مقالات وآراء
الصفر اللغوي؟// د. عدنان الظاهر
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 17 كانون1/ديسمبر 2025 19:34
- كتب بواسطة: د. عدنان الظاهر
- الزيارات: 323
د. عدنان الظاهر
الصفر اللغوي؟
د. عدنان الظاهر
كانون الأول 2025
الصفر اللغوي ؟
قرأتُ أخيراً مقالين في موضوع "الصفر اللغوي" المقال الأول لأستاذ عراقي مختص باللغة العربية (البروفسور ضياء خضير) والمقال الثاني رد على ما جاء في مقال الأستاذ بقلم صاحبة (نظرية الصفر اللغوي) السيدة الدكتورة سناء حميد البياتي. لم أسمع قبلاً بالصفر اللغوي ولا علاقته بالصفر الرياضي فهذا شئ وذاك شئ آخر لأنَّ الرياضيات غير اللغة ولم تقم اللغة إبتداءً على أي أساس رياضي. اللغة سبقت الرياضيات تكلمت بها أقوام ما كانت تعرف الرياضيات. أحسب لو ركزّت الدكتورة الفاضلة سناء البياتي على مسألة ما هو الأول الفكر أو اللغة واستفاضت في هذا الموضوع لحظيت بالكثير من المتابعات والكثير من الأبحاث الجادة. المسألة بهذا الشكل شبيهة بالسؤال القديم المعروف: من الأول البيضة أم الدجاجة؟ قبل أكثر من عشرين سنةً قدّمت في برلين أمام منتدى ثقافي عراقي محاضرة حول هذا الموضوع: اللغة والتفكير مع صورة توضيحية هي عبارة عن مثلث متساوي الزوايا والأضلاع وافترضتُ أنَّ عملية التفكير في دماغ الإنسان تجري بسرعة حركة الألكترونات أي قريبة من سرعة الضوء. كيف يفكر الإنسان وأيهما الأسبق اللغة في دماغ الإنسان أم تسبقها عملية تفكير قبل أنْ ينطقَ هذا الإنسان بالكلمات (اللغة)؟ في رأيي أنَّ العمليتين تجريان معاً في نفس الآن إذْ لا فكرة بدون لغة ولا لغة بدون فكرة الأمر الذي يعني إستحالة وجود فاصل زمني بين العمليتين أي إنعدام ما يُسمى بالصفر اللغوي. لنبدأ من البدايات: كيف ومتى يتعلم الطفل الصغير النطق والتذكر؟ هل يبدأ من صفر مهما كان اسمه ومواصفاته؟ كلاّ، بالتأكيد لا يبدأ من صفر أي من وضعية اللاشئ أو الجمود الحركي المطلق. يبدأ الطفل نطق كلمات بسيطة تتكون من حرفين أو ثلاثة يسيرة النطق يُلقّنها له أبواه أو أحدهما مثل (بابا) و (ماما) فإذا تعلم نطقهما يستطيع بالتذكر (الذاكرة) مخاطبتهما فهذا بابا وهذه ماما. عندما علّمنا طفلتنا هذين اللفظين لم تفرّق بيننا فأنا (باما) ووالدتها كذلك (با ما). لم تعترف بهذه الإزدواجية وهذا التقسيم. مع مرور الزمن يتعلم الطفل مهارات منوّعة فضلاً عن سعة المفردات التي يتعلمها ويكرر نطقها بأشكال مضحكة إبتداء بخلط الحروف والتقديم والتأخير والأطفال مختلفون في آلية التقديم والخلط والتأخير فكان طفلنا في بداياته يسمّي عمّه جليل (عمّو أجيل) وعمته نجاة (عمة أجاة) بينما شقيقته بدأت بتسمية عمها جليل (عمو دليل) والجبل (جَمَنْ) والعنب (عِمَنْ) والنافورة (ماموثة) والخاشوكة (شادوكة)... أما أخوها فبدأ يسمي الحضانة (حكانةْ) والمطبخ (مخبخْ) والكلينكس (كلينخ). اللغة إذا لا تبدأ في دماغ الطفل من صفر إسمه صفر لغوي أبداً. الطفل يسمع ويحاول أن يحاكي ويكرر حتى يضبط نطق المفردات كما ينطقها ذووه بمرّ الزمن. أؤكد أنْ لا من وجود فاصل زمني بين عمليتي التفكير بشئ ونطقه فالعمليتان تمضيان معاً وليستا بحاجة لصفر تأسيسي لغوي. تبقى هذه المسألة في صلب إختصاص علماء النفس وأطباء الأعصاب والطب النفسي وليست من إختصاص أساتذة وخبراء اللغة العربية أو غير العربية. يبقى جهد القائمين بهذا المسعى جهداً مشكوراً لأنه بحث ولو أنه بحث لا يمت للغة بصلة. لم يعرف عبد القاهر الجرجاني (الصفر اللغوي) ولم يذكره نعّوم جومسكي حسب علمي.
تأتي الفكرة بقالب لغوي ولا لغة بدون فكرة فأين يكون هذا الصفر اللغوي ولمَ يؤسس وهو نفسه لا وجودَ له؟
الفيزياء وصفر الدكتورة سناء:
فسرّت موضوعة ثنائية الفكرة – اللغة تفسيراً فيزيائياً مترسماً خطى علماء مختصين جادلوا طويلاً في ماهية الفوتونات الضوئية هل هي موجات أم مادة؟ أخيراً وجدوا حلاً لهذه الإشكالية فقرروا أنَّ الفوتونات الضوئية هي أمواج مادية أو مادة متموجة الحركة. خلاصة رأيي وتفسيري هو أنَّ الفكرة أو عملية التفكير في الدماغ الإنساني عملية كهرومغناطيسية تجري بسرعة حركة الألكترونات اي قريبة من سرعة الضوء. إذا كانت عملية التفكير هي عملية موجية سرعتها بين سرعة الضوء والألكترونات فاللغة (الكلمات) تمثل المادة لكنهما وجهان لعملية واحدة يتبادلان الأدوار فالطاقة الموجية تتحول بنفس السرعة إلى مادة وهذه بدورها تتحول إلى حركات موجية فائقة السرعة لا فاصلَ يفصل بينهما ولا صفر أياً كان. الضوء كمّات متصلة مع بعضها ولا وجود لأي جدار أو عازل بين كم وآخر. الكم هو
Quantum والجمع هو Quanta
وكما تتبادل الطاقة والمادة طبيعتيهما كذلك يتم تبادل الطبائع والخصائص بين الفكرة واللغة. حينما يقول المرء مع نفسه (برتقالة مثلاً) تقدح العمليتان بسرعة قريبة من سرعة الضوء في دماغ الإنسان وترتسم في خيال هذا الإنسان صورة برتقالة.
هل يستطيع الإنسان نطق شئ لا يعرفه ولم يرَهُ وأي إسم يعطيه؟ مستحيل. كذلك الأمر بالنسبة للرسم فهل يستطيع إمرؤٌ رسم شئ لم يره؟ إذاً كل شئ جاهز مخزون في حجيرات معينة في منطقة معينة من دماغ الإنسان. أضرب أمثلة أخرى:
حين جاء في القرآن ذكر شجرة الزقوم أنكرها بعض مشركي قريش قائلين: وما شجرة الزقّوم؟ لا نعرفها ولم تُزرع في الجزيرة العربية ومعهم حق. لا يتصورون شيئاً لم يروه ولا وجودَ له أصلاً. مثال آخر في الطير الأبابيل [وأرسلنا عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجّيل فتجعلهم كعصفٍ مأكول]. ما هي الطير الأبابيل ولم يرَها أحد؟ ما شكلها ولونها وحجمها وتركيبها البايولوجي وما شكل وحجم مناقيرها؟ لا جواب.
سؤال آخر للدكتورة سناء حميد البياتي: هل اخترع أو اكتشف علماء اللغة العرب قدامى ومُحدثين كلمة واحدة جديدة غير معروفة أو لا أصلَ لها؟ بلى، ترجموا عن لغات أُخرَ وأمامنا كلمات مثل تلفون وتلفزيون وأسماء الأدوية وكلمات غير قليلة متداولة معرّبة ومنها مثلاً السندس والإستبرق والزنجبيل والقرنفل وأسماء مدن وأشخاص من أقوام وأديان أخرى نتداولها كما هي مثل ساسون وحسقيل ويوشع وموسى وأسماء مدن ومواقع لا حصرَ لها لا تعرفها اللغة العربية. أصل الكلمات وكيف نشأت ذلكم موضوع آخر لا يقل تعقيداً. هناك محاولات غير قليلة مكرّسة لإبتداع كلمات جديدة ولكن من باب الصرف والإشتقاق بالإعتماد الأولي على كلمات عربية موجودة أصلاً. أضرب مثلاً جادلتُ به خبراء مختصين باللغة العربي هو الفعل [ إستساغ ] .. هذا الفعل لا وجود له في معجم اللغة العربية لكن أصحاب التصريف وضرب المثل صرّفه من الفعل الأصل [ ساغ يسوغُ فهو سائغ ... شراب سائغٌ لذّةٌ للشاربين. هل هذا إختراع؟ إكتشاف؟ كذلك الفعل (إستفاد) فإنه خطأ والصحيح (أفاد يفيدُ). ثمّةَ أمرٌ أخر أوجعني بقدر ما أضحكني وهو أنَّ أحدَ هؤلاء (الخبراء المختصين باللغة العربية) سوّغ لنفسه إستعمال إداة إستفهام مع {لم} بشكل: فألمْ!! بدل {أَفَلمْ} الصحيحة معتبراً شططه المضحك ذاك ثورة تصحيحية في اللغة العربية ونحوها وصرفها. كيف يكون خبيراً من لا يعرف أنَّ لأدوات الإستفهام الصدارة في الكلام أي توضع في أول الكلمة: أَ فَلَمْ ومثلها {أَوَلمْ} ولا يصح القول {هل لم}. كما جوّز بعض (علماء العربية) نصب الفاعل لغرض التعظيم كما زعموا مستشهدين بمثل ورد في القرآن فاتخذوه حجّةً ودليلاً!
صفر الدكتورة سناء البياتي اللغوي والصفر الرياضي:
لا سبيلَ للمقارنة بين الصفرين لماذا؟ الصفر الرياضي متحرّك يُضاف إلى أرقام أُخر فيضاعف أقيامها شرطَ أنْ يقع على شمال الرقم فبهذه الحالة يغدو الرقم واحد 1 عشرة وبصفرين يغدو مائة وهكذا. معلومٌ أنْ لا قيمة للصفر إذا وقع على يمين الرقم. الصفر إذاً دالة مكانية يكتسب أهميته وفعله من المكان الذي يشغل. أما الصفر اللغوي المفترض فموقعه ثابت يتوسط جملتين أو لفظتين أي أنه ليس دالة مكانية هذا إذا وُجِد! أجل، لا من سبيل للمقارنة بين عامل فاعل متحرك (دينامي .. ديناميكي) وفاعل إفتراضي ساكن لا يتحرك أي (ستاتي .. ستاتيكي)
قلتُ سابقاً أنْ لا من شئ يفصل الفكرة عن الحرف أو الكلمة المنطوقة أبداً إنهما يجريان معاً في نفس اللحظة كما هو الشأن مع الفوتونات الضوئية. ليس في الكون حالة سكون ودماغ الإنسان، أعلى درجات تطور مادة الكون، هو جزء من هذا الكون غير المحدود بعد تحول بعضه المتناهي بالصِغر من الحالة غير العضوية (الجماد) إلى مادة عضوية حيّة فيها حياة قابلة للبقاء والتكاثر والتطور تحت شروط معينة ملائمة هي، في حالة كرتنا الأرضية، الشمس (ضوء وحرارة) والهواء والماء. لا أتذكر مَن قال [السكون الفلسفي هو لحظة التأهب للإنتقال النوعي]... أو شيئاً قريباً من هذا.
كنتُ ولم أزل أتمنى معرفة تأثير الصفر اللغوي على اللغة العربية وآليات تطويره لهذه اللغة وما يتعلق بها من نحو وصرف واشتقاق ومعانٍ وغير ذلك. للأسف أنا بعيد عن بغداد وعمّان والقاهرة حيث يتوفر كتاب الصفر اللغوي.
هذه رؤيتي للموضوع وهي لا ريبَ قابلة للنقاش والدحض وإني لا أدّعي الحق المطلق والصواب الكلي وأرجو أنْ يتكلم في هذا الموضوع (الصفر اللغوي) مختصون كثيرون فالمسألة بالغة الأهمية وأولى الجميع بمناقشة هذا الموضوع هم علماء النفس وأطباء الأعصاب وخاصة الدماغ والجهاز العصبي المركزي.
الخُلاصة :
1 – التفكير في دماغ الإنسان هو عملية كهرو- مغناطيسية تجري بسرعة قريبة من سرعة الضوء.
2 – مع عملية التفكير السريعة هذه تجري عملية نطق الحروف أو الكلمات بدون فواصل من قبيل ( الصفر اللغوي ) أو سواه. لا فواصل بين كم ضوئي وآخر. لا يعرف الكونُ السكون ونحن جزءٌ منه.
3 – الصفر الرياضي ( دينامي ) متحرك ودالة مكانية.
4 – الصفر اللغوي المُفترض ثابت، جامد لا يتحرك ( ستاتي ) لا وجود حقيقياً له بل إنه شئ مُفتعل ، مُختلق وموضوع بشكل إعتباطي ولا ضرورةَ له البتّة. لا مكانَ له في هذا العالم المادي غير المتناهي. إنه يُناقض طبيعة مادة الكون.
5 – أظل أتطلّع لقراءة كتاب الصفر اللغوي لأرى حقيقة تأثيراته على العربية وعلومها ووفق أية آليات.


