اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ارشيف مقالات وآراء

• شخبطة على الحائط // الشاعر عبد الامير الحصيري

توما شماني

شخبطة على الحائط

           الشاعر عبد الامير الحصيري باول رشفة من بنت الحان

يصيح فيضي دنان الخمر فيضي

  يرقص وينشد (يا ابنة النخل اعصفي بكياني واطعني اعرقي وشلي يديّا)

عبد الامير الحصيري سب ذاته قائلا انا الصعلوك انا عروة شيخ الصعاليك انا الشريد

 

اود ان اقول لكم انني اعيد نشر هذه المقالة عن رحم الله الشاعر عبد الامير الحصيري لانه  منسبي يمثل التشرد والصعلكة الا ان عبد الامير الحصيري يمثل فترة الحرية مارسها العراق حيث كانت المرأة سافرة ولا احد من يؤذيها هما الفترة الملكية ثم فترة  سيد الاسياد عبد الكريم قاسم الف رحمة على روحه الطاهرة

 

رحم الله الشاعر (عبد الامير الحصيري)، كان يبيع سروالا باليا اسودا ليشتري به (ربعية عرق ابو الكلبجة) ثم ليسترد البنطلون الاسود في اليوم الثاني ليبيعه مرة اخرى وليشتري به (ربعية عرق ابو الكلبجة) عندما كان (عبد الامير الحصيري)، يفتح (ربعية عرق التمر البغدادية) كانت تجتاحه هزة من الانشراح يبدا بالتمايل ينشد ويصيح (فيضي دنان الخمر فيضي). في آخر يوم من مسيرته في هذه الدنيا الفانية، (عبد الامير الحصيري)، فتح (ربعية عرق العصرية) بدأ يتمايل ينشد (فيضي دنان الخمر فيضي). عندما انهى زجاجة بنت الحان حتى آخر قطرة فيها، كان (عبد الامير الحصيري)، الشاعر قد ولج باب الابدية ينشد فيضي دنان الخمر فيضي على الرصيف. نام نومته الاخيرة، فاضت روحه الى الله مخمورا. تاركا سروالا رثا وثوبا وحذاء قد تهرى، فتشوا جيوبه عثروا على افلاس معدودات احصوها كانت خمسة افلاس نيكلية بالتمام...ترك (عبد الامير الحصيري)، شعرا وخمسة افلاس، ثم رحل. بعدها رثته السماء وبكت باحر الدموع... ثم القت وابلا من المطر ثم طلا ثم اشرقت الشمس من جديد. 

 

الشاعر العراقي (عبد الامير الحصيري)،عرفته في الستينات في عهد (عبد الكريم قاسم) يوم كانت محلة الحيدرخانة فيها مقهى الزهاوي المقهى الذي كان يعرف بمقهى الحيدرخانة، كانت حدود محلة الحيدرخانة في الخمسينات والستينات وما قبلها مملكة الادباء والشعراء المتسكعين، يجلسون في هذين المقهيين يدخنون  يقرون الجرائد مجانا او مقابل بضع افلاس يعطونها لموزع الجرائد في مسعى لقراءة جميع الصحف التي كانت تصدر آنذاك كان اكبرها يصدر في ثمان صفحات واصغرها في اربع صفحات. كان النقاش بينهم يجرى هادئا او محتدا لكن صاحب المقهى يكون مسيطرا كان بعضهم لا يحمل في جيبة غير افلاس معدودة كان سعر الشاي في المقهى عشرة فلوس يشرب الشاي يبقى جالسا عشر ساعات. كنت انذاك املك مطبعة الشباب التي شاركني فيها (الشيخ عبد الجبار الاعظمي) التقدمي عكس اخيه( الشيخ عبد الوهاب الاعظمي) المتعصب القذر. المجاورة لمقهى الزهاوي حيث كان الكثير من جالسي المقهى يدخلون المطبعة لقضاء حاجاتهم الاساسية، اذ لم يكن في المقهى مرحاض كانوا يتسللون الى مرحاض المطبعة الذي كان في المجاز بعضهم يلتمس ان يبول ولم اكن استطيع ممانعته، كانت بلاء لم استطع منعه اذ كانوا في اشد الحاجة لكي يفرغوا مثانتهم من البول ربما كان بعضهم مصابا بتضخم البروستات اذ كانوا في ذاك الزمن يجهلونها حتى قادة التاريخ الاشاوس ماتوا من البروستات دون ان يدروا بعد ان سبوا النساء وعاشوا متمتعين بالجواري الحسان كان قسما منهم مصابا بالعنة لانهم انهكوا بروستاتهم، عفوا سيداتي سادتي قفد خرجت من الموضوع. على اي حال فقد كان الشاعر (عبد الامير الحصيري)، المتشرد واحدا ممن يريد دخول مرحاض المطبعة ثملا  في حالة يرثى لها كان بعد ان يقضي حاجته اجلسه في غرفة الادارة واطلب له شايا واحادثه كثيرا ما كنت اقدم له بعضا من النقود منبسطا. كانت امانة العاصمة آنذاك غير مهتمة في فرض مراحيض على المقاهي.

 

كان الشاعر (عبد الامير الحصيري)، منذ طفولتة نابها، مالكا ناصية اللغة والتعبير منذ صباه، كان يحرج اساتذة اللغة العربية حين كان في المرحلة المتوسطة، نهل من التراث الشعري اتقن قواعد اللغة معتمدا سيبويه تعني (ريح التفاح) ونفطويه اللذان كانا ركنان من اركان اللغة العربية على الرغم من عجميتهما كانا من الفرس السريانيون اتقنوا اركان لغتهم السريانية لهذا اغنوا لغة العرب لغة الضاد لان الذين حملوا سيوفهم اليمانية فتحوا الامصار والبلدان كانوا قوما من سكنة الخيام، نشأ الشاعر (عبد الامير الحصيري)، في مدينة النجف المغلقة على الماضي تاركا تراثها الديني الى التراث الادبي والشعري. قرض الشعر منذ صباه وفي المرحلة الإعدادية اصدر مجموعته الشعرية الأولى (أزهار الدماء)، شارك في ندوات شعرية عديدة في مدينة النجف كان الجميع يتوقعون له شأناً شعرياً وأدبياً ومعرفياً كبيراً في أوائل الخمسينيات التي شهدت ثورات ونهضات الشعر ابتدا من (بدر شاكر السياب) و (لميعة عباس عمارة) و (عاتكة الخزرجي) حتى (نزار قباني) لكنه بقي على خطه الكلاسيكي لم يلجأ الى النثر الشعري او النثر المشعور الذي اسميه كانت الشاعرة (جاكلين سلام) لا ترتاح مني بسبب هذه التسمية. في مطلع الستينات هجر (عبد الامير الحصيري)، النجف استقر في بغداد فشتغل في إحدى المطابع تعرّف على الكثير من الشعراء كـ (حسين مردان) و (نازك الملائة) و (الجواهري) الذي ساعده على العمل في مكتبة اتحاد الأدباء، لكنه لم يستقر على حال كان مأواه المقاهي والشوارع خاصة مقهى البرلمان محطته، كان يزور الصحف محاولا العمل فيها لهذا فان الوحدة والغربة دفعته دفعا الى الادمان في شرب الخمر ثم التشرد لهذا أراد أن يكون ربا للخمرة اما (حسين مردان) فكان ربا للمرأة، لهذا يقول (وها أنت قد أصبحت للخمر ربها وأصبحت للأقداح ترعتها الكبرى). كان يقول عن اندفاعه في حياة الصعلكة (أنا عروة بن الورد، شيخ صعاليك أزمنة الأرض).

 

اشبه الشاعر (عبد الامير الحصيري)، بالشاعر (على بن الجهم) الذي كان يهيم في البراري عندما قابل الخليفة المعتصم في بلاطه في بغداد قال له (انت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب) لكن المعتصم لم يحقد على (على بن الجهم) بل ابقاه في بغداد فلما استقر فيها متمتعا بطيب العيش وحسان بغداد قال (عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث ادري ولا ادري). اشبه الشاعر (عبد الامير الحصيري) بالشاعر (على بن الجهم)، الشاعر (عبد الامير الحصيري)،  جاء من النجف صارمة التقاليد حيث كانت الخمور يحتسونها في السراديب كانت تباع سرا لدى (الاوتجية) لاشخاص موثوق بهم. اما الجميلات فكن محجبات من اخمص الرأس حتى القدم.  يذكرني بنكتة لصديقي منذ اكثر من 50 عاما، صديقي الصدوق الحاج السيد (الصيدلي حسين القزويني)، روى لي مرة قائلا في الخمسينات في الحلة كانت المعلمات اللواتي ياتين للحلة يمشين سافرات، في يوم سافر رجل شبه مسن الى بغداد رجع متعجبا عندما سألوه ما الذي اثار عجبك من بغداد اجاب فورا كل النساء في بغداد معلمات لان جميع النساء في بغداد كن سافرات كن يعملن في البنوك وفي كافة دوائر الدولة دون حجاب او غطاء على الرأس. لهذا فان شاعرنا (عبد الامير الحصيري)، اصابته الهزة عندما شاهد النساء يمشين مشي القطى بعقصات الشعر المثيرة وشفاههن المضمخة بالحمرة القاتلة، كما ان الخمر في بغداد حر المبيع كشراء الخبز كما كان الخمر مباحا في كل اشكاله (بيرة فريدة) و (عرق زحلاوي) و (عرق مسيح) كانوا من باب الهزل بقولون (عرق ابو الكلبجة).

 

الشاعر (عبد الامير الحصيري)، لم يستطع استيعاب شعر الحداثة الذي انبثق في بغداد مع الاجيال الجديدة من الشعراء الذي تأثروا بالشعر الغربي، بل بقي معجبا بـ (المتنبي) وآخرهم (الجواهري)، نهل واستظهر الشعر القديم في آلاف الأبيات الشعرية في مطلع شبابه. كان يحلم ان يكون وريث (الجواهري)، (عبد الامير الحصيري)، شاهد الحداثة الشعرية المعاصرة في العراق التي امتدت بتسارع رائع على ارض العرب التي كسرت الرتابة الشعرية الموروثة جاءت بكل ماهو جديد. كان الشاعر (عبد الامير الحصيري)، على اتصال بالشاعرين (حسين مردان) و (عبد القادر رشيد الناصري) كانا من المتمردين على الشعر الكلاسيكي والحياة منتهجين طريق الوجودية التي جائت مع تبدل انماط الحياة في بغداد في عقد الستينات المليء بالتمرد على التشرنق التاريخي. سادت صور الخنافس والهبيز وجماعات البنك (بالبي الانكليزية بالثلاث نقاط تحتها) وثورات النساء المخملية مع حلول التلفزيونات التي غزت العالم بالاحداث التي كانت تجري على ارصفة باريس ولندن التي كسرت الجمود في عواصم العالم العربي كانت بيروت الطليعية في الحياة. ركب الشاعر (عبد الامير الحصيري)، هذه الموجه بطريقة لا مثيل لها حيث انتهج التسكع والسكر والنوم على الأرصفة الباردة والحدائق والمقاهي والبارات الصيفية والبنايات المهجورة والسلوك المشاكس وعدم الاستقرار الدائم راميا تراثه النجفي في سلال المهلات. حاول الشاعر (عبد الامير الحصيري)، التمرد على الشعر الكلاسيكي فلم يفلح، لهذا عاش الازدواجية تمرد على الحياة والتزم بالشعر الكلاسيكي حاول التمرد على الكلاسيكية لكنه لم يفلح لان إيقاع الشعر التقليدي كان المهيمن على روحه خاصة (المتنبي) و (الجواهري). كان الشاعر (عبد الامير الحصيري)، تقدمي النزعة متعاطفاً مع الحزب الشيوعي اذ أهدى مجموعته الشعرية (أزهار الدماء) إلى الشهداء (فهد) و (حازم) و (صارم) كما كتب قصيدة في الشعر الحرفي الشيوعي (نافع يونس)، ان اغلب قصائده ودفاتر المسودات الشعرية ضاع من خلال تشرده وفي تجواله الليلي وعدم وجود بيت أو غرفة تؤيه.

