مقالات وآراء
مقاربة جيوسياسية حول المطالبة العالمية لإقامة دولة فلسطينية بين الرفض الإسرائيلي والاعتراف الدولي// د. زهير الخويلدي
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 25 أيلول/سبتمبر 2025 11:39
- كتب بواسطة: د. زهير الخويلدي
- الزيارات: 133
د. زهير الخويلدي
مقاربة جيوسياسية حول المطالبة العالمية الشعبية
بضرورة إقامة دولة فلسطينية بين الرفض الإسرائيلي والاعتراف الدولي
د. زهير الخويلدي
كاتب فلسفي
مقدمة
تُشكل قضية إقامة الدولة الفلسطينية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وإثارة للجدل في العلاقات الدولية والسياسة الجيوسياسية. فمنذ النكبة الفلسطينية عام 1948، تطورت القضية الفلسطينية من صراع محلي إلى قضية عالمية تحظى باهتمام دولي واسع. في ظل هذا السياق، يبرز التوتر بين المطالبة الفلسطينية بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة، والرفض الإسرائيلي المستمر لهذا المطلب، إلى جانب التفاوت في مواقف المجتمع الدولي بين الاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم إسرائيل. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل هذه الإشكالية من منظور جيوسياسي، مع التركيز على العوامل التي تشكل المواقف الإسرائيلية والدولية، والتحديات التي تواجه إقامة الدولة الفلسطينية، مع تقديم رؤية شاملة للديناميات الجيوسياسية المحيطة بهذه القضية. كيف تغير موقف الدول الغربية من الصراع في الشرق الأوسط لصالح الفلسطينيين؟ وما السر وراء اعتراف دول أوروبية وغربية مثل اسبانيا وإنجلترا وفرنسا وكندا وأستراليا بالدولة الفلسطينية؟ ألا توجد مفارقة في أدانة قوى المقاومة الفلسطينية من جهة والتضامن مع غزة والضفة من جهة أخرى؟
المقاربة الجيوسياسية
المقاربة الجيوسياسية تركز على تحليل العلاقات بين الدول والقوى السياسية من خلال التفاعل بين الجغرافيا، القوة، والمصالح الاستراتيجية. في سياق القضية الفلسطينية، تتجلى الأهمية الجيوسياسية في موقع فلسطين الاستراتيجي في قلب الشرق الأوسط، وهي منطقة تتقاطع فيها مصالح القوى العظمى والإقليمية. يمكن تحليل هذه القضية عبر عدة عناصر جيوسياسية:
الجغرافيا السياسية: موقع فلسطين بين البحر المتوسط والأردن، وقربها من قناة السويس والخليج العربي، يجعلها مركزًا استراتيجيًا.
القوة والنفوذ: الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل، مقابل دعم بعض الدول العربية والإسلامية لفلسطين.
الموارد والسيطرة: الصراع على الأراضي والموارد المائية، وخاصة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
الهوية والشرعية: الصراع بين السرديات التاريخية الفلسطينية والإسرائيلية، والتي تؤثر على الاعتراف الدولي.
المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية
الأسس التاريخية والقانونية
المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية تستند إلى أسس تاريخية وقانونية:
الأسس التاريخية: يرى الفلسطينيون أن فلسطين هي وطنهم التاريخي، حيث عاشوا لقرون قبل إقامة دولة إسرائيل عام 1948. النكبة، التي أدت إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، شكلت نقطة تحول في هذا الصراع.
الأسس القانونية: قرارات الأمم المتحدة، وخاصة قرار التقسيم رقم 181 (1947)، الذي دعا إلى إقامة دولتين في فلسطين، واحدة يهودية وأخرى عربية، وقرار الجمعية العامة رقم 3236 (1974) الذي أكد حق الفلسطينيين في تقرير المصير. كما أن إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988 في الجزائر عزز هذه المطالبة.
الأسس السياسية: اتفاقيات أوسلو (1993-1995) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، التي أقرت مبدأ حل الدولتين، على الرغم من فشلها في تحقيق ذلك.
التحديات الفلسطينية الداخلية
تواجه المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية تحديات داخلية، منها:
الانقسام السياسي: الخلاف بين حركة فتح في الضفة الغربية وحركة حماس في قطاع غزة يضعف الموقف الفلسطيني التفاوضي.
