اخر الاخبار:
حماس: نحتاج وقتاً لدراسة خطة ترامب بشأن غزة - الجمعة, 03 تشرين1/أكتوير 2025 10:15
أسماء المرشحين علی مقاعد الکوتا المسيحية - الجمعة, 03 تشرين1/أكتوير 2025 10:10
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

الرواية البحرينية وتحولات الوعي الجمالي// محمد حجازي البرديني

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد حجازي البرديني

 

الرواية البحرينية وتحولات الوعي الجمالي:

دراسة نقدية منهجية في البنية السردية وتمثيلات الهوية والأنثى والبحر

 الناقد: محمد حجازي البرديني

 

المقدّمة.

ما الرواية البحرينية إلا نبض لؤلؤةٍ في قاع الزمن، تنبض بالحكاية كما تنبض اللآلئ بالنور. إنها ليست نصوصًا تُكتب فحسب، بل أرواح تتحدّث بلسان الذاكرة، وتنسج خيوط البحر والتاريخ والأنثى في نولٍ من الحنين والتمرّد.

ولأن البحرين بلد صغير المساحة، كبير الحضور في وجدان الخليج العربي، فإنّ روايتها تُشكّل مرآةً لتحوّلات المجتمع والثقافة والوعي، من زمن اللؤلؤ والغوص، إلى زمن المدينة والنفط والعولمة.

 

تسعى هذه الدراسة إلى تقديم قراءة نقدية منهجية شاملة للرواية البحرينية في ضوء المناهج النقدية المعاصرة، مع تحليل فني ودلالي لعينة من أبرز رواياتها، منها:

الزمن المستحيل لعبد الله خليفة (1986)،

رجوع إلى الطفولة لفوزية رشيد (1995)،

الآخرون لأمينة بوسهيل (2004)،

سماء ليست ماطرة لليلى العثمان (1999).

وتهدف الدراسة إلى الكشف عن كيفية تشكّل الوعي الجمالي والهوية السردية في الرواية البحرينية، من خلال اللغة والبنية والرمز، بوصفها مرآة للذات البحرينية وهي تعبر من الذاكرة إلى المستقبل.

 

أولاً: الإطار النظري والمنهجي.

تُعتمد في هذه الدراسة مقاربة تكاملية متعددة المناهج تجمع بين البنيوية، السيميائية، التفكيكية، الاجتماعية، النفسية، الثقافية، والنسوية، في محاولة للاقتراب من النص الروائي البحريني باعتباره خطابًا إنسانيًا وثقافيًا وجماليًا.

 

1. المنهج البنيوي.

ينظر المنهج البنيوي إلى الرواية بوصفها بنيةً لغوية مغلقة تتكامل فيها العناصر السردية في نظامٍ من العلاقات.

في (الزمن المستحيل)، يُلاحظ أنّ عبد الله خليفة يبني نصه على تقابلٍ ثنائيّ بين "المدينة/الصحراء"، و"الحرية/الاستلاب". يقول السارد:

«كانوا يمشون على الرمال وكأنهم يمشون فوق ذاكرةٍ من وجعٍ قديمٍ، يلتفتون إلى البحر كأنه بابُ الخلاص، ثم يعودون إلى الصمت»

(خليفة، 1986، ص. 45).

تُشكّل هذه الصورة المحورية بنيةً دلاليةً متكرّرة، تتوالد منها رموز المكان والذات والاغتراب، وهي بنية مغلقة تفتح دلالاتها عبر التوازي والتضاد.

 

2. المنهج السيميائي.

تُبرز السيميائيات دلالات العلامات داخل النص.

في رواية (الآخرون) لأمينة بوسهيل، تُصبح المرأة علامةً رمزيةً للهوية البحرينية التي تتأرجح بين الانتماء والاغتراب. تقول البطلة:

«أنا لست امرأةً من رمل، ولا من بحر، أنا ما تبقّى من امرأةٍ كانت تبحث عن وجهها في مرايا الآخرين»

(بوسهيل، 2004، ص. 72).

هذه الجملة تُعيد تأويل الذات من خلال العلامة (المرأة)، فتصبح "الأنوثة" معادلاً سيميائيًا للهوية المهدّدة بالتشظّي.

 

3. المنهج التفكيكي.

ينفتح التفكيك على النصوص بوصفها فضاءات للاختلاف.

في (رجوع إلى الطفولة) لفوزية رشيد، يتهشّم الخطّ الزمني ويتفكّك السرد عبر ضمائر متعدّدة، فلا يعود الصوت السارد مركزًا للمعنى. تقول البطلة:

«كنتُ أرى أبي في صمته أكثر مما أراه في كلامه، وأرى البحرَ أبًا آخر يحدّثني بلغةٍ لا أفهمها، لكنني أؤمن بها»

(رشيد، 1995، ص. 33).

يُعيد النص تشكيل المعنى عبر الغياب، حيث تتحول الطفولة إلى نصّ مكسورٍ يكتبُ ذاته من بقايا الذاكرة، وهذا هو جوهر التفكيك: المعنى لا يستقرّ، بل يتوالد.

 

4. المنهج الاجتماعي.

تجعل الرواية البحرينية من المجتمع مادتها الأساس، إذ تتجلّى تحوّلاته من الغوص إلى النفط، ومن الجماعة إلى الفرد.

في (سماء ليست ماطرة)، تكتب ليلى العثمان:

«لم تعد البيوت تُفتح على البحر كما كانت، صار للبحر جدارٌ من زجاجٍ لا يرى أحدٌ من ورائه إلّا ظلّه»

(العثمان، 1999، ص. 61).

إنها صورة رمزية للقطيعة بين الماضي والحداثة، بين "بحر الجماعة" و"زجاج الفرد"، حيث تُترجم الرواية وعي التحول الاجتماعي في لغة فنية ذات بعدٍ رمزيّ.

 

5. المنهج النفسي.

تُجسّد الشخصيات البحرينية صراعًا داخليًا بين الذاكرة والواقع، الحلم والخوف. في الزمن المستحيل مثلاً، يعيش البطل حالة انقسام نفسي عميق بين الانتماء والرفض. يقول:

«كنتُ أبحث عن نفسي في وجوههم، فلا أجد سوى ملامح الخوف القديمة، كأننا لم نكبر بعد»

(خليفة، 1986، ص. 73).

إنّ التحليل النفسي يُظهر الرواية البحرينية بوصفها محاولة علاج رمزية لجراح المجتمع عبر البوح السردي.

 

6. المنهج الثقافي.

تتعامل الرواية البحرينية مع الهوية الثقافية بوصفها نسيجًا من الأصوات.

في (الآخرون)، تتداخل المرجعيات الثقافية بين المحلي والعالمي، حين تقول البطلة:

«الغرب ليس مكانًا، إنه مرآةٌ أرى فيها صورتي غريبةً أكثر مما كنت»

(بوسهيل، 2004، ص. 81).

هنا يتبدّى التفاعل بين الذوات الثقافية كإشكاليةٍ جماليةٍ وسوسيولوجية، تُعيد من خلالها الرواية صياغة علاقتها بالآخر.

 

7. المنهج النسوي.

تتجلى المرأة في الرواية البحرينية بوصفها ذاتًا فاعلة لا تابعة.

ففي (رجوع إلى الطفولة)، تكتب رشيد الذات الأنثوية من موقعها كصانعة للذاكرة.

وفي (الآخرون)، تُعلن البطلة تمرّدها على البنية الذكورية:

«كلّ ما حولي رجالٌ من ورقٍ، وأنا الوحيدة التي تحترق لتصنع نورها»

(بوسهيل، 2004، ص. 93).

إنّ هذه المقاربة تكشف عن تحوّل السرد النسوي في البحرين من التمثيل إلى الفعل، ومن التابع إلى القائد في بناء الخطاب.

ثانياً: جدلية البحر والهوية.

يُعدّ البحر الرمز المركزي في الرواية البحرينية، وهو ليس مجرد مكانٍ بل ذاكرة وجودية.

في (البيت العتيق)، تصف رشيد البحر قائلة:

«كان البحر يجيء كلّ مساءٍ كأبٍ يعود متعبًا من سفرٍ لا ينتهي»

(رشيد، 1998، ص. 59).

إنّ هذا التصوير يجعل البحر معادلاً للزمن والحنين، وهو رمز للثبات والتحوّل في آنٍ، تمامًا كما هي الهوية البحرينية التي تتأرجح بين الأصالة والتبدّل.

 

ثالثاً: البنية السردية واللغة.

الرواية البحرينية تمتاز ببنية لغوية شاعرية في شفافيتها وروحها الموسيقية، إذ تمزج بين الفصاحة الكلاسيكية والرمزية الحديثة.

ولغة الزمن المستحيل تنبض بإيقاعٍ شعريّ يعيد تشكيل الواقع في صورة حلمٍ متكسّر، بينما لغة الآخرون تقوم على تعدّد الأصوات والحوار الداخلي، فتصبح اللغة أداة مقاومةٍ فنيةٍ وجماليةٍ معًا.

 

الخاتمة.

تُظهر الدراسة أنّ الرواية البحرينية، رغم حداثة تجربتها قياسًا بجاراتها، قد استطاعت أن تصوغ مشروعها السردي الخاص، جامعًا بين الأصالة المحلية والانفتاح الكوني.

لقد أصبحت الرواية البحرينية مختبرًا جمالياً لوعيٍ جديدٍ يكتب ذاته بلغاتٍ متعددة، ويعيد للبحر والأنثى والمدينة مكانتهم الرمزية في الذاكرة العربية.

وكما قال الرافعي في حديثه عن الأدب: «إنّ الكلمة إذا خرجت من قلبٍ صادقٍ، دخلت كلّ قلبٍ، وإن خرجت من لسانٍ متكلّفٍ، لم تجد لها في الأرواح سبيلاً»؛ وهذا ما فعلته الرواية البحرينية: كتبت من القلب فدخلت الوجدان.

 

قائمة المصادر والمراجع (APA):

- بوسهيل، أمينة. (2004). الآخرون. المنامة: دار كنوز المعرفة.

- بوسهيل، أمينة. (2003). أغنية النار. بيروت: دار الآداب.

خليفة، عبد الله. (1986). الزمن المستحيل. المنامة: دار الحوار.

- رشيد، فوزية. (1995). رجوع إلى الطفولة. بيروت: دار الفارابي.

- رشيد، فوزية. (1998). البيت العتيق. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

- العثمان، ليلى. (1999). سماء ليست ماطرة. بيروت: دار المدى.

- باختين، ميخائيل. (1981). خطاب الرواية. ترجمة سعيد الغانمي. بغداد: دار الشؤون الثقافية.

- بارت، رولان. (1977). لذة النص. ترجمة محمد برادة. الدار البيضاء: دار توبقال.

- دريدا، جاك. (1988). الكتابة والاختلاف. ترجمة كمال أبو ديب. بيروت: دار النهار.

- تودوروف، تزفيتان. (1981). مدخل إلى الأدب العجائبي. باريس: منشورات سوي.

- لوتمان، يوري. (1990). بنية النص الفني. موسكو: دار التقدم.

استكملت الدراسة بتاريخ الاثنين 9 / 12 / 2024 م.

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.