صباح العسكري: الشاعر الذي أضحك القمر وبكى العراق// محمد علي محيي الدين
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 23 أيلول/سبتمبر 2025 11:16
- كتب بواسطة: محمد علي محيي الدين
- الزيارات: 67
محمد علي محيي الدين
صباح العسكري: الشاعر الذي أضحك القمر وبكى العراق
محمد علي محيي الدين
ليس غريبًا على مدينة الحلة، مدينة السدرة والنخلة، أن تنجب شعراء يتقنون التحليق في فضاء اللغة، ويعيدون ترتيب وجع الوطن في خرائط القصيدة. ومن رحم هذه المدينة، وُلد الشاعر صباح عباس خلف جاسم العسكري في العاشر من نيسان عام 1954، ليكون من جيل الشعراء الذين لم يتوقفوا عن الغناء للإنسان والحق والحلم رغم ضجيج الخيبات.
شبّ العسكري في الحلة، فتعلم من فراتها صبر الكلمات، ومن نخيلها شموخ العبارة. أنهى دراسته الإعدادية عام 1975، لكنه لم يشأ أن يُنهي رحلته مع العلم عند هذا الحد، فالتحق لاحقًا بكلية الإعلام – جامعة الإمام الكاظم، وتخرج منها سنة 2016، ثم أكمل الماجستير في الإعلام الصحفي في جامعة بغداد عام 2021. واليوم، يقف في قاعة الدرس أستاذًا في قسم الإعلام – جامعة المستقبل، يلقي بشذرات الشعر والمعرفة في آنٍ معًا، مؤمنًا أن الكلمة مسؤولية، وأن التعليم امتداد للقصيدة.
في عالم الشعر، خطّ العسكري حضوره بثقة، محلقًا بين فضاء الحنين والمقاومة، بين حب الوطن وخيبة المواطن، بين ضحك القمر ودموع الزهراء. صدرت له دواوين كثيرة، منها:
الرأس، ضحك القمر، سلامًا يا عراق، في دوامة الضجر، قناديل شعرية (للأطفال)
كما كتب في مجالات فكرية وثقافية متنوعة، فصدر له: قمم إنسانية، الإمام علي إمام البرية في القرآن والسنة، هذه فاطمة الزهراء، طرائق التدريس ودورها في تطوير العملية التربوية، حوارات في المملكة، عالم الصحافة.
ولا يزال يحمل في جعبته أربعة دواوين شعرية تنتظر الطبع، إضافة إلى مشروعه التوثيقي الحلة مدينة العلم والأدباء: جامعة المستقبل أنموذجًا، وكتاب تأملي بعنوان حكايتي مع المعلم الأول، أفلاطون.
كتب في الصحف العراقية والعربية، ونشرت قصائده في الزمان، الأهالي، السنبلة، بابليون، الغد، الأهرام المصرية، تشرين السورية، العراق، الدستور، صباح بابل، إضافة إلى مواقع ثقافية عربية معروفة، مثل تغريدات نخلة، وشارك في مهرجان صفي الدين الحلي عام 2007، مزجًا بين الشعر والتراث، في خطاب يحمل عبق المكان وحنينه.
أما النقاد، فقد قرأوا تجربته بوصفها مشروعًا إنسانيًا وجماليًا متماسكًا، يتراوح بين رهافة اللغة وحرارة الموقف. فقد وصفه الناقد عبد الله خلف الطائي بأنه "شاعر يكتب بروح الصحفي وضمير الإنسان، لا يجامل اللحظة، بل يفضح هشاشتها بشاعرية رصينة." بينما رأت الدكتورة ابتسام الهلالي في مجموعته "سلامًا يا عراق" "مرثية شعرية أنيقة، تكتب الخراب بلغة وردية، كأنها تؤبن الجرح وتداويه في آن."
أما قصائده للأطفال في "قناديل شعرية"، فقد أدهشت النقاد والمربين على السواء، إذ جاءت بلغة سلسة وموحية، تزرع الضوء في قلب الطفولة من دون أن تبتعد عن البعد الجمالي للقصيدة، فجعل من الشعر وسيلة تربية وجمال، وهو ما ينسجم مع رؤيته التربوية التي تتجلى في كتابه طرائق التدريس.
وتقديرًا لعطائه الثقافي، انتسب إلى مؤسسات أدبية وثقافية عديدة، منها: اتحاد أدباء وكتاب بابل (2011)
جمعية الرواد الثقافية المستقلة – بابل، جمعية القيثارة الثقافية، اتحاد الأدباء والمفكرين العرب، نقابة الصحفيين العراقيين، نقابة الأكاديميين.
صباح العسكري ليس مجرد شاعر، بل هو خلاصةُ مسيرةٍ تمتد من مقاعد المدرسة إلى منابر الشعر، ومن دفاتر الإعلام إلى قاعات الجامعة. هو شاعرٌ تعلّم من الزمن أن القصيدة سلاح، وأن الكلمة الطيبة شجرة لا تذبل حتى في صيف العراق اللاهب.
كتب للوطن حين كان الوطن خريطة ملغومة، وكتب للطفل حين كان الحلم بحاجة إلى أنامل صغيرة، وكتب للحب حين كان العالم يفيض كراهية. وفي كل ذلك، بقي صوته هادئًا، واثقًا، يشبه ملامح الحلة عند الغروب، ويشبه العراق حين يبتسم رغم جراحه. هو، في النهاية، شاعر لا يكتفي بالقصيدة، بل يصنع منها حياة.
المتواجون الان
665 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع