اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

عماد الطالباني: طبيب الحرف وروح الباحث// محمد علي محيي الدين

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد علي محيي الدين

 

عرض صفحة الكاتب 

عماد الطالباني: طبيب الحرف وروح الباحث

محمد علي محيي الدين

 

في مدينة الحلة، حيث التاريخ ينبض بين أزقتها، وحيث الحرف لا يزال يفتش عن معناه في ضوء القباب والبيوت الطينية، وُلد الدكتور عماد الطالباني عام 1958، ليكون شاهدًا على تقاطع مسارين: الطب والثقافة، الجسد والروح، المهنة والرسالة. هو ليس فقط طبيبًا درس فن التداوي في كلية طب الأسنان – جامعة بغداد، وتخرج فيها سنة 1981، بل هو مثقف عابرٌ لحدود التخصص، قرأ في الوجوه كما قرأ في الكتب، وأدرك أن الحكمة لا تُؤخذ من عيادة فحسب، بل من مكتبةٍ ومجلسٍ وسؤال.

 

منذ بداياته، انخرط في العمل الطبي في دوائر صحة محافظة بابل، لكنه لم يُقيد نفسه بمبضع الطب وحده، بل حمل قلمه كمن يحمل مشعلًا، وبحث في النصوص القرآنية وفي القصص واللغة، عما يُشبع الروح ويروي العقل. كان حاضرًا في الأماسي الثقافية، مشاركًا ومناقشًا ومحاضرًا، ينقل ما اختزنه من معرفة إلى جمهور يتذوق الكلمة مثلما يتذوق الدواء الشافي.

 

ولأنه آمن بأن الثقافة لا تقف عند باب المؤسسة، انتمى إلى اتحاد أدباء وكتاب بابل منذ عام 2011، وشارك في تأسيس ودعم النشاط الثقافي من خلال موقعه كنائب لرئيس جمعية الرواد الثقافية المستقلة، وهي من الجمعيات التي أعادت للحلة بعضًا من ألقها الثقافي بعد أن لفّها الصمت ردحًا من الزمن.

 

في نتاجه الأدبي والفكري، يُطالعنا الدكتور عماد الطالباني بكُتب تشي بحسّ ديني وروحي عميق، منها كتابه "أقوال في مدح النبي وآله" (2004)، حيث يسبر أغوار النصوص التراثية التي احتفت بالنور المحمدي وامتداداته من آل البيت، ليجمع شذراتها في رؤية وجدانية خاشعة.

 

وفي كتابه "المتعة بين الحقيقة واللبس" (2000)، نلمس روح الباحث الذي لا يرضى بالأحكام الجاهزة، بل يعيد طرح الإشكالات الفقهية والاجتماعية برؤية تفسيرية موضوعية، ساعيًا إلى فك اللبس عن مفهوم المتعة الذي حيكت حوله التصورات المشوشة.

 

أما في كتابه "فسر الشذرات من بديع الآيات" (2015)، الصادر عن دار الأيام في عمّان، فيجمع الطالباني بين الإيمان بالتدبر وبين أدوات التأمل اللغوي، فيقارب الآيات القرآنية بعيونٍ لا تكتفي بالحفظ، بل تحاور، تفسّر، وتستنطق الجمال القرآني المخبوء في التراكيب والمعاني. إنه كتاب لا يقدم تفسيرًا كلاسيكيًا، بل قراءة وجدانية علمية، فيها من التذوق بقدر ما فيها من العلم.

 

لم يكن الدكتور عماد غريبًا عن عالم القصة أيضًا، فقد كتب قصتين مميزتين صدرتا عن مطبعة الغسق: "المؤتفكة" و"بداية بعد النهاية"، وهما عنوانان ينطويان على ثنائية الخراب والانبعاث، السقوط والرجاء. ففي قصصه حضور رمزي واضح، ينهل من القرآن والتراث والواقع، في لغة مركّزة لا تخلو من شجن التأمل.

 

وإلى جانب كتبه، نشر مقالات عديدة في صحف محلية منها الزوراء والجنائن، تناول فيها مواضيع فكرية واجتماعية متنوعة، يُحرّك فيها المياه الراكدة، ويطرح الأسئلة التي تهرب منها الأقلام المُطمئنة إلى الظواهر.

 

عماد الطالباني لا يسعى إلى التصدّر، لكنه يحضر في النصوص بهدوء الباحث، وفي الأمسيات بصوت الواعي، وفي المجتمع الثقافي كشاهدٍ على زمن يتحوّل. هو مثالٌ لما يمكن أن يكون عليه المثقف الحقيقي: عابرًا للمهن، جامعًا بين العقل والروح، مؤمنًا بأن الكلمة شفاءٌ مثلما الدواء شفاء، وأن الإنسان يُداوى بالنور كما يُداوى بالمبضع.

 

في زمن تكدّس فيه الكلام، واختلط فيه الغث بالسمين، يظل أمثال عماد الطالباني بمثابة شرفات مطمئنة، تطل على الحرف من زاوية الانتماء الصادق لا الاستعراض، وعلى الثقافة من بوابة الخدمة لا التصدر.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.