سميح القاسم شاعر المقاومة والهوية الفلسطينية: دراسة نقدية تحليلية// محمد حجازي البرديني
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 26 تشرين1/أكتوير 2025 11:54
- كتب بواسطة: محمد حجازي البرديني
- الزيارات: 178
محمد حجازي البرديني
سميح القاسم شاعر المقاومة والهوية الفلسطينية:
دراسة نقدية تحليلية - شاعر قبيلة بني معروف الدرزية العربية
محمد حجازي البرديني
المقدمة.
يُعدّ سميح القاسم (1939–2014) من أبرز أعلام الشعر العربي الحديث، ومن أكثر الشعراء ارتباطًا بالقضية الفلسطينية وجودًا وانتماءً وشعورًا. شكّلت تجربة القاسم الشعرية امتدادًا لتاريخ طويل من الوجدان الجمعي العربي عامة والدرزي خاصة، حيث غدت القصيدة وسيلة مقاومة وموقفًا فكريًا وثقافيًا في آنٍ واحد.
تميّز شعر شاعر قبيلة بني معروف بقدرته على الجمع بين الالتزام الواقعي والعمق الرمزي، بين التاريخي والوجودي، وبين الخطاب السياسي واللغة الشعرية المكثفة.
من هنا، تأتي أهمية دراسة شعره في ضوء مناهج نقدية متعددة تكشف طبقاته الدلالية العميقة، وتبرز كيف تحوّل الشعر عنده من وصفٍ للواقع إلى إنتاجٍ للمعنى ومقاومةٍ رمزية للهيمنة والغياب.
تتمثل مشكلة الدراسة في الإجابة عن السؤال الآتي:
كيف عبّر سميح القاسم في شعره عن المقاومة والهوية والحرية، عبر بنية لغوية ورمزية وجمالية، تتقاطع فيها الأبعاد التاريخية والاجتماعية والثقافية مع المناهج البنيوية والتفكيكية والسيميائية؟
وهدفت الدراسة النقدية إلى تحليل شعر سميح القاسم بوصفه نصًا مركبًا في بنيته ودلالته؛ من خلال توظيف مناهج نقدية مختلفة للكشف عن عمق التجربة الشعرية. وإبراز وظيفة الشعر كخطاب ثقافي مقاوم. والوقوف على جماليات اللغة والصورة والرمز في ديوانه.
وقد اعتمدت الورقة النقدية المنهج التحليلي التركيبي المقارن الذي يجمع بين المناهج الآتية:
- التاريخي: للكشف عن تفاعل النص مع الواقع الفلسطيني والعربي.
- الاجتماعي والسياسي: لتحليل التزام الشاعر بقضايا الحرية والكرامة.
- الثقافي: لاستجلاء الخطاب الرمزي والهوية الجمعية.
- البنيوي: لتحليل بنية النص ومستوياته الصوتية واللغوية والدلالية.
- التفكيكي: لقراءة التناقضات والمعاني الضمنية التي ينطوي عليها النص.
- السيميائي: لتحليل العلامات والرموز والإشارات داخل القصيدة.
أولًا: البعد التاريخي والاجتماعي في شعر سميح القاسم.
تغدو القصيدة عند القاسم وثيقة تاريخية وشهادة حيّة على نكبة فلسطين ونضالها المستمر. في قصيدته «تقدّموا» نقرأ:
تقدّموا بكلِّ ما لديكم من حقدٍ،
بأسلحتكم، بناركم،
فلن تمرّوا.
لأننا على هذه الأرضِ
نزرعُ ونحرسُ ونموتُ ونولدُ من جديد.
التحليل النقدي
وفق المنهج التاريخي، تمثل هذه القصيدة موقفًا شعريًا يوثّق لحظة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فالحدث لا يُروى سردًا بل يُجسّد في إيقاعٍ حركيٍّ يتكرر عبر الأفعال («نزرع – نحرس – نموت – نولد»)، مما يعكس دور التاريخ كفعل مستمر لا كذكرى.
أما من منظور المنهج الاجتماعي، فإن تكرار الضمير الجمعي («نحن»، «نزرع»، «نموت») يعبّر عن وعي جماعي مقاوم، يربط الفرد بالأرض والجماعة، ويجعل الشعر خطابًا جمعيًا يمثل الشعب لا الفرد، وهذا ما أكد عليه طه حسين (1935) حين قال إن الأدب هو «صوت الأمة ولسانها».