الوضع الاقتصادي: الاعتماد على المساعدات الدولية والقيود الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني يحد من قدرة الفلسطينيين على بناء مؤسسات دولة مستقلة.
الاستيطان: التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية يهدد بتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية، مما يجعل إقامة دولة متصلة جغرافيًا أمرًا صعبًا.
الرفض الإسرائيلي لإقامة الدولة الفلسطينية
الأسباب الإسرائيلية للرفض
تعتمد إسرائيل في رفضها إقامة دولة فلسطينية على عدة أسس:
الأمن القومي: ترى إسرائيل أن إقامة دولة فلسطينية تشكل تهديدًا أمنيًا مباشرًا، خاصة في ظل وجود فصائل مسلحة مثل حماس. يُستخدم هذا المبرر لتبرير السيطرة على الضفة الغربية والحصار على غزة.
الرواية التاريخية: السردية الصهيونية ترى أن الأراضي الفلسطينية جزء من "أرض إسرائيل" التاريخية، مما يدفع الأحزاب اليمينية إلى رفض أي تنازل عن الأراضي.
الاستيطان: وجود أكثر من 700,000 مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية يجعل إخلاء هذه المستوطنات تحديًا سياسيًا واجتماعيًا داخل إسرائيل.
الدعم الدولي: الدعم الأمريكي المستمر، بما في ذلك الفيتو في مجلس الأمن، يمنح إسرائيل القدرة على رفض المبادرات الدولية دون عواقب كبيرة.
الاستراتيجيات الإسرائيلية
تعتمد إسرائيل استراتيجيات متعددة للحفاظ على الوضع الراهن:
التوسع الاستيطاني: بناء المستوطنات في الضفة الغربية لخلق "حقائق على الأرض" تجعل إقامة دولة فلسطينية مستحيلة.
السيطرة الأمنية: الجيش الإسرائيلي يسيطر على معظم الضفة الغربية، بما في ذلك المناطق المصنفة "ج" بموجب اتفاقيات أوسلو.
الضغط الاقتصادي: فرض قيود على الحركة والتجارة الفلسطينية، مما يضعف الاقتصاد الفلسطيني ويجعل السلطة الفلسطينية أكثر اعتمادًا على إسرائيل.
التفاوض كأداة تأخير: استخدام المفاوضات كوسيلة لكسب الوقت دون الالتزام بحل نهائي.
الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية
تطور الاعتراف الدولي
حتى سبتمبر 2025، أقرت أكثر من 140 دولة بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك دول عربية وإسلامية ودول من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. ومع ذلك، فإن الدول الغربية الكبرى، مثل الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، لم تعترف رسميًا بفلسطين كدولة ذات سيادة كاملة، مكتفية بالاعتراف بالسلطة الفلسطينية ككيان سياسي.
الأمم المتحدة: عام 2012، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو" بقرار رقم 67/19، وهو ما يُعد خطوة رمزية نحو الاعتراف الكامل.
الاتحاد الأوروبي: دول مثل السويد اعترفت بفلسطين، بينما تظل دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا مترددة، مشروطة بنجاح المفاوضات مع إسرائيل.
الدول العربية والإسلامية: تقدم دعمًا دبلوماسيًا قويًا، لكن تأثيرها محدود بسبب الانقسامات الإقليمية وتطبيع بعض الدول العلاقات مع إسرائيل (مثل اتفاقيات أبراهام).
العوامل المؤثرة على الاعتراف الدولي
الدعم الأمريكي لإسرائيل: الولايات المتحدة تستخدم نفوذها في مجلس الأمن لمنع قرارات تدعم الدولة الفلسطينية، مما يحد من تأثير الاعتراف الدولي.
الديناميات الإقليمية: التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية (مثل الإمارات والبحرين) قلل من الضغط على إسرائيل لقبول حل الدولتين.
الضغط الشعبي والمنظمات غير الحكومية: الحركات الشعبية مثل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ساهمت في زيادة الوعي الدولي بالقضية الفلسطينية.
التحديات الجيوسياسية لإقامة الدولة الفلسطينية
التحديات الإقليمية
الصراعات الإقليمية: الانقسامات بين الدول العربية، وخاصة بين محوري السعودية وإيران، قللت من الضغط الموحد على إسرائيل.
تطبيع العلاقات: اتفاقيات أبراهام وغيرها من الاتفاقيات قللت من عزلة إسرائيل الإقليمية، مما يقلل من الحافز لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
التدخلات الخارجية: دعم إيران لحركات مثل حماس وحزب الله يعقد المشهد السياسي ويعزز الرواية الإسرائيلية حول التهديد الأمني.
التحديات الدولية
النظام الدولي القائم على القوة: القوى العظمى، وخاصة الولايات المتحدة، تملك تأثيرًا كبيرًا على مسار القضية الفلسطينية، مما يحد من فعالية المبادرات الدولية.
غياب الإجماع الدولي: التفاوت في مواقف الدول تجاه القضية يعيق إيجاد حل شامل.
القانون الدولي: على الرغم من وجود قرارات دولية تدعم الحقوق الفلسطينية، إلا أن غياب آليات تنفيذ فعالة يجعلها رمزية في كثير من الأحيان.
السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأول: حل الدولتين
الاحتمالية: لا يزال حل الدولتين هو الأكثر دعمًا دوليًا، لكنه يواجه تحديات كبيرة بسبب التوسع الاستيطاني والرفض الإسرائيلي.
الشروط: نجاح هذا السيناريو يتطلب ضغطًا دوليًا قويًا على إسرائيل، وتسوية نهائية بشأن قضايا القدس، الحدود، اللاجئين، والأمن.
السيناريو الثاني: دولة واحدة ثنائية القومية
الاحتمالية: تزايد الدعوات لهذا الحل بين بعض المفكرين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنه يواجه مقاومة شديدة من إسرائيل التي ترى فيه تهديدًا للهوية اليهودية للدولة.
التحديات: إقامة دولة ديمقراطية تضمن حقوقًا متساوية للفلسطينيين والإسرائيليين تتطلب تغييرًا جذريًا في السياسات الإسرائيلية.
السيناريو الثالث: استمرار الوضع الراهن
الاحتمالية: الأكثر ترجيحًا في المدى القريب، حيث تستمر إسرائيل في السيطرة على الأراضي الفلسطينية مع استمرار الدعم الأمريكي.
النتائج: هذا السيناريو قد يؤدي إلى تصعيد العنف، خاصة في ظل استمرار الاستيطان والقيود الاقتصادية.
خاتمة
إن المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية تمثل قضية مركزية في السياسة الجيوسياسية المعاصرة، حيث تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية مع الحقوق التاريخية والقانونية. الرفض الإسرائيلي المستمر، المدعوم بالقوة العسكرية والدبلوماسية، يواجه زخمًا دوليًا متزايدًا للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنه يظل محدودًا بفعل النفوذ الأمريكي والانقسامات الإقليمية. من منظور جيوسياسي، فإن حل هذه القضية يتطلب إعادة تقييم موازين القوى، وإيجاد توازن بين الأمن الإسرائيلي والحقوق الفلسطينية، مع دور أكبر للمجتمع الدولي في فرض حل عادل ومستدام. يمكن اقتراح جملة من التوصيات حول المستقبل:
تعزيز الوحدة الفلسطينية: يجب على الفصائل الفلسطينية تجاوز الانقسامات لتقديم جبهة موحدة في المفاوضات.
الضغط الدولي: على الدول التي تعترف بفلسطين أن تتحرك نحو فرض عقوبات على إسرائيل لوقف التوسع الاستيطاني.
إصلاح النظام الدولي: تعزيز دور الأمم المتحدة في فرض قراراتها، خاصة من خلال إصلاح آليات مجلس الأمن.
دعم الحلول البديلة: دراسة إمكانية حل الدولة الواحدة كبديل واقعي في ظل استحالة حل الدولتين.
أفلا يجب على العرب والمسلمين والقوى المحبة للحق والعدل في العالم والانسانية التقدمية النضال مع المقاومة الفلسطينية من أجل استرجاع القدس والتحرير الكامل للأرض المحتلة من النهر الى البحر؟
كاتب فلسفي