مقالات وآراء
البرنامج التلفزيوني: " كتاب مسموع"// خديجة جعفر
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 21 أيلول/سبتمبر 2025 11:39
- كتب بواسطة: خديجة جعفر
- الزيارات: 658
خديجة جعفر
البرنامج التلفزيوني: " كتاب مسموع" ..
خديجة جعفر
لطالما أثقلت الاغنيات والصور الشعرية اكتافنا تغنيا بمآسينا، لا سيما ونحن شعوب تستشعر الحزن تجاوبا عاطفيا لا واعيا، يتغذى من ارث ذاكرة جمعية نحملها ونتوارثها ونسكبها في كتب تاريخ لا تحمل ولا تنجب، نستعيدها تداولا وتعاطفا او العكس عند الحضور من جديد الحدث.
انها الذاكرة التي تجعلنا نتشابه، تموضعنا في اصطفافات مسبقة، فمع كل حدث، ندور دورتنا الكاملة (تاريخ، حاضر ومستقبل) ولا نتردد في ان نُعيب على البعض، بل ربما ترانا نذهب ابعد، نحو التخوين، ممن لا يستشعر هذا الحزن ومن لا يغفر لنا ردود افعالنا المنسجمة مع حجم كوارثنا، وما أكثرها تتاليا وقسوة..
ففي اي مسار تضعنا هذه الذاكرة الجمعية؟ واي ذاكرة تلك التي تجعلنا كمجتمعات وأنظمة على اختلافها، نتشابه في ردود الفعل؟
مع كل محطة تعدي، استعلاء طائفي او طبقي، ترانا نركض نحو قواميس مفردات خذلاننا، مرددين التفسيرات نفسها، نختار من الاغنيات ما يناسب جروحنا والامنا وما تحمله من امل مرتجى لنقول ها نحن هنا، وممن وُهِب امتيازات اللفة تعبيرا، اصطفت حروفه نصوصا وصورا شعرية تدمي من عصا عليه دمعه.
صورنا جاهزة، أغنيات الحماسة تعبير رفض، حاضر في الخزائن لحين الطلب، ثيابنا تتوحد بلون اعلام بلداننا حين حدث، تفسيراتنا وحججنا في تحميل المسؤوليات حاضرة ومستنسخة من آلية التعبير عن مواقفنا التضامنية، ودخول تاريخ الاحزان من أوسع أبوابه الحاضرة بكل اناقتها لاستقبالنا دوما...
وإن يجرؤ قائل بالسؤال عما فعلنا، نسارع بفتح معلبات الإجابات الجاهزة تعدادا لمواقفنا التضامنية المتخذة، وذكرا لبطولات من استطاع ان يتمكن علينا ظلما وعدوانا، ونحن في براءة الخيبة من التلقي، تذكر ايضا، كم الحزن والالم الذي نتشاركه بتلقائية القوائم المغلوب على امرها، فنغني شحنات الغضب استراحة وجع..
في المقابل من هذا الواقع الساكن، قد تكون المبادرة الاعلامية المطروحة حديثا، تبثه قناة (الاتجاه العراقية) فريدة نوعا ما، من حيث الأسلوب التضامني المستحدث، لجهة وضع الاصبع على الجرح تحليلا ونقاشا لوجهات النظر والتي قد تتفق او تختلف، إلا انها تدور في فلك الدعوة لقلب الموازين وتغيير اسلوب التضامن على أقل تقدير تقديسا للحوار..
( كتاب مسموع)، برنامج تلفزيوني، يبشر ببداية الاجابة عن تساؤل: "ماذا فعلنا؟" ...
مبادرة اعلامية، حوارية، جدلية، بدأها عرضا في حلقات، الكاتب والمفكر "جمال جاسم امين" مع ذكاءات تحتسب للمحاوِر المضيف لجلسات الحوار المفتوح هذه، حول محتوى كتاب من مجموعة كتب المفكر (جمال امين) والتي تشرح حوارا، وجهة نظر الكاتب حفرا فكريا، معرفيا، ثقافيا، فيما يخص بحث جذور التردي والثبات في مجتمعاتنا والتي تتخذ مع الفكر جمال امين توصيف "الكارثة" ..
