اخر الاخبار:
سامراء.. القبض على الإرهابي "أبو إخلاص" - الخميس, 30 تشرين1/أكتوير 2025 20:34
فائق زيدان يوجه بإزالة اسمه من أحد شوارع الموصل - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:14
ترمب: إن لم تُحسن حماس التصرف فسيتم تدميرها - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:11
العراق.. توقعات جوية غير متفائلة للموسم المطري - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 19:26
نتنياهو يأمر بتنفيذ ضربات قوية وفورية في غزة - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 19:22
انخفاض كبير في أسعار الذهب في بغداد واربيل - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 11:10
البطريرك ساكو يشارك في مؤتمر عن السلام بروما - الثلاثاء, 28 تشرين1/أكتوير 2025 11:04
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

كامل حسين المقيم على حافة الجمال// محمد علي محيي الدين

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد علي محيي الدين

 

للذهاب الى صفحة الكاتب 

كامل حسين المقيم على حافة الجمال

محمد علي محيي الدين

 

في منطقة الجزائر بالبصرة، حيث الشمس تطلُّ على النهر بشغفٍ جنوبيٍّ عتيق، ولد الفنان والناقد التشكيلي كامل حسين علي الموسوي عام 1952، وفي ملامح الطفولة الأولى بزغت إشاراتٌ لحسٍّ بصريٍّ استثنائيٍّ سرعان ما نما وتجلّى في ألوانه وخطوطه، وفي رؤيته التي سبقت زمنه، كأنّه كان يُصغي منذ صغره إلى وشوشات اللوحة القادمة من الأعماق.

 

تكوّن وعيه الفني باكرًا في مرسم الحياة وتحت ظلال أساتذته الكبار، فقد تلمذ على أيدي محمد راضي عبد الله، وشوكت الربيعي، وشاكر حمد، لكنه حين تقدم نحو ضفاف الاحتراف، كان ينهل من أنهار الفن العراقي العريض، من فائق حسن، وحافظ الدروبي، وكاظم حيدر، وإسماعيل الشيخلي، مستلهماً روح الريادة، لا مقلدًا، بل باحثًا عن صوته الخاص وسط ضجيج الألوان والصيحات.

 

تخرج عام 1977 من أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، فرع الرسم، ومنذ أولى خطواته التعليمية في معاهد البصرة ثم بغداد، كان يحمل همَّ الفن رسالةً ووعيًا وتربيةً، متخذًا من اللوحة فضاءً حرًّا يكتب فيه يومياته الروحية والبصرية. ولأن الإبداع لا يعرف سقفًا، فقد عاد إلى الجامعة لاحقًا، ونال شهادة الماجستير عام 2012 من كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل، ليضيف إلى رصيده العلمي بعدًا نقديًّا وشعريًّا تميز به لاحقًا في كتاباته وأشعاره.

 

ما بين اللون والكلمة، أقام كامل حسين صرحه، شاعرًا ونّاقدًا وفنانًا. وفي ديوانه الوحيد "أقيم على حافة الهاوية وأنجو من الجمال بأعجوبة"، كان يستحضر رهافة الشاعر وبصيرة الناقد، يلتقط من المفردات اليومية شذرات الحياة، يوشيها بشراراتٍ فكرية وشعورية، يكتب عن الذات ليحمل همّ الجماعة، ويبوح ليشير إلى ما وراء القول.

 

كفنان، كان يرى أن اللوحة كائن حيّ، يولد، ويحبو، وينمو، ويتنفس. لا يرسم ليؤرشف، بل ليُطلق الحياة في فضاء اللوحة، كمن يحرر طائرًا من قفص. يقول: "أعمالي تتجه إلى أماكن مفتوحة وحرة، لا أستطيع أن أقيدها"، فالتقنيات ليست غاية، بل وسيلة لالتقاط نبض الوجود، وقد آمن بأن الفن هو الإنصات الدائم للمستقبل، والتماهي مع الإنسان والحيوان والكون والكواكب، بعينٍ تلتقط الهمّ، وروحٍ تمارس الطيران.

 

أقام أكثر من أربعة عشر معرضًا شخصيًا، من البصرة إلى بغداد، ومن بيروت إلى عمان، ومن قاعات الأكاديميات إلى صالات الفن المعاصر، وكان دائم الحضور في المعارض العربية والأوربية، لوحاته تترحل باسمه، وتوقيعه ظلّ حاضرًا في فضاءات عدة، بينما ظلّ هو نفسه ساكنًا في خلوة الألوان، مخلصًا لنجواه.

 

الناقد التشكيلي صلاح عباس رآه فنانًا يوميًّا يعيش تفاصيل الفن كوجبة روحانية، وقال عنه: "يختطّ طريقًا خاصًا منذ أكثر من أربعين عامًا، عينه فاحصة لدقائق الأمور، يرسم لا توثيقًا، بل نموًا للوحة، ككائن حي يولد وينضج ويتلاشى". أما الفنان زياد جسام فقد وصفه بأنه يمثّل اتجاهًا محليًّا خاصًا، ينتمي للفن التعبيري، مجسّدًا عبر أدواته حالة إنسانية مركبة، يشتبك فيها المحلي بالكوني، والحلم بالواقع، والرواية بالتأمل. لم تكن شخوصه مجرّد وجوه، بل كائنات نابضة بالحياة، تخرج من سطح اللوحة لتوقظ في المتلقي تأملًا طويلًا.

 

وفي كلمة حافلة بالشغف، كتب عنه الفنان مهدي حسن: "وقفة فيها تأمل، ونظرة فيها شموخ، فلسفة الألوان تجسد الحياة، عزف موسيقي عالمي بلغة لا تحتاج إلى ترجمان، بل إلى بصيرة تتأمل الرسالة المختبئة في اللون والمضمون".

 

لقد كان كامل حسين أحد أولئك القلائل الذين لا يكتفون بأن يكونوا فنانين، بل يصوغون من الحياة كلها مادة للرؤية والتحليل. جمع بين التشكيل والنقد والشعر، وكان في كلّ منها صادقًا، غير متكلّف، مسكونًا بالدهشة.

 

عضوياته في اتحادات الأدباء والتشكيليين، ومشاركاته في اللجان الفنية والثقافية، لم تكن مجرّد انتماءات شكلية، بل جزءًا من حضوره الفاعل في الثقافة العراقية. كتب، ودرّس، وعرض، وقرأ، وصاغ الأثر.

 

وفي عام 2017، توقّف هذا القلب الكبير عن الخفقان، لكنّ لوحاته لم تتوقف عن البوح. بقي كامل حسين حاضرًا في صالات العرض وفي ذاكرة الفن العراقي، كصوتٍ وديع خرج من الجنوب ليصغي إلى العالم، ويبقى.

 

له الذكر الطيب... لقد أقام على حافة الهاوية، ونجا بالجمال فعلاً، بأعجوبة.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.