اخر الاخبار:
بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل - الأحد, 02 تشرين2/نوفمبر 2025 11:14
سامراء.. القبض على الإرهابي "أبو إخلاص" - الخميس, 30 تشرين1/أكتوير 2025 20:34
فائق زيدان يوجه بإزالة اسمه من أحد شوارع الموصل - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:14
ترمب: إن لم تُحسن حماس التصرف فسيتم تدميرها - الأربعاء, 29 تشرين1/أكتوير 2025 11:11
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

محمد حسين حبيب: صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي// محمد علي محيي الدين

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد علي محيي الدين

 

للذهاب الى صفحة الكاتب 

محمد حسين حبيب: صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي

محمد علي محيي الدين

 

في قلب مدينة الحلة، حيث يتعانق الفرات مع تواريخ الحضارة، وُلد عام 1962م فتى اسمه محمد حسين محمد حبيب مجيد الخميس. لم تكن طفولته في محلة المهدية إلا صفحة أولى في كتاب طويل من الفكر والإبداع. هناك، وسط الأزقة الحليّة القديمة، تشكل وعيه الأول بالجمال، لتقوده خطاه لاحقًا نحو بغداد، حيث كانت أكاديمية الفنون الجميلة تنتظره بذراعيها المفتوحتين.

 

تخرج محمد حسين حبيب من قسم الفنون المسرحية سنة 1987م، لكنه لم يكتفِ بتلك الخطوة؛ فشغفه بالمسرح دفعه إلى مواصلة الدراسة حتى نال شهادة الماجستير عام 1998، ثم شهادة الدكتوراه في فلسفة الإخراج المسرحي من جامعة بابل عام 2004م. منذ ذلك الحين، تحول من تلميذ إلى معلم، ومن ممارس إلى ناقد، ومن مخرج إلى مفكر يُضيء دروب المسرح بعين بصيرة ولسان فصيح.

 

ناقد ومترجم ومخرج.. جمع الأضداد في روح واحدة

من النادر أن يجمع فنان بين الإخراج المسرحي والنقد الأكاديمي والترجمة، لكن محمد حسين حبيب نسج من هذه المجالات وحدة متماسكة تُعبّر عن فهم عميق للمسرح بوصفه لغة حياة قبل أن يكون فعلًا فنّيًا. فقد أخرج ما يزيد على خمسٍ وعشرين مسرحية عراقية، مثّلت العراق في مهرجانات داخلية وخارجية، ولم يكن المخرج فيها فحسب، بل المفكر وراء الفعل الدرامي، والمصمم للرؤية البصرية، والمترجم للواقع إلى مشهد فوق الخشبة.

 

وهو، بوصفه ناقدًا، لم يكن ممن يكتفون بمقاربة الأعمال بعيون المتلقي؛ بل حمل مشرط الناقد ليفتش في تلافيف النص والعرض، مستندًا إلى أسس علمية راسخة، وواعٍ بمناهج نقدية حديثة، ليكتب أكثر من 600 مقالة نقدية وصحفية، وينشر 17 بحثًا علميًا محكّمًا، بالإضافة إلى عشرات الأوراق التي قدّمها في مؤتمرات عربية وعالمية، لا سيما في القاهرة وبيروت وتونس وليبيا والأردن والشارقة.

 

آراء النقاد فيه: ذاكرة حيّة وضمير نقدي

يرى كثير من النقاد أن الدكتور محمد حسين حبيب يمثل حالة فريدة في النقد المسرحي العراقي والعربي؛ لأنه لم يفصل بين التجربة العملية والخبرة الأكاديمية. فالدكتور علي حنون وصفه بأنه "ناقد يتمتع بشجاعة أدبية، لا يجامِل، ولا يتخذ من موقعه الأكاديمي منصة للوصاية، بل يُمارس النقد بوصفه فعلًا معرفيًا محايدًا ومنحازًا للجمال في آن".

 

أما الناقد المغربي عبد الكريم برشيد فقد أشار في أحد حواراته إلى أن "النقد العربي بحاجة إلى وجوه مثل محمد حسين حبيب، لأنه يمارس النقد بوصفه رؤية وتأويلًا، لا تقويمًا سطحيًا، وهو في كل ما يكتب، ينطلق من عتبة العرض، لا من سلطة النص وحده".

 

ويؤكد الناقد العراقي فاضل خليل في أحد تعليقاته على أعمال حبيب أنه "يمثل الجيل الذي انتقل بالنقد من الانطباعية إلى العلمية، من المجاملة إلى المواجهة، وهو في كتاباته يطرح الأسئلة أكثر مما يُصدر الأحكام".

 

المسرح بوصفه وطنًا.. وجسدًا يُعاد تشكيله

ليست إنجازاته محصورة في مقالات أو جوائز، رغم حصوله على العديد منها، ومنها جائزة أفضل مخرج عن مسرحية النحيف والبدين عام 1999، وأفضل ناقد مسرحي عراقي لعام 2012 حسب استفتاء مؤسسة عيون للثقافة والإعلام. بل كان المسرح عند محمد حسين حبيب مشروع حياة، يمارسه داخل الخشبة وخارجها. فمن عضويته الفاعلة في اتحادات فنية وأدبية، إلى مشاركاته الدائمة في لجان التحكيم والنقد، تراه دومًا حاضرًا في المشهد الثقافي كصوت ذي مصداقية عالية.

 

ولم يكن النقد عنده فعلاً سلبيًا أو موقفًا مُتأخرًا من العمل الفني، بل هو شريك حيوي في صناعة المعنى. في نظره، المسرح ليس مجرد فعل درامي، بل "جسد يتجدد على الخشبة"، كما وصفه في إحدى محاضراته. ولهذا فإن كتاباته تُعدّ أرشيفًا حيًا للذائقة المسرحية العراقية، ومرآة لتحولاتها. وقد طرح مشروعه حول (نظرية المسرح الرقمي) منذ عام 2005 وكان الرائد في هذا الاستشراف عربيا وعالميا.

 

ترجمة الرؤية لا النص

ومع أنه لم يُعرف بوصفه مترجمًا تقليديًا، إلا أن مشاركته في نقل المفاهيم النقدية الحديثة إلى الوسط العربي تُعدّ ترجمة بحد ذاتها. فقد كان جسراً يربط النظرية الغربية بالتجربة العربية، لا بنقل النصوص فحسب، بل بإعادة تأويلها وتطبيقها بما يناسب الواقع الثقافي المحلي.

 

رجل المسرح الذي لم يغادر المسرح أبدًا

قد يُحال الأكاديمي إلى التقاعد، لكن الفكر لا يُحال إلى الصمت. فالدكتور محمد حسين حبيب، حتى بعد خروجه من أسوار الجامعة، لا يزال يكتب، وينقد، ويُحاور، ويضيء الطريق لمن يأتون من بعده. هو من القلائل الذين يمكن القول عنهم إنهم حملوا المسرح في داخلهم، لا على أكتافهم. وحين يكتب، فإنما يُمسك القلم كما يمسك المخرج خشبة المسرح: بتوترٍ خلاق، وحرصٍ مخلص، وعينٍ لا تغفل عن التفاصيل.

 

بهذه الروح، وبهذا الأثر، سيبقى محمد حسين حبيب اسمًا لا ينساه تاريخ المسرح العراقي والعربي، لا بوصفه ناقدًا أو مخرجًا فحسب، بل ضميرًا يقظًا للفن، وصوتًا صافيًا في زمنٍ ازدحمت فيه الأصوات وخفت فيه الصدى.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.