مقالات وآراء
القرون السبعه من غياب العراق -2// عبد الامير الركابي
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 19:10
- كتب بواسطة: عبد الامير الركابي
- الزيارات: 317
عبد الامير الركابي
القرون السبعه من غياب العراق -2
عبد الامير الركابي
وبتجاوز ماهو متعارف عليه على مستوى البدئية المجتمعية الحضارية، وعلى فرض ان بريطانيا استطاعت ان تنظر الى ذاتها بلا توهميه، فانها ستجد نفسها مخترقة ازدواجا من قبل ارض مابين النهرين، فالمجتمعات لاتكتمل كينونة من دون الاختراق الازدواجي الابراهيمي شرقا وغربا، ماعدا بعض الاستثناء، وما نتحدث عنه هو الصيغة البدئية الاولى للتحولية اللاارضوية ضمن اشتراطات الانتاجية اليدوية الجسدية، وهو ما لاينظر اليه سوى بقصد الطرد اقصاء من عالم المجتمعية الى الماوراء، والدينيه الميتافيزيقية، تكريسا لوحدانيه النمطية والنموذج الارضوي من المجتمعية، الذي تغلب ابتداء بحكم الطور الانتاجي السائد وقتها، مع مترتباته الجسدوية.
فلا بدئية بناء عليه الا تلك الموصولة بمبدا (التجمع + انتاج الغذاء) بعد الصيد واللقاط، بلا تحر في اشتراطات "التجمع"، وموقع "الطبيعة" ونوعها الطارد كما الحال في ارض مابين النهرين، حيث الانتاجية الحاجاتيه مرهونه لاشتراطات الاحتراب مع الطبيعه والعيش على حافة الفناء، سواء بحكم الموقع وسيول السلالات الهابطة لموقع الخصب من الجهات الثلاث الشرق والغرب والشمال من الصحارى والجبال الجرداء، او حكم النهرين العاتيين المدمرين وفيضانهما عكس الدورة الزراعية، مايولد نمطية انتاجية ومجتمعية احترابيه مضادة تنفي التمايزية في السلطة والملكية، وتوجب المجال فوق الارضي السماوي كمقابل للارضي المجافي والذي سرعان مايتحول الى احترابي يتمثل في الاعلى في (مدن/ امبراطوريات) منفصله عن المجتمعية الاخرى الاصل السفلى (بابل/ بغداد) بعد كل ما يمكن من جهد اخضاعي فاشل بحكم النوع المجتمعي واستحالة الخضوع الذي يعني الفنائية حكما.
لقد تهيأت لبابل بعد مسار طويل من محاولات التفرد المجتمعي من اعلى، الاسباب لكي تتوفر على امضى الممكنات من موقعها داخل اسوارها، لتعريض اللاارضوية للفناء، ماقد حفز في حينه التعبيرية اللاارضوية وجعلها تتكامل، برغم اشتراطات اللاتحقق وغلبة الطرف الاخر اليدوية الارضوية الاحادية، فتجلت الحدسية النبوية الالهاميه الابراهيميه حاضرة ومخترقة للمدى والمجال الارضوي كحضور خارج ارضها، بغض النظر عن غلبة الاشتراطات الارضوية اليدوية في حينه، ورغما عنها، وعن قصورية وانتفاء الاسباب المادية والوسائل الضرورية للتحقق، فكان ان وجدت اللاارضوية خارج اعتبارات الجغرافيا والمكان والتمايزات البشرية، وصولا الى الانصبابية الرومانيه والفارسية والرد عليهما، والذهاب الى ماورائهما بالارتكاز لا الى الكيانيه والارض وحدود الجغرافيا، بل للكينونه البشرية الازدواجية وبناء على تشكل الكائن الحي (العقل/ جسدي) وحقيقته الديناميه.