ثانيًا: البنية الشعرية (قراءة بنيوية).
يرى رولان بارت أن النص الشعري «نظام من العلامات يتجاوز المعنى المباشر»، وهذا ينطبق على شعر القاسم بامتياز.
في قصيدته «منتصب القامة أمشي»، نجد بنية لغوية تتسم بالتكرار والتماثل، مما يمنح القصيدة نسقًا إيقاعيًا ودلاليًا موحّدًا:
منتصبَ القامة أمشي
مرفوعَ الهامة أمشي
في كفّي قصفةُ زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي.
التحليل البنيوي
البنية الصوتية: يقوم الإيقاع على التوازي الصوتي بين «منتصب» و«مرفوع»، مما يولد توازنًا موسيقيًا يوحي بالثبات.
البنية التركيبية: الجمل الفعلية المتوازية تُعبّر عن الاستمرارية والفعل المقاوم.
البنية الدلالية: يتقابل الرمز الإيجابي (قصفة زيتون) مع الرمز السلبي (نعشي) في علاقة تضاد تكشف وحدة الموت والحياة في الوعي الفلسطيني.
هنا تتحول القصيدة إلى بنية دلالية مغلقة تتجاوز المعنى المباشر نحو أسطورة البقاء.
ثالثًا: التفكيكية في قراءة التناقض والتمرد.
تقوم التفكيكية كما يرى جاك دريدا على الكشف عن التناقضات الداخلية في النص، وإبراز المعاني المهمّشة والمسكوت عنها.
في قصيدة «رسالة إلى غزاة لا يقرأون»، يقول القاسم:
لأنني لا أؤمنُ بالسلامِ الذي يُفرضُ
ولا بالحريةِ التي تُمنحُ،
أقولُ لكم:
اقتلوني كي أعيشَ فيكم.
التحليل التفكيكي
هنا يعبّر الشاعر عن تمزّق الوعي الفلسطيني بين القبول والرفض، بين الحياة والموت.
المفارقة الجوهرية في قوله «اقتلوني كي أعيش فيكم» تكشف انقلاب المعنى — إذ يصبح الموت وسيلة للحياة، والهزيمة طريقًا للانتصار.
ومن منظور تفكيكي، النص لا يقرّ بحقيقة واحدة، بل يفتح احتمالات متعددة للقراءة:
هل القتل هنا رمزي بمعنى التضحية؟
أم أنه نقد للعالم الذي لا يفهم إلا لغة الموت؟
هذا الانفتاح الدلالي يجعل النص مفتوحًا وغير منغلق، متوافقًا مع رؤية دريدا حول «انزلاق المعنى».
رابعًا: السيميائية في تحليل العلامة والرمز.
يعتمد شعر القاسم على منظومة من العلامات الثقافية، التي تستمد دلالتها من الذاكرة الجمعية.
في قصيدته «قراءة على قبر صلاح الدين»، يقول:
نمْ يا صلاحَ الدينِ...
نمْ مطمئنًّا،
فالعربُ ما زالوا يقاتلونَ بعضَهم!
التحليل السيميائي
وفقًا لنظرية السيمياء عند بيرس وإيكو، تُعدّ القصيدة شبكة رمزية تُحيل إلى مدلولات أوسع من اللغة.
صلاح الدين: علامة تاريخية تشير إلى المجد العربي المفقود.
النوم: رمز للاستسلام الجمعي للأمة.
السخرية: دالٌّ ثقافي يُنتج معنى نقديًا يعكس سقوط الوعي العربي.
هكذا يوظف القاسم العلامة التراثية (صلاح الدين) لا للتغنّي بالماضي، بل لتفكيك الحاضر، مما يمنح النص طابعًا تأويليًا مركّبًا.
خامسًا: الرؤية الثقافية والرمزية.
في شعر القاسم، الرموز ليست زينة بل أدوات فكرية. فهو يستخدم الزيتون، والنعش، والطفل، والأرض، والمطر بوصفها رموزًا ثقافية مشحونة بالمعنى الجمعي.
في قصيدته «أحبك كفلسطين»، يقول:
أحبكِ كفلسطينَ،
كطفلٍ يولدُ بين الرصاص،
ويضحكُ رغمَ الجراح.
التحليل الثقافي
هنا يمتزج الرمز العاطفي (المرأة) بالرمز الوطني (فلسطين)، فيتحوّل الحب إلى فعل مقاومة، والمرأة إلى استعارة للأرض.
يتقاطع هذا مع ما قاله محمد مندور (1948) من أن "الشعر الملتزم يعبّر عن القيم الإنسانية الكبرى في صورة فنية"، مما يبيّن أن شعر القاسم ليس انفعالًا عابرًا بل خطاب ثقافي مقاوم.
سادسًا: تركيب النتائج من تعدد المناهج.
عند جمع النتائج من المناهج المختلفة يمكن استخلاص ما يلي:
- فكانت نتائج تحليل المنهج التاريخي أنّ القاسم حوّل الشعر إلى سجلّ لتاريخ فلسطين النضالي.
- وأسفرت نتائج تحليل المنهج الاجتماعي والسياسي
تجسّيد الوعي الجمعي والتعبير عن معاناة الإنسان الفلسطيني.
- وخلصت نتائج تحليل المنهج الثقافي استخدم الرموز التراثية لتأكيد الهوية والذاكرة.
- وتوصلت نتائج تحليل المنهج البنيوي إلى إقامة بناءٍ لغويٍّ متماسكًٍ قائم على التوازي والإيقاع الرمزي.
- وانتهت نتائج تحليل المنهج التفكيكي إلى كشف تناقضات الواقع ومفارقات المقاومة والحياة والموت.
- وخلصت نتائج تحليل المنهج السيميائي إلى جعل العلامة الثقافية أداة لإنتاج المعنى النقدي.
الخاتمة.
إنّ شعر سميح القاسم ليس مجرد صدى لأحداث التاريخ، بل هو إعادة إنتاجٍ للوعي الجمعي الفلسطيني والعربي عبر لغة متماسكة وجماليات رمزية متعددة الطبقات.
تكشف قراءته في ضوء المناهج التاريخية والاجتماعية والبنيوية والتفكيكية والسيميائية عن شاعرٍ قادرٍ على تحويل المعاناة إلى طاقة فنية وفكرية، تجمع بين الصدق العاطفي والعمق الفلسفي.
لقد جسّد شاعر قبيلة بني معروف الدرزية العربية في شعره ما دعا إليه العقاد من صدقٍ فني، وما أكّد عليه طه حسين من التزامٍ اجتماعي، وما دعا إليه الرافعي من روحٍ احتجاجية، وما فصّله محمد مندور من انخراط الأدب في قضايا الإنسان.
إنه شاعر جمع بين التاريخ والجمال، بين الحلم والفعل، فكان شعره نصًا مفتوحًا على الحياة والموت، وعلى الحضور والغياب؛ نصًّا لا ينتهي قراءته، لأنّه ببساطة يُعيد إنتاج معنى الإنسان في مواجهة العدم.
قائمة المراجع (APA):
- أدونيس. (1985). زمن الشعر. بيروت: دار العودة.
- القاسم، سميح. (2000). ديوان سميح القاسم الكامل. بيروت: دار العودة.
- الرافعي، مصطفى صادق. (1929). وحي القلم. القاهرة: مطبعة الهلال.
- العقاد، عباس محمود. (1921). الديوان في الأدب والنقد. القاهرة: دار الهلال.
- العقاد، عباس محمود. (1955). شعراء مصر وبيانهم. القاهرة: دار المعارف.
- حسين، طه. (1935). حديث الأربعاء. القاهرة: دار المعارف.
- مندور، محمد. (1944). النقد المنهجي عند العرب. القاهرة: دار الفكر العربي.
- مندور، محمد. (1948). الأدب ومذاهبه. القاهرة: دار نهضة مصر.
- ناصر، كمال. (1981). الشعر الفلسطيني المقاوم. بيروت: دار العودة.
- بارت، رولان. (1977). لذة النص. ترجمة: محمد بنيس. بيروت: دار توبقال.
- دريدا، جاك. (1972). الكتابة والاختلاف. ترجمة: سعيد بنكراد. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق.
- إيكو، أمبرتو. (1986). نظرية السيميائيات. ترجمة: يوسف نوفل. القاهرة: دار المعارف.
استكملت هذه الدراسة بتاريخ الثلاثاء 16 / 9 / 2025 م.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المتواجون الان
564 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع



