اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

يوميات حسين الاعظمي (1398)- المقام العراقي رواية العراقيين - 4

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

حسين الاعظمي

 

عرض صفحة الكاتب 

يوميات حسين الاعظمي (1398)

من كتاب (المقام العراقي في مئة عام)

تحت عنوان داخلي مركزي

(المقام العراقي رواية العراقيين) 4

 

عن حقبة التحول

        ذكرتُ مرّة، ان الزمن في الحقيقة، هو الماضي والمستقبل. وان الحاضر لا وجود له ما دامت عجلة الزمن تسير دون توقف..! فالزمن الذي نطلق عليه اسم(الزمن الحاضر) يصبح ماضيا في لحظته باعتباره مستمرا(هامش1). ولكن اذا ما زاد وعينا بهذا الزمن المستمر (الحاضر)، فان وعينا بأهمية التطور والسير قدما نحو مواكبة الحياة الجديدة بكل تفاصيلها يزداد اضطراداً..! شريطة ان يكون اهتمامنا بالماضي وانطلاقنا منه نحو الافاق المستقبلية في ازدياد مستمر لنضمن اساسا متينا لافكارنا وابداعاتنا وجمالياتنا. وبذلك فاننا حين نعي هذه المدلولات فنحن نسهم بهذا التطور من خلال استنطاقنا للمادة التراثية وجلاء ما حدث لها في الماضي. وعليه ينبغي التعمق في مدلولات الماضي وفهمه وادراكه لنبدأ البداية الصحيحة من الزمن والمكان الذي نحدده في تسلسل ماضينا لنكون قادرين ان نعيد تركيب الماضي الغناسيقي المتناثر الشظايا هنا وهناك. ونقوي تماسكه وعلاقته بزمننا المستمر(الحاضر) وآمالنا المستقبلية بكثير من التأمل. وقد كنا وما نزال بحاجة متجددة دائما ان نعرف تاريخنا كما كان واقعا. دون الاكتفاء بما نتصوره او نستنتجه او كما تشاؤه الاهواء..!

        في هذه الحلقة من هذه الدراسة التي أحاول ان أتوسع فيها عن موسيقى وغناء المقام العراقي وحال ادائه وتطوره وتبلوره وكل ما يعنيه خلال مائة عام من تاريخه. لا اهدف كباحث تراثي موسيقي الى معالجة حالة ادائية غنائية كانت ام موسيقية. بل احاول زيادة الوعي او التنبيه والتذكير الى اهمية التفاعل والعلاقة الجدلية الوثيقة بين الثالوث الزمني الذي يعيشه الانسان في ماضيه ووعيه بالحاضر ونظرته الى المستقبل..! وهذا ما يجعلني احتمل، ان هذه الدراسة قد تميل الى المنحى العلمي والاكاديمي في الطرح والتحليل. لابراز التطور التاريخي للاداء المقامي في حدود مائة عام من تاريخه واعني بهذه المئة عام القرن العشرين..!

      من ناحية اخرى، ظل الغناء المقامي طيلة تاريخه الطويل حتى اواخر القرن التاسع عشر او بداية القرن العشرين، مجهولا على الدارسين والنقاد والكتاب الموسيقيين في قيمه الفنية ومعانيه التعبيرية وعلاقاته اللحنية. لعدم تدوين وتوثيق هذا التراث بصورة تفي لمعرفتنا به. خاصة وان التسجيل الصوتي لم يكن موجودا اصلاً حتى ظهوره اواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين..! وسيبقى جميع المغنين السابقين لهذه الحقبة من التطور التكنولوجي على مدى تاريخ البشرية سيئي الحظ..! اذ لم تسجل اصواتهم وذهب اداءهم ادراج الرياح..!! وقد زاد الطين بلـَّة حين لانجد تاريخا مكتوبا بصورة وافية عن حال الغناء المقامي والمؤدين له خلال القرون الكثيرة الماضية. وظل الحال لهذا الزمن الموغل في القدم وكأنه في سبات عميق..!

     هكذا استيقظ غناء وموسيقى المقام العراقي بكل قيمه في حقبة توديع القرن التاسع عشر واستقبال القرن العشرين. بعد ان ظهر جلياً الى الوجود. الكثير من التطور التكنولوجي واصبح في الامكان تداولها. الامر الذي افزع الناس واقلقهم لغرابة وسرعة تطور الاشياء..! وقد احسّوا ان شيئاً ما قد حدث..! وبمضي الوقت تطورت اجهزة التسجيل الصوتي التي اتاحت ولاول مرّة في تاريخ البشرية. الفرصة للانسان ان يسجل صوته ثم يعيده ليسمعه ويكرر ذلك مرّات ومرّات..!!!

      من الطبيعي يمكننا العثور على تسجيلات مقامية مؤداة من قبل مؤدين ولدوا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وظهروا كمؤدين في اواخره او اوائل القرن العشرين. مثل جميل البغدادي (1876-1953م) ويوسف كربلائي (1879-1960م) ورشيد القندرجي (1886-1945م) وعباس كمبير (1893-1971م) وعبدالفتاح معروف (1881-1989م) ونجم الشيخلي (1893-1938م) وغيرهم. هذه المقامات المسجلة باصوات هؤلاء المؤدين. ذات موضوعات تاريخية وتقليدية في اصولها وبنائها اللحني القديم والمتعارف عليه توارثا عن القرون الماضية من الآباء والاجداد. ويستطيع الدارس او الناقد أو الباحث لهذا الشأن من الموسيقى والغناء التراثي. اذا ما احسَّ ميْلاً  في نفسه الى ذلك. ان يعتبر تلك التسجيلات الصوتية الاولى كمقامات عراقية موروثة تعبِّر عن الشكل المقامي باصوله التقليدية ومضامينه التعبيرية القديمة. التي لا نعرف عنها الكثير كلما توغلنا في اعماق ماضي المقام العراقي مثل مقام الطاهر (سلَّمه جهاركاه) بصوت جميل البغدادي بقصيدة هذا مطلعها.

(يا محرقا بالنار وجـــه محـــبه/ مهلاً فان مدامــــعي تطفـــيه)

 

     ومقام البنجكاه (سلَّمه رست) بصوت يوسف كربلائي بهذا المطلع.

(هتف الصبح في الدجى فاسقنيها/ خمرة تترك الحلــيم سفــيها)

 

      ومقام السيكاه بصوت رشيد القندرجي بقصيدة ابي نؤاس ومطلعها.

(نضت عنها القميص لصـب ماء/ فورَّد خدها فرط الــــحياء)

 

       ومقام السيكاه ايضا بصوت عباس كمبير بابيات من قصيدة هذا مطلعها.

(اراك طروبا ذا شـجى وترنم/ تميل الى ذكر المحاسن بالفم)

 

     ومقام المثنوي (سلَّمه حجاز) بصوت عبدالفتاح معروف بهذها المطلع من القصيدة.

(فقتَ حسنا وسؤددا وافتـخارا/ زادك الله رفعـــة ووقارا)

 

     ومقام الرست بصوت نجم الشيخلي بهذه القصيدة التي غناها مرة اخرى بمقام البيات وهذا مطلعها.

(كم بعثنا مع النسيم كلامــــا/ للحبيب الجـــميل حيث اقاما)

 

         وغيرها من المقامات العراقية التي سُجلت في تلك الفترة. وهناك تسجيلات اخرى غير مفهومة لِقِدَمِها للمطرب الكبير احمد الزيدان المولود في بغداد عام(1832 والمتوفى فيها عام 1912م). وكذلك للفنان العبقري الملا عثمان الموصلي المولود في الموصل عام(1854 والمتوفى في بغداد عام 1923م). ومع ذلك لا يمكن ان تكون معظم الاساليب الادائية المقامية في النصف الاول من القرن العشرين في نواحيها الفنية الواقعية، التي جسّدت في مضامينها التعبيرية للجانب الاخلاقي تقدما مفاجئا يمكن ان ينعت من زاوية ما بالثورة على الواقع الادائي للمقام العراقي من حيث الابداع الادائي والتجديد فيه..! وابرزها التسجيلات الصوتية للمطرب الكبير محمد عبدالزاق القبانجي الذي استطاع من خلالها ان يؤسس طريقة جديدة في الاداء المقامي سيطر فيها على اذواق المعاصرين واللاحقين له من المؤدين..! وهكذا يستطيع محمد القبانجي ومن هم امثاله في المستوى. ان ينقل صورة بالغة الصدق عن العراق في عصره، الى التاريخ والى كل العالم المعاصر..!

        اضافة الى ذلك، توضع التسجيلات الصوتية المقامية بصورة عامة في القرن العشرين. المسجلة باصوات المغنين امثال عبدالقادر حسون واحمد موسى وجميل الاعظمي ويوسف عمر وشهاب الاعظمي وناظـــم الغزالي وحسن خيوكة وعبدالهادي البياتي وعبدالرحمن العزاوي وغيرهم. في موضع محترم عند الحديث عن الانجازات الادائية في القرن العشرين..! اذ تعكس امانة  السمات المميزة والجوهرية للحياة الثقافية في بلدنا العراق.

       ان هذا الوضع الادائي لايزال مستمرا في حركته نحو التطور والابداع، رغم ان العناصر والمكونات التقليدية للشكل المقامي تكاد تكون ثابتة. لأن الواقعية مستمرة دوما في ابراز سمات الحاضر بقيم فنية متطورة على العموم وباستمرار..!

 

والى حلقة اخرى ان شاء الله.

 

هوامش

1    - انظر كتابي (المقام العراقي الى اين؟) عنوان – المقام بين الماضي والحاضر والمستقبل – ص70و71

 

 

صورة واحدة / في بيت احد شيوخ البحرين، المنامة. حيث دعى ضيوف مهرجان الاغنية الخليجية الاول على الغداء في بيته. ويظهر من اليمين الكويتي احمد عبد الكريم والبحريني عيسى جاسم. ثم العراقيين حسين الاعظمي واحمد الخليل وخليل ابراهيم. 16 /3 /1980.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.