مقالات وآراء
يوميات حسين الاعظمي (1410)- المقام العراقي رواية العراقيين -16
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 24 تشرين1/أكتوير 2025 11:43
- كتب بواسطة: حسين الاعظمي
- الزيارات: 196
حسين الاعظمي
يوميات حسين الاعظمي (1410)
المقام العراقي رواية العراقيين -16
من كتاب (المقام العراقي في مئة عام)
تحت عنوان داخلي مركزي
المقام العراقي رواية العراقيين -16
التفاعلات الادائية
خلال التفاعلات الادائية عند الاداء الفني لغناء وموسيقى المقام العراقي، تنصهر جميع المكونات المقامية العراقية(هامش1)والمقومات الادائية الفنية بغية الوصول الى نتاج فني ناجح ومقبول. وبذلك فإن هذه التفاعلات داخل العملية الادائية المعقدة والصريحة في ذات الوقت،القائمة بين المغني ومادة غنائه. تخلق ذلك الجو الصادق بما لا يقاس..! الجو التاريخي الذي يوقظ عند كل مقام عراقي من مقامات محمد القبانجي او مقامات امثاله في المستوى كرشيد القندرجي ونجم الشيخلي وغيرهما. ليس فقط المحتوى الاجتماعي، بل يوقظ ايضا السِّمات الانسانية العاطفية. وعليه فإن هذا الصدق في الغناء المقامي العراقي الذي يمكن لنا ان نحياه مرّة اخرى في المقامات العراقية المسحلة بأصوات المغنين الكبار. يستند الى الطابع الشعبي في فنون غنائهم. وفي القرن العشرين ادرك معاصروا رشيد القندرجي ومحمد القبانجي ووارثوهما المهمون،كالمغنين المقاميين حسقيل قصاب وعبدالقادر حسون واحمد موسى وشهاب الاعظمي ورشيد الفضلي والحاج هاشم الرجب وحسن خيوكة وعبدالهادي البياتي ويوسف عمر وناظم الغزالي وعبدالرحمن العزاوي وعبدالرحمن خضر وعبدالجبار العباسي وحمزة الســعداوي وغيرهم الكثير. ادركوا هذه الحقائق الفنية في الغناء المقامي وما وصل به سابقيهم من المغنين. وقد ذكرتُ مرّة في احدى محاضراتي، ان القبانجي ومن امثاله في المستوى، يصورون التطور التاريخي والتحولات الكبيرة في مسيرة موسيقى وغناء المقام العراقي،بوصفها تحولات الحياة العامة للناس، والحياة الشعبية للمجتمع. وهم يكشفون دائماً كيف تؤثر هذه التطورات والتحولات في الحياة اليومية. وعلى ذلك فإن الطابع الشعبي المقصود لهؤلاء المغنين الكبار. لا يكمن في تصوير خاص بالفئات الاجتماعية البسيطة دون غيرها من الفئات. ان هذا التفسير ضيقا..! وكأي فنان شعبي كبير. يهدف هؤلاء المغنين الكبار الى التعبير عن عواطف ومشاكل وشجون مجموع الشعبومجموع الحياة القومية والوطنية او الحياة العامة للمجتمع في تفاعلها المعقد بين مختلف الطبقات العليا والسفلى.
وفي مقام الرست العراقي مثلاً، يصور المطرب حسن خيوكة الذي ولد في حقبة التحول وعاش حقبة التجربة.يصور التفاعل الذوقي لعموم الشعب العراقي. وهو يوضح بجلاء هذه الوحدوية الممتزجة ذوقيا لكل فئات الشعب عند سماع مثل هذه التعابير المقامية الصادقة بإسلوب تاريخي حقيقي. وهو يذهب الىما هو ابعد من ذلك، حيث كانت مقاماته العراقية المسجلة بصوته من نتاجات المقامات التي اسميناها بـ(المقامات المصنوعة او المقام المصنوع) التي برزت في حقبة التجربة، واعني بذلك المقامات العراقية المعدة إعدادا غناسيقياًفنيّاً جديداً. ان كان ذلك من قِبلهِ او من قِبل احد اعضاء الفرقة الموسيقية ممن يمتلكون رؤية ذوقية مضافة. الا ان حسن خيوكة بوصفه احد ورثة الطرق الغنائية السابقة رغم ابداعاته المضافة.وبوصفه مغنيا متمكنا في الغناء المقامي. فانه يرى ويبيِّن بتجسيد واضح، كيف تنصهر اذواق مختلفة من فئات الشعب في خط عام من الذوق والمتعة..! وكيف اوضح بصراحة بأن الصدق في التعبير هو السبيل الارجح. وهو العامل المشترك لعموم الاذواق، وهو الفرصة العظيمة لضمان الوصول الى حالة التطور والوعي بفنوننا الغناسيقية. وبهذه الحالة يتكشف التفاعل الحقيقي بين الاعلى والادنى من ابناء الشعب الذين يؤلفون مجموع الحياة الشعبية.
ان صور الجمال والذوق للحياة الشعبية. ترسم تماما بذات الطريقة التي ترسم وتصاغ بها المقامات العراقية بنجاح في نواحيها الفنية والتعبيرية. ومن المسلَّم به ان مغني هذه المقامات هم الابطال الحقيقيون لقيادة نتاجاتهم المقامية الناجحة. حيث نرى بوضوح ان لمسات من هذا القبيل من التعابير. تظهر بوضوح بالغ مزج المغنين الكبار ما بين الروح الشعبية والتعبير عن العراقة التاريخية لمادة غنائهمالمقام العراقي.واليك عزيزي القارىء القصيدة الصوفية للشيخ علي سبط الصوفي الكبير عمر ابن الفارض التي يغنيها حسن خيوكة في مقام الرست بجمال خلاب وهذا مطلع القصيدة.
(نشرت في موكب العشاق اعلامــي/ وكان قبلي بُلي في الحب اعلامــي)
لدى المغنين الكبار يكون هذا النجاح ظاهرا دائما باسلوب حاذق. وهكذا تصبح نتاجاتهم المقامية على مستوى ادائي عال. ويبدو ان لسان حال اهدافهم في تصوير الازمات الذوقية والجمالية في حياة الشعب. هو اظهار الوجود الانساني الذي يكون مطلقا من عقاله في ممثليه المهمين من المغنين المقاميين من هذا النوع الشامل في امكانياتهم ومستوياتهم.ولا شك في ان تجربة الحرب العالمية الاولى ومن بعدها بعقدين الحرب العالمية الثانية. هما اللتان ساهمتا في ايقاظ عن وعي او غير وعي. هذا المستوى في الغناء المقامي التعبيري. خاصة المآسي التي راح ضحيتها الكثير من آبائنا واجدادنا ضحية"السفر بر"(هامش2)إلا أن هذه النجاحات في النتاجات المقامية في المكونات والمقومات الادائية، وان كانت الثورة العراقية ثورة العشرين. هي التي ساهمت بصورة كبيرة في انجازها. يبعثها الى الحياة مع ذلك، حب العراقيين المتمثل بالفنانين الغناسيقيين لتراثهم الغناسيقي المقامي العراقي والغناء الريفي والغناء البدوي وسائر فنون الاديان والقوميات والاقليات الاخرى.ضمن حدود بلدنا العراق. فصفات الرجولة والقوة والعزم والتفاؤل نراها تنبعث ايضا من عموم التعابير الغناسيقية في العراق.
والى حلقة اخرى ان شاء الله.
هوامش
1 – المكونات المقامية: نقصد بالمكونات المقامية، الشكل المقامي الخاص بالمقامات العراقية من اصول ادائية تاريخية خاصة بكل مقام عراقي على حدة.
2 – السفر بر: بالتركيةSeferberlikسفر برلك. وتعني النفير العام والتأهب للحرب، وهو فرمان أصدره السلطان العثماني محمد رشاد بتاريخ الثالث من آب/أغسطس 1914م، يعتبر كل شخص من مواليد ما بين(1869 ـ 1882) في أراضي الدولة العثمانية من المسلمين وغير المسلمين، مطلوباً للخدمة العسكرية. ويجب عليهم الالتحاق بشُعب تجنيدهم من تلقاء أنفسهم دون انتظارهم التبليغات..! ويحق للمواطنين العثمانيين غير المسلمين دفع(30 ليرة ذهبية) بدلاً مقابل الإعفاء من الخدمة العسكرية. فهو دعوة إلى الرجال الذين بلغت أعمارهم بين(15 حتى 45) سنة من رعايا الدولة العثمانية، ومن بينهم رعايا البلاد العربية إلى الإلتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية.
صورة واحدة / في شباط عام 1979. في كلاسكة العاصمة الاسكتلندية. يقف في اليمين حسين الاعظمي وابراهيم العبدالله ومائدة نزهت وعبد الجبار الدراجي والاستاذ عبد الله مرافق الوفد.