حلقات متتالية، تبدا تلفزيونيا، لتنتشر عبر مواقع التواصل تعميما، تبحث في أبرز محطات كتابه (بين الثقافة والكارثة) فتزيد من عمق الحفر المعرفي أمتارا اضافية، فبين السؤال والاجابة التفسيرية التحليلية لمحتوى كتاب باهمية تصويب البحث للاجابة عن السؤال:
" من أين نبدأ ؟ "
تفاديا للكارثة، أو اقله لرسم منهجية الخروج من مستنقع الثبات والتبعية الذي تعيشه مجتمعاتنا، دون فروض التبعية لمحتوى وآراء الكاتب.. استعادات واعادة الاعتبار للعديد من الموضوعات التي لا يمكن اغفالها لدخول مرحلة الاستعداد لانطلاقة جديدة، مهما ما قد يحدث من توافق او نقد لاراء الكاتب نفسه مقارنة باهمية الحوار.
بعد عرض الحلقات الاربع الأوائل من برنامح "كتاب مسموع" والتي نأمل عرض المزيد منها لما تحمله من قدرة التصويب واعادة الاعتبار للعديد مما قد تم اغفاله من فكرة النقل والنمذجة للمشكلات من حيز الخاص إلى العام وربط عالم الكتب والإنتاجات الكتبية عموما التي تستمر دورانا ونقاشا بين شخوص المثقفين أنفسهم، داخل قصورهم العاجية، بعيدا عن العامة وهي اساس ومنبع موضوعات المثقف واهتماماته، بما في ذلك من قدرة على ردم الهوة بين العالمين، ودقة التصويب لمفهوم المثقف الفاعل وافراغه من مفرغات الأمر الواقع نحو معرفة أعمق، فلربما نستعيد شغف القراءة وتجديد مكونات الوعي الجمعي حتى لو متاخرا. ان عملية نقاش المنتجات الفكرية في حلقات حوارية جدلية مباشرة، تعيد صناعة القطاع الاعلامي مجددا على معايير الوظيقية والاستقلالية، افرادا ومؤسسات، الذي بات جزء لا يتجزأ من ازمة الكارثة التي يتحدث عنها المفكر امين، وتعيد إلى هذا القطاع بعضا من ادواره المسلوبة بحكم سياسات تكريس الكارثة، فاستعادة دور الإعلام التوعوي، الدور الرقابي، مهمة صناعة الرأي العام، والابتعاد بطرفيه (الموجه، والمتلقي) من عوالم الانشاد والنقل ابواقا تصلح بمفردات تكريس الكارثة نفسها من جهة، أو لجهة رسم طريق المستقبل الآمن للمجتمعات التي نحلم بها، وصناعة تاريخ جديد، ينبني على نقد الماضي نقدا علميا موضوعيا، وليس لتبرئته المطلقة، كبديل عن السقوط في أغنيات الامل وقصائد الخذلان وتكرار النسخ المنقولة من حجج باتت كارثية اكثر من الكارثة نفسها..
في الختام، لا يسعنا النظر الى هذه المبادرة القيمة من برنامج " كتاب مسموع" التي بدات مع الكاتب والمفكر "جمال امين" اضافة الى فريق المعدين لهذه المجموعة من الحلقات مبشرة ببارقة امل لاكتشاف عالم افضل تستحقه شعوبنا، وقد لا يمكننا الفصل بين دور المثقف وقطاع الإعلام في ظل حرية الكلمة والموقف، تكاملا ايجابيا لإنتاج مستحدثات التفكير وتحريرها من اثار الخذلان نحو البناء...
خديجة جعفر
٢١ / ٩ / ٢٠٢٥