تتعرف ارض مابين النهرين على ثلاث دورات في طريقها للتحقق واقعا وعبور طور الانتاجية اليدوية الجسدية واشتراطاتها، نحن اليوم في الاخيرة منها قبل النطقية مابعد النبوية الحدسية الابراهيميه الاولى التي انتهى مفعولها وضرورتها، واعلنت هي "ختامها" على مشارف انتهاء الطور اليدوي الجسدي من الانتاجية والمجتمعية، وهو ماقد هيات الدورة الرافدينيه الثانيه اسبابه، فالتشكل الامبراطوري الكوني العباسي القرمطي وفر اللازم في حينه وخلال خمسه قرون من النظام الاقتصادي العالمي التجاري الريعي، من الاسباب لتحفيز الانقلاب مابعد اليدوي في موضع الازدواج الطبقي، بناء لطبيعته ونوع اصطراعيته المغلقة والتي تستوجب لاجل الحل، حضور عامل من خارج الاصطراعية الطبقية، يقلبها وينهي امدا من التاريخ المجتمعي ظل محكوما لديناميات (الكائن البشري/ البيئة)، لنغدو مع الاله في غمرة حال تفاعلية مستجده نوعا وكليا، عناصرها (الكائن البشري + متبقيات البئية + الالة) والاخير عنصر مختلف نوعا وطبيعة، من شان حضوره وضعنا في غمار نوع مجتمعية اخر غير ماكان عرف قبل هذا التاريخ.
وما كان بناء للكينونه المجتمعية، للانتقال الى مابعد اليدوية ان يحصل وفقا للبرنامج التعاقبي السطحي الارضوي وتوهميته، من دون اعتبارات مطابقة لطبيعته النوعية الانقلابيه ومنطوياته غير الظاهرة ابتداء، فكان لابد من ان ياخذ الانقلاب الاكبر المشار اليه شكل الوقوع تحت وطاة متبقيات ونوع المجتمعية الحاصل فيها الانقلاب الالي ابتداء، بحيث تسود فترة انتقاليه مابين الاله المصنعية والتكنولوجيا العليا المهياة للذهاب اليها، والتي هي المقصد والغاية الفعليه، بينما تتحمل المعمورة وقتها مغبة واثار التوهمية الاوربية ونوع الممارسة المدمرة التضليلية، تاخذ في حالة العراق بالذات طابعا افنائيا، ابتداء بفرض كيانيه برانيه لم يعرفها المكان على مر تاريخه، ولا هي من جنسه، يضع مرويتها الضابط الانكليزي الملحق بالحملة البريطانيه فليب ويرلند، موجدا عراقا لاعراقي تتبعه الاحزاب المضادة بلا ذاتيه وطنيه، لتصنع من جهتها "مجتمعا" ايديلوجيا متطابقا مع الفبركة البرانيه الاستعمارية، وصولا في نهاية المطاف الى السحق الكياني المباشر بالحرب التي كلفت المجتمعية الامريكية المفقسة خارج رحم التاريخ 2،4 تريليون دولار، وجيشت كل دول العالم في حدث لاسابق له ولا مثيل في العصر الراهن، من نزعة الافناء الكلي.
وبعدها وبعد ماقد مر حتى الان من فرض اليات منع اعادة التشكل، وتكريس صيغة السلطات الموزعه على الجماعات المنتهية الصلاحية والفعالية من دون دوله، فان اتعس مايمكن ان يعتمد في النظر الى المستقبل، هو طريقة النظر، ومنهجيات التحليل الشائعه التوهمية بالاخص، والبالية التي فقدت منذ زمن، الحد الادنى من مبررات الاستمرار بالذات في الحالة التي نحن بصددها، فالعراق الغائب تنطوي بغيابه ديناميات وقوانين فعل خاصياته ليظل مكرها على تحمل انواع النظر والتحليل غير المطابقة لكينونته، ولا لحقيقة واحتمالية ماهو مقبل عليه، فالافنائية المعتمدة بحق اللاارضوية، هي بالاحرى الطريق المفضي الى النطقية المؤجله، مع مايمكن ان تتوفر عليه اليوم بالذات من نوع انتقالي نوعي ضروري، بعد ذلك الاول الذي جاء ردا على محاولة الافناء اليدوي البابلي، وقد تهيات اليوم الاسباب لاكتمال الانقلابيه الالية، بعدما صارت التكنولوجيا العليا / العقلية، اقرب للحضور، وقلب كل ماهو سائد ومتعارف عليه من متبقيات الطور المنصرم الارضوي الجسدي، وهنا يكمن المسرب الراهن، فالتكنولوجيا العليا والنطقية اللاارضوية هما الطريق المنتظر من هنا فصاعدا حتى يخرج العالم برمته من تازمه الاكبر المتعاظم.


