رماد على جبل الريح// رانية مرجية
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 22 أيلول/سبتمبر 2025 11:10
- كتب بواسطة: رانية مرجية
- الزيارات: 321
رانية مرجية
رماد على جبل الريح
رانية مرجية
السويداء ليست مدينةً على الخريطة، بل جرحٌ مفتوحٌ في خاصرة الجنوب، وجبلٌ ينهض ككتفٍ عظيم يحرس الذاكرة.
في حجارتها السوداء دموعٌ قديمة، وفي كرومها دمٌ ممزوج بالشمس والنبيذ. كل بيتٍ فيها شاهدٌ على حكاية، وكل نافذة مطلّة على صبرٍ يتوارثه الأبناء كما يتوارثون أسماءهم.
كان نور الدين يقف على قمة الجبل، يتأمل الأفق المترامي ويهمس:
“كيف لمدينةٍ محاصرة بالحزن أن تُنبت كل هذا الغناء؟”
كان يشعر أن الجبل يسكنه أكثر مما يسكنه هو، وأن أنفاسه ليست سوى صدى لأنفاس الأجداد الذين رحلوا واقفين، تاركين دماءهم بوصلةً للأحياء.
حين غادر إلى دمشق، عاش غريبًا. المدينة لم تحتضنه، بل أحاطته بضجيجٍ لا يعرف الرحمة.
كتب إلى أمه سرًّا:
“أمي، السويداء ليست حجارة ولا كرومًا، إنها قلبي الذي يتفتت بعيدًا عن الجبل. أعدك أن أعود، لأدفن وجعي في صدرها.”
هناك التقى سلمى؛ كانت عيناها كسماءٍ لا تنطفئ. قالت له:
“السويداء لا تحتاج السلاح وحده، بل تحتاج قلوبًا تعرف أن تحب.”
أحبها كما لو أنها وطنٌ يُولد من جديد.
لكن الرصاص لا يعرف لغة العاشقين.
سقطت سلمى بين يديه، وصار موتها جرحًا يشبه المدينة: جميلة، بريئة، لكنها تُذبح في صمتٍ باسم القوة.
عاد نور الدين إلى الجبل. جلس على صخرة عالية، وصرخ:
“يا مدينتي، ماذا تريدين مني؟”
في الليل حلم أن الشهداء ينهضون من تحت التراب، أن النساء يوزعن خبزًا بلا خوف، وأن جبل العرب كله يصلّي.
وحين استيقظ، أدرك أن الطريق واحد:
“أن نحب. وحده الحب يحرّرنا من موتٍ يتكرر منذ قرون.”
كبر نور الدين وصار شيخًا يكتب على أوراقٍ صفراء. كتب:
“السويداء ليست رمادًا، بل جمرًا يتوهج تحت الركام.
هي ابنتي وأمي، هي الجرح في خاصرتي ويد الله على كتفي.
من يحبها لا يغادرها، بل يسكنها كما يسكن الجبل في الدم.”
ثم أسند رأسه إلى صخرته الأخيرة، وترك القلم يسقط.
أما الجبل، فقد ردّد صدى كلماته كعهدٍ أبدي:
“السويداء… ستبقى.”
المتواجون الان
690 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع