اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

قراءة أدبية تحليلية في "أنشودة النور الكوني" للأديبة رانية مرجية// د. عادل جودة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. عادل جودة

 

 

قراءة أدبية تحليلية في "أنشودة النور الكوني" للأديبة رانية مرجية

د. عادل جودة

 

تُقدّم رانية مرجية في "أنشودة النور الكوني" رؤية كونية شاعرية عميقة، تتجاوز الإطار الديني التقليدي لتغوص في جوهر الوجود، واللغة، والروح. القصيدة ليست مجرد نص أدبي، بل محاولة صوفية فلسفية لتوحيد المقدّس عبر لغة الحب والضوء، حيث يصبح الله فكرةً تتأمل ذاتها، والإنسان مرآةً لهذا التأمل.

 

تفتتح الأنشودة بنشوء الوعي الإلهي قبل الزمان والمكان، في لحظةٍ يسبق فيها التأمّلُ الخلقَ، ويسبق فيها الصوتُ المادة. هنا، لا يُخلق الكون من فراغ، بل من اشتياقٍ داخليّ في الذات الإلهية إلى "وجهه الآخر"، ما يمنح الخلق طابعًا وجوديًّا عاطفيًّا، لا مجرد فعلٍ قهريّ أو سلطة مطلقة.

ومن هذا الاشتياق يولد الصوت، ثم النور، ثم الكلمة، ثم كلّ شيء. الكلمة، إذن، ليست وسيلة تعبير فحسب، بل جوهر الوجود ذاته، بل هي الوجود.

 

في السفر الأول، تُصوَّر الكلمة ككائنٍ واعٍ يسأل عن هويته:

"يا الله، أأنا أنت؟"، فتجيبه الذات الإلهية بأنها "الصدر" وهو "الأنين".

هذه الصورة البلاغية الرائعة تختزل العلاقة بين الخالق والمخلوق في تنفّسٍ واحد، بين ذاتٍ تُبدع وأخرى تُعبّر. الكلمة هنا طاهرة من الزمن والمعنى، كأنها قبل أن تُحمّل بأغلال التفسيرات البشرية، ما يوحي بأن الحقيقة الأصلية نقية، وأن التعدد والاختلاف لاحقان.

 

ويأتي السفر الثاني ليقدّم رؤية جريئة في تفسير التنوّع الديني.

فالإنجيل والقرآن ليسا نقيضين، بل جناحين لكلمة واحدة، يطيران في فضاء الرحمة والعدل، ويلتقيان في "منتصف الضوء". هذا اللقاء لا يلغي خصوصية كلّ كتاب، بل يكملها، ويُظهر أن الله "يُسمع" عبر تعدد الألسنة.

والأجمل أن الرحمة تظهر كـ"كتابٍ ثالث" بلا حروف، يسكن القلوب، ما يشير إلى أن جوهر الدين ليس في النصوص المكتوبة، بل في التجربة الروحية الداخلية.

 

وفي السفر الثالث، يُخلق الإنسان كـ"صورة" لله، لا كعبدٍ خاضع، بل كمرآة تعكس الذات الإلهية. لكن الإنسان ينسى، فيبحث عن الله خارج ذاته، في النصوص والدم والخلاف. والنداء الإلهي يعود ليذكّره بأن الغاية ليست العبادة الخائفة، بل الحبّ الذي يرى الله في مخلوقاته.

هنا، تتحول الصلاة من طقسٍ شكليّ إلى حالة وجودية دائمة، حيث "كلّ نفس صلاة".

 

ويتوجّه السفر الرابع نحو التآلف بين الرسالات، في مشهدٍ رمزيّ يلتقي فيه الإنجيل والقرآن كقطرتين في بحر واحد. المآذن تُصافح الأجراس، والصلوات ترتفع بلغة واحدة: الرحمة.

إنها دعوة صريحة إلى وحدة الإنسانية عبر المشترك الروحي، لا عبر فرض هوية واحدة.

 

ويختم السفر الخامس بعودة كلّ شيء إلى الصمت، حيث يذوب الفصل بين الخالق والمخلوق، ويصبح الوحي "مُعاشًا" لا "مكتوبًا".

وفي هذه اللحظة، يدرك الكون أن جوهر الإلهيّة هو الحبّ الإنسانيّ ذاته.

 

بكلماتٍ نورانية، تعيد الأنشودة تعريف المقدس، لا كسلطة خارجية، بل كحضور داخليّ في كلّ نفس.

إنها دعوة إلى التأمل، إلى الحب، وإلى رؤية الوحدة في قلب التنوّع.

تحياتي واحترامي

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.