مقالات وآراء
نحن ندافع عنكم أيضاً!// معتصم حمادة
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 09 أيلول/سبتمبر 2025 11:55
- كتب بواسطة: معتصم حمادة
- الزيارات: 295
معتصم حمادة
نحن ندافع عنكم أيضاً!
معتصم حمادة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■ مما لاشك فيه أن احتدام النقاش بل والجدل، بين المستوى السياسي في إسرائيل، وبين المستوى العسكري، عند مناقشة قرار غزو مدينة غزة والإستيلاء على ما تبقى من القطاع، والسيطرة التامة عليه، شكل محطة فائقة الأهمية. وهي وإن لم تسفر عن تراجع نتنياهو عن قراراه، مدعوماً من البيت الأبيض، مقابل رضوخ اللواء زامير وهيئة أركانه للقرار السياسي، كما هو معتمد في كل دول العالم، حين يكون المستوى السياسي مرجعية القرار، فإن الجدل، في حد نفسه، حمل دلالات كثيرة، من أهمها هو الإدراك العميق للمستوى العسكري لطبيعة المعركة التي سوف يخوضها جيشه، في مواجهة مقاومة ألحقت بجنوده وضباطه في العديد من المعارك خسائر فادحة، بين قتيل وجريح، ومريض نفسياً، ومتهالك معنوياً، ورافضاً للخدمة في القطاع، ومتمرداً إلى حد الإنتحار، للخلاص من الكابوس الذي ما زال مستمراً منذ سنتين واسمه قطاع غزة، مقاومة منتشرة في أنحاء القطاع، لا تتمركز في قواعد ثابتة يمكن للطائرات الحربية أن تغير عليها كل يوم، ولا تملك خطوط تقدم وخطوط تراجع، يمكن لجيش الغزو الإسرائيلي أن يحاصرها ويقضي عليها. ولا ترتدي زياً يميزها عن باقي البشر والسكان، مقاتلون يرتدون ملابس غاية في البساطة أشبه بالحفاة، يراكمون خبرة في القتال، يرصدون تحركات العدو، ولا يستطيع أن يرصد تحركاتهم، يحصون أعداد جنوده وضباطه في كل موقع ودورية مركبة، وهو عاجز عن معرفة أعدادهم الحقيقية، خوفاً من جنوده والسير على الأقدام، ويحتمون بالدبابات والمجنزرات، في اعتقاد واهم أنها تحميهم من نيران المقاومة، بينما تمطر عليهم النيران الناسفة من الفتحات فتحولهم إلى فحم ورماد.
ولعله أمر جدير بالملاحظة، هو مظهر الرعب الذي يجتاج إسرائيل كلما صدرت إشارة من قطاع غزة عما اصطلح على تسميته إعلامياً «حدث صعب في غزة»، وهو إشارة إلى وقوع قوات الغزو في كمين، وسقوط ضباطه وجنوده صرعى وجرحى، وتعيش إسرائيل على أعصابها، تترقب صدور البيان الرسمي عن عدد القتلى وأسمائهم وعدد الجرحى، والحالات الحرجة، والحالات الخطرة من بينهم، وما ينبئ باحتمالات وفاة عدد من الجرحى والمصابين في المعركة، وتدور ماكنة النقاش المحتدم «أرسلنا جيشاً لإنقاذ الأسرى والأموات، فحصدنا مزيداً من الموتى».
ولعل المعركة البطولية التي خاضها المقاومون، وكادوا فيها أن يأسروا جنوداً إسرائيليين، وما دار فيها من حديث عن إختفاء جنود اعتبروا مفقودين ... أحدثت في إسرائيل بلبلة غير مسبوقة، وكثر الإنتقاد اللاذع لحكومة نتنياهو تحت شعار «أرسلنا أبناءنا لاستعادة أسرانا، فإذا بهم يقعون أسرى هم أيضاً» لتخرج الإستنتاجات الصارخة الداعية من داخل إسرائيل، بوقف الحرب والقبول بصفقة لاستعادة الأسرى، والخروج من القطاع للحفاظ على من تبقى من جنوده وضباطه أحياء، وإعادة الإحتياط إلى حياته المدنية.
دون أن ننسى بالمقابل الأرقام ذات الدلالة، حول عدد أفراد الجيش الإسرائيلي، الذين أصابتهم الحرب بعاهة، منعت عنهم العودة إلى الحياة الطبيعية، كفقدان ذراع أو ساق أو البصر أو السمع أو الإصابة بانهيار نفسي أو برغبة في الإنتحار.
أما النتائج الاقتصادية والمالية، وتراجع مستوى النمو بسبب من تبعات الحرب، وعدد المهاجرين المغادرين من البلاد، والتراجع الحاد في المهاجرين الجدد إلى إسرائيل، وفقدان ثقة بيوتات المال العالمية بالإقتصاد الإسرائيلي وشركاتالصيرفة الإسرائيلية، والسقوط الأخلاقي المروع لسمعة إسرائيل وجيشها، وحالة العزلة الدولية التي تعانيها إسرائيل، بل وتراجع نفوذها حتى في مجلس الشيوخ الأميركي، ولدى الجمهوريين تحديداً وهم الأكثر إنحيازاً لإسرائيل، وتراجع هيئة الإيباك وباقي مؤسسات اللوبي الإسرائيلي، كلها من المؤشرات التي تشكل نتائج شديدة الأهمية عن نتائج الحرب، لا يمكن لأي مراقب أن يتعامى عنها.
قد يسأل سائل: وما قيمة كل هذه المعلومات، وماذا تريد أن تقول لنا؟!
إني أتوجه بهذا إلى الذين لا يتوقفون يومياً عن تحميل «طوفان الأقصى» وأبطال «طوفان الأقصى» مسؤولية ما حلّ بشعبنا في قطاع غزة، يبرؤون إسرائيل وجيشها، ويلقون اللوم على المقاومة وخيار المقاومة، ويدعون في السياق إلى إطلاق سراح الأسرى اليهود، مجاناً وبلا مقابل، كما يدعون المقاومة إلى تسليم سلاحها الإسرائيلي والاستسلام لشروط نتنياهو الخسة، بذريعة أن هذا من شأنه أن يضع حداً لآلام شعبنا في القطاع، وأن المقاومة شر مطلق، وأن الإستسلام للعدو خير مطلق، وأن إسرائيل قوة قاهرة، وأننا شعب ضعيف لا يملك القدرة على تحدي دولة «فشلت الجيوش العربية» في تحديها ومجابهتها.
أثبت إلى من ينظِّرون لـ«المقاومة السلمية» التي لم ألحظ لها حتى الآن أثراً في الضفة الغربية، حيث يسود أصحاب الدعوة إلى المقاومة السلمية متسائلاً عن سبب تسليط الضوء على قطاع غزة، دون غيره، والتعتيم على نور شمس وجنين ومخيمها وطولكرم ومخيمها، والقدس وتهويدها ومنطقة (E1) ومصادرتها، ومخيمات نابلس واجتياحها بين يوم وآخر، ورام الله التي تنتشر في أنحائها دوريات العدو وعصاباته للسطو على المصارف ومحلات الصيرفة والتجار،وإختفاء كل أثر لأجهزة السلطة، فقط شبان شجعان لا يملكون سوى الإرادة والكرامة وسيلة للدفاع عن كرامة رام الله ونابلس والخليل وباقي المدن والقرى والبلدات التي تتعرض كل يوم لأعمال عدوانية، لا تجد من يدافع عنها سوى أبنائها بالدم الغالي ما يجعل من صمود شعبنا في القطاع، وصمود مقاومته درساً لمن يريد أن يتعلم الدرس، وصمود أهلنا في الضفة الغربية، درساً لمن يريد أن يتعلم الدرس.
أما هؤلاء الذين لا يكفون عن التذلل والاستجداء طالبين نزع سلاح المقاومة، فنقول لهم إن المقاومة تدافع عن كرامة شعب فلسطين ومن ضمنه أنتم، حتى ولو تخليتم عن دوركم في صون هذه الكرامة والدفاع عنها■