اخر الاخبار:
إنزال جوي عراقي في سوريا - الخميس, 18 كانون1/ديسمبر 2025 20:11
غداً.. أمطار وضباب في 12 محافظة عراقية - الإثنين, 15 كانون1/ديسمبر 2025 19:48
أميركا.. إحباط مخطط إرهابي في لوس أنجلوس - الإثنين, 15 كانون1/ديسمبر 2025 19:42
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

في الحب والزواج!// د. ادم عربي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

د. ادم عربي

 

للذهاب الى صفحة الكاتب 

في الحب والزواج!

د. ادم عربي

 

لولا أن الحُب اقتحم حياة جان جاك روسو في لحظة حاسمة من حياته ، لكان التاريخ قد عرف رجلاً آخر تماما. فذلك المفكر الذي نتغنّى بأفكاره اليوم لم يكن سوى شاب هش تمسّه قسوة الواقع من كل جانب. كان يمكن للوجود أن يدفعه نحو هاوية الجريمة لولا تلك المرأة التي أحبّته بصفاء يكاد يشبه نعمة سماوية. من خلالها تعلّم روسو أن الجمال ليس فكرة مجرّدة، بل خبرة حسية تُرى في وجه امرأة، وتُشم في رائحة زهرة، وتُسمع في صدق كلمة، وتُعاش في لحظة حب.

 

وهنا تكمن المفارقة والمقاربة، فعلاقة روسو بالمجتمع تشكّلت على قاعدة وجدانية مبكرة، فصار أكثر تصالحاً مع العالم. بينما شبابنا اليوم يُساقون إلى الجنون والانهيار والإجرام، لا لأنهم فاسدون، بل لأن العالم حولهم لم يعترف بحقّهم في أبسط ما يصنع إنسانية الإنسان وهو الحُب. إن من يُحرَم من الحبّ لا يبحث عن الجريمة، بل يجد المجتمع يدفعه إليها دفعا؛ إذ كيف لمن حُرم من العاطفة أن يرى لحياته ثمنا أو معنى؟

 

ولأن مجتمعاتنا لم تتحرر بعد من العقلية الاستبدادية الموروثة، ذلك الاستبداد الشرقي الذي يخشى كل ما هو إنساني، فهي، أي مجتمعاتنا، ما زالت تتعامل مع الحب كأنه تهديد سياسي أو فعلة مشبوهة. فنراها تطارد العشاق، وتُخفي العاطفة تحت الأرض كما أخفت أحزاب المعارضة يوما أفكارها.

هكذا يُصنع جيل كامل بلا تجربة وجدانية، ثم نندهش من انهياره الأخلاقي والنفسي.

 

ذات يوم جلست مع شاب عاشق حد الثمالة يحدثني بثقة العارفين عن قصة حب امتدت سنوات وسنوات. ظننته قيسا يتلو أساطيره، لكنه فاجأني بقراره الزواج من امرأة أخرى غير تلك التي ملأت حياته. حين سألته: لماذا؟ أجابني بمنطق يفضح العمق النفسي للمجتمع أكثر مما يفضح ذاته.

قال: "من خان مرة يخون مرات، ومن أحبّ مرة يمكن أن يحبّ غيري."

هكذا يصبح الحب جريمة محتملة، والخيانة فرضية جاهزة، والثقة مجرد سذاجة.

هكذا يفكّر من لم يسمح له المجتمع بأن يعيش الحب بشكل طبيعي ، فيتقوقع داخل خوفه من المرأة ومن ذاته ومن العالم من حوله.

 

وعندما نقارن ذلك بأوروبا، نرى بوضوح أن الحب هناك ليس رفاهية، بل مؤسسة اجتماعية، وآلية حماية ضد الانحراف. المجتمع يشجّع الحب لا لأنه ماجن ، بل لأنه عقلاني، فالإنسان الذي يجد علاقة عاطفية صحية يكون أقل ميلا للهروب نحو الانحراف أو العنف.

 

أما في مجتمعاتنا، فالحب ليس مفقوداً وحسب؛ بل ممنوع، مُصادر، محاصر. لذلك يبدو للعاشقين كطيف أسطوري، كعنقاء لا وجود لها إلا في الخيال. فالحب، ككل قيمة إنسانية، لا يعيش إلا في ظل الحرية؛ فإذا غابت الحرية خنق الحب معها ، فلا حب دون حرية.

 

وليس غريبا، في ظل غياب الحب الحقيقي، أن تنهار زيجات استمرت سنوات طويلة من العاطفة. فهذه السنوات لم تكن حبا بل تمثيلاً  متبادلا؛ وكل علاقة تُبنى على القناع لا تصمد أمام أول مواجهة مع الحقيقة. والزواج، بما فيه من تماس مباشر مع حقيقة الإنسان، يكشف هشاشة الوهم ويُسقط كل زخارف العشق التي صُنعت في الظلام.

 

ومجتمعاتنا تزيد الأمر سوءاً، فهي تجعل الزواج معركة، والطلاق استراحة. تنصح الأعزب بالهروب من الزواج، وتنصح المتزوج بالهروب منه أيضا!

ولو تأملنا قليلاً، لوجدنا أن ارتفاع معدلات الطلاق ليس لغزا، بل نتيجة طبيعية لطريقة تفكير مجتمع لا يعرف لماذا يتزوج، ولا كيف يحب، ولا كيف يُؤسّس علاقة إنسانية على الصدق.

والدولة، بدورها، لم تخذل أحدا في هذا المسار؛ فقد نجحت نجاحا باهراً في صناعة مناخ اقتصادي واجتماعي يجعل الزواج استثناء، والطلاق قاعدة، والعزوف عن الزواج ظاهرة جماعية.

 

في بلادنا،  تراجعت العدالة الزواجية حتى أصبح جيش العاجزين عن الزواج، من نساء ورجال، ظاهرة متنامية، يقابلها تمدد صامت لأسر تتشكل من زوج وزوجات، أو من علاقات غير مستقرة، أو من مطلقين ومطلقات يعيشون على هوامش النظام الاجتماعي.

 

وهكذا يتضح أن المأساة ليست في الحب ذاته، بل في مجتمع يخاف الحب، وزواج يفتقر إلى الحقيقة، ودولة تُشرعن العجز عبر اقتصاد خانق.

وكل ذلك يظل مرآة واحدة تُظهر وجه السؤال الأكبر وهو

كيف يمكن لحياة بلا حب أن تنتج إنساناً  سويا؟

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.