 

(عبد الامير الحصيري)، يتمنى للتاريخ ان يستيقظ من سباته لكنه استيقظ الآن في عصرنا اليوم على عفاريت الصدرية والبنلادية واحزاب الالاهية والقمية والنجفية والازهرية (عبد الامير الحصيري)، كان يرى الجمود في مجتمعه ينادي في (بيارق الاتين): (أيها الماضي العظيم.. أيها الموروث الأصيل..أبتهل إليك أن تعود إلى العالم ثانية... رافلاً بالعصرية... لترفع رأس أمتي وترغم الزمن أن يركع). في مطلع الستينات هجر (عبد الامير الحصيري)، النجف واستقر في بغداد فتعرّف على الكثير من الشعراء، (حسين مردان) و (رشدي العامل) و (سعدي يوسف) شاهد (الجواهري) وجها لوجه. في بغداد برزت عبقريته في الشعر مصحوبة بعبقريتة في الصعلكة والتشرد والتسكع والانفلات من ماضيه النجفي حيث اعترف هو بنفسة فيقول (وها أنت قد أصبحت للخمر ربها وأصبحت للأقداح ترعتها الكبرى). كان يصيح بصوت عالي (اشربوا... اسكروا... الخمرة ثم الخمرة... فهي طريق الخلاص...). (عبد الامير الحصيري)، المتصعلك ليس الوحيد في عالم الشعر والتاريخ قبله قال ابو نؤاس (اترك الربع وسلمى جانبا واحتسي كرخية مثل القبس) قبلة تمرد في شعره على نجفيته الشاعر (محمد سعيد الحبوبي) قال (واشرح هواك فكلنا عشاق). من مجاميع (عبد الامير الحصيري)، (أزهار الدماء) و (أشرعة الجحيم) و(أنا الشديد) و (بيارق الآتين) و ( تشرين يقرع الأجراس) و (تموز يبتكر الشمس) و (سبات النار) و (مذكرات عروة بن الورد)  (معلقة بغداد). في (تموز يبتكر الشمس) تكبير بثورة تموز التي قادها (عبد الكريم قاسم) الذي مايزال ذكره عطرا لدى (الطيف المنشوري) من الاديان والقوميات في العراق. اما (مذكرات عروة بن الورد) فهي اعتراف (عبد الامير الحصيري)،  وتفاخر بصعلكيته حيث يقول (أنا عروة بن الورد، شيخ صعاليك أزمنة الأرض). 

 

(عبد الامير الحصيري)، بقي بعيدا عن مهرجان المربد الشعري حيث ان اشتراكه فيه يكلفه عددا من الدنانير، فضل ان يشتري بها اقداحا من بنات الدنان. كان الشاعر (عبد الامير الحصيري)، متمردا هجوميا لا يتوانى عن كشف زلات الآخرين، لذا رفضوه فاعطوه الصاع صاعين اجابهم بصراحته: (وكم يحبون تقريعي وقد كرهت نفسي بأن تظلم الفعل المفاعيل). (عبد الامير الحصيري)، في المرحلة الاخيرة من حياته اصابه اليأس من حياة التشرد لابد ان عقله الباطن كان يأنبه عما فعل في ذاته، لابيت ولا زوجة ولا اطفال بل تشرد وتشرد وتشرد كان يعرف ذائه في الصحو فيزيده ذلك الما وحيرة وذعرا ممن حوله فكان يداوي داءه بالخمر كما يقول ابو نؤاس (وداوني بالتي كانت هي الداء)، لذا قال (أنا الشريد لماذا الناس تذعر من وجهي وتهرب من أقدامي الطرق) و (لا تسخري مني يا مقابر جنازة تحملها المقابر). في شعره مرات ردد (عبد الامير الحصيري)، سب ذاته قائلا انا الصعلوك انا عروة شيخ الصعاليك انا الشريد (أنا التشرد والحرمان والأرق) لكنه كان دواءه في قوله (يا ابنة النخل اعصفي بكياني واطعني اعرقي وشلّي يديّا). في النهاية حقق الشاعر عبد (عبد الامير الحصيري)، مراده في الموت مناديا ابنة النخل فعصفت بكيانه بزرقة في عروق دمه صاح وهو يموت (فيضي دنان الخمر فيضي). لكن الشاعر (عبد الامير الحصيري)، نسي قول الشاعر (اذا مت فادفني الى اصل نخلة لعل عروقها تروي ظمئي).

 

توما شماني

عضو اتحاد المؤرخين العرب

عضو اتحاد الصحفيين العرب

مرشح جائزة كالنكا لليونسكو للامم المتحدة

تورونتو كندا متطوع في جمعية الدفاع عن المعذبين لاكثر 15 عاما

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.