض آثارها كتابات بحروف كلدانية. المؤرخون اهانوا (هند) اذ جعلوها جارية ادخلوها في كتابات معدة لقضاء الليالي الملاح بن الكاس والطاس من اجود الخمور بين هز بطون وارداف الراقصات في دواوين الخلفاء والسلاطين.

 

توما شماني

عضو اتحاد المؤرخين العرب

عضو اتحاد الصحفيين العرب

مرشح جائزة كالنكا لليونسكو للامم المتحدة

تورونتو كندا متطوع في جمعية الدفاع عن المعذبين لاكثر 15 عاما

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.