دراسة في رواية "الانفجار" – للكاتبة الفلسطينية رانية مرجية// د. عادل جودة
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 23 أيلول/سبتمبر 2025 10:39
- كتب بواسطة: د. عادل جودة
- الزيارات: 88
د. عادل جودة
دراسة في رواية "الانفجار" – للكاتبة الفلسطينية رانية مرجية
الدكتور عادل جودة
ناقد عراقي
مقدّمة
تُعدّ رواية "انفجار" للكاتبة الفلسطينية رانية مرجية نموذجًا متفرّدًا للأدب الفلسطيني المعاصر، فهي نص قصير الحجم (يقارب 80 صفحة) لكنه شديد الكثافة من الناحية الرمزية والدلالية. تتناول الرواية واقع غزة تحت القصف، ولكنها لا تكتفي بالعرض التسجيلي أو التوثيقي للأحداث، بل تنفتح على أفق إنساني وشاعري يتجاوز اللحظة السياسية المباشرة. إن ما يجعل هذه الرواية جديرة بالدرس هو قدرتها على الجمع بين الواقعية الفجّة والرمزية الحالمة، وبين المرارة السياسية والأفق الإنساني الرحب. ومن هنا، تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة الرواية من خلال ثلاثة مستويات رئيسة: البنية السردية، الأسلوب واللغة، ثم الرموز والدلالات.
أولًا: البنية السردية
بنية الرواية تقوم على المشهدية أكثر من اعتمادها على الحبكة التقليدية. فالأحداث لا تُروى على شكل خطّ زمني متسلسل بقدر ما تُقدَّم في لقطات متتابعة، كل لقطة تمثل شهادة على المعاناة الفلسطينية. هذه المشهدية تجعل النص أقرب إلى اللوحات السينمائية أو المقطوعات الشعرية، حيث يركّز السرد على إبراز الأثر النفسي والوجداني للانفجار، أكثر من اهتمامه بتفاصيل الصراع السياسي أو العسكري.
الشخصيات في الرواية تأتي بوصفها رموزًا: الأم، الطفل، الجد، الفتاة الحالمة. هذه الشخصيات لا تُرسم بدقّة روائية من حيث الخلفيات والصفات، وإنما يُكتفى بها كإشارات دلالية. الأم تمثل الحماية وسط الخراب، الطفل يرمز إلى المستقبل المسروق والأمل في آن واحد، الجد يمثل الذاكرة التاريخية، والفتاة تحمل في دفترها الأزرق أحلامًا لم تُكتب بعد. ومن خلال هذا البناء الرمزي، تتحول الرواية إلى مرآة جماعية لمعاناة الفلسطينيين بدل أن تكون حكاية فردية ضيقة.
ثانيًا: الأسلوب واللغة
تتميّز لغة رانية مرجية في "انفجار" بكونها لغة متأرجحة بين الواقعية والشاعرية. فهي من جهة تُصور بأمانة قسوة الواقع: ركام المنازل، أصوات الانفجارات، دموع الأمهات، وصراخ الأطفال. ومن جهة أخرى، تُطعّم هذا الواقع بصور شعرية تبثّ الأمل: طائرات ورقية تحلّق فوق الدخان، دفتر أزرق يصرّ على حفظ الحلم، وأغانٍ تُنشد وسط الخراب.
هذا التوتر اللغوي بين القسوة والجمال يمنح النص بُعدًا جماليًا خاصًا؛ إذ لا يقع القارئ في فخّ اليأس الكامل، ولا يُغرق أيضًا في رومانسيات منفصلة عن الواقع. بل يعيش في منطقة وسطى، هي منطقة "شعرية الألم"، حيث يتحول الجرح إلى نصّ أدبي له جماله الخاص.
كما أن الكاتبة تعتمد جملًا قصيرة مكثفة، تقترب أحيانًا من الشعر الحر. هذا التكثيف اللغوي يعكس حالة الاختناق التي يعيشها أبطال الرواية، لكنه في الوقت نفسه يُمكّنها من حفر صور عميقة في الذاكرة. فكل مشهد يصبح "شظية لغوية" تصيب القارئ بوقعها العاطفي والفكري.
ثالثًا: الرموز والدلالات
لا تخلو الرواية من رموز تتجاوز المعنى المباشر، لتفتح النص على قراءات أوسع.
الدفتر الأزرق: يمثل الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني، ومحاولة لحفظ الحلم من الضياع. لونه الأزرق يُحيل إلى السماء، وإلى الأفق المفتوح، وكأنه يُعاند الدخان والركام.
الانفجار: لا يظهر بوصفه حدثًا عسكريًا فقط، بل هو أيضًا انفجار داخلي في وعي الشخصيات. إنه لحظة صراع بين الاستسلام والكرامة، بين الانكسار والصمود.
الطائرات الورقية: ترمز إلى براءة الطفولة وإصرارها على التحليق رغم القيود. إنها إعلان عن أن الحياة لا تزال قادرة على الانتصار حتى وسط الموت.
الأم: تمثل صورة الوطن المحتضن لأبنائه رغم الجراح.
الجد: حامل التاريخ والذاكرة، الذي يُعيد وصل الأجيال ببعضها البعض.
هذه الرموز تجعل النص متجاوزًا لحدوده الجغرافية، حيث يستطيع القارئ في أي مكان أن يتماهى مع المعاناة الإنسانية المجرّدة من القيود.
رابعًا: البُعد الإنساني والأدب المقاوم
تنتمي رواية "انفجار" إلى أدب المقاومة، ولكنها لا تتخذ الخطاب المباشر الذي يهيمن على كثير من نصوص هذا الأدب. فهي تُقدّم المقاومة بوصفها فعلًا وجوديًا قبل أن تكون فعلًا سياسيًا. الصمود هنا ليس فقط رفض الاحتلال، بل هو أيضًا رفض الموت الداخلي، وإصرار على الاحتفاظ بالإنسانية وسط اللا إنسانية.
بهذا المعنى، الرواية تتجاوز إطارها الفلسطيني لتصبح نصًا إنسانيًا عالميًا، يعبّر عن كل جماعة مقهورة تصر على الحياة. وهذا ما يمنحها قيمة أدبية مضاعفة: فهي نص محلي من حيث السياق، كوني من حيث الدلالة.
خاتمة
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن رواية "انفجار" للكاتبة رانية مرجية تمثل نصًا قصيرًا في حجمه، عميقًا في رمزيته، يجمع بين التوثيق الأدبي للمعاناة الفلسطينية وبين الإبداع الفني الذي يحوّل الألم إلى جمال. بنيتها المشهدية ولغتها المكثفة ورمزيتها العالية تجعلها إضافة مهمة للأدب الفلسطيني، ومرآة تعكس جوهر الأدب المقاوم في صورته الأكثر إنسانية.
إنها رواية تُذكّر القارئ أن الانفجار ليس فقط نهاية مأساوية، بل قد يكون بداية لوعي جديد، وحياة جديدة، وكرامة متجددة.
تُعدّ رواية الانفجار للكاتبة رانية مرجية لأهل غزة تعبيرًا أدبيًا مؤثرًا عن النصر المعنوي الذي حققوه. تصف الكاتبة صمودهم بأنه زلزالٌ هزّ الكيان وأعاد الروح إلى الأمة، مؤكدًة أن النصر حتمي.
تربط بين صبرهم وانتصارات الماضي، ويُذَكّر بأنهم يمهّدون الطريق لتحرير الأقصى.
تحياتي واحترامي
المتواجون الان
688 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع