مقالات وآراء
الانتخابات العراقية: الدوران في الحلقة الطائفية المفرغة مستمر// علاء اللامي
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 18 تشرين2/نوفمبر 2025 19:52
- كتب بواسطة: علاء اللامي
- الزيارات: 129
علاء اللامي
الانتخابات العراقية: الدوران في الحلقة الطائفية المفرغة مستمر
علاء اللامي*
وضعت الانتخابات التشريعية العراقية السادسة أوزارها قبل أيام قليلة. وأبانت الصناديق والأجهزة الإلكترونية عن نتائج متوقعة كثيراً من قبل أغلب المراقبين، ما يؤكد استمرار "العملية السياسية" التي بدأت بعد سنتين من احتلال العراق في الدوران في الحلقة المكوناتية المفرغة ذاتها التي صممها الاحتلال الأميركي، ولكنها أفرزت أيضاً بعض المستجدات الثانوية منها:
حسابات الحقل والبيدر
-زيادة الوزن الانتخابي لبعض الفصائل المسلحة الشيعية بقوة. فقد قفز محصول حركة "عصائب أهل الحق" وذراعها النيابي "كتلة صادقون" من 16 مقعدا إلى 28 مقعدا. أي أنه صار بثقل حزب قديم كحزب بارزاني "الديموقراطي الكردستاني" الذي حصل على 27 مقعدا، واقترب من نتائج تحالف نوري المالكي "دولة القانون" بتسعة وعشرين مقعدا. وحافظ حزب طالباني على قوته النيابية، كما حافظت الأحزاب والقوى الصغيرة الكردية على حجمها وهو ثلث ما حصل عليه المكون رغم حملات الاضطهاد والقمع الشديدين التي شنتها سلطات الحزبين العائليين في عموم الإقليم ضد المعارضة.
وقد ربط بعض المحللين بين هذه النتائج الجيدة لحركة الخزعلي بتصريحات هذا الأخير التصالحية مع الإدارة الأميركية قبل أيام قليلة ودعوته لفتح باب الاستثمار في الميدان النفطي العراقي لشركاتها. أمرٌ بدأت به فعلا حكومة السوداني المنصرفة قبل بضعة أسابيع، والتي أصبح تحالف رئيسها محمد السوداني "الإعمار والتنمية" الكتلة الأكبر داخل أحزاب الطائفة الشيعية بـ 46 مقعدا". فقبل الانتخابات الراهنة، وفي الثامن من تشرين الأول - أكتوبر الماضي أعلن السوداني عن توقيع عقود مبدئية من نوع "مشاركة في إنتاج والأرباح" مع شركة إكسون موبيل الأميركية لأول مرة في العراق. وكان هذا النوع من العقود النفطية مرفوضاً ويعتبر غير دستوري لأنه يتقاسم ثروات العراق مع جهات أجنبية، وهو أمر مخالف لمنطوق المادة 111 من الدستور العراقي التي تقول: "النفط والغاز ملك الشعب العراقي حصرا"، حيث دأبت الحكومات السابقة على توقيع عقود تسمى "عقود خدمات" مع تلك الشركات.
كما حصلت منظمة "بدر" بزعامة هادي العامري على مقعدين جديدين إضافيين فصار لديها 19 مقعدا. أما أحزاب مكون العرب السنة فقد ظل تحالف رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي واسمه "تقدم" القوة البرلمانية الأولى في هذا المكون والثاني على المستوى الوطني بستة وثلاثين مقعدا وخسر منافسه تحالف خميس الخنجر "عزم" مقعدين وبقي له تسعة مقاعد. وفشل في البقاء في المجلس النيابي أو بالعودة إليه عدد من الوجوه المعروفة كالدكتور سليم الجبوري رئيس المجلس الأسبق ومحمود المشهداني رئيسه الحالي وأسماء أخرى معروفة ومشهورة.
وقد مُنيَ الحزبان الكرديان الكبيران الاتحاد الوطني والديموقراطي الكردستاني في المحافظتين المختلطتين قومياً نينوى (خسر البارزاني فيها نصف مقاعده) وكركوك (فقد الحزبان فيها الغالبية النيابية). وكان أكبر الخاسرين ما سُمي التيار المدني الذي يقوده عدنان الزرفي (حامل الجنسية الأميركية والعضو في حزب ترامب الجمهوري)، ويشارك فيه الحزب الشيوعي حيث فشل هذا التحالف في إيصال أي من مرشحيه إلى مجلس النواب.
وبالمجمل حصلت التحالفات والقوائم الشيعية على 187 مقعدا، والسنية على 77 مقعدا، والكردية على 56 مقعدا، إضافة إلى 9 مقاعد للكوتا.
نسبة مشاركة مريبة
سُجل ارتفاع مفاجئ وغير معلل في نسبة المشاركة في هذه الانتخابات حيث بلغت في آخر أرقامها الرسمية 56% بعد أن كانت 42% في الانتخابات السابقة.
إن هذا الارتفاع في نسبة المشاركة مثير للارتياب والشك وقد يكون نتيجة للتلاعب قامت به القوى السياسية النافذة والمؤسسة للعملية السياسية. ما الدليل على ذلك؟
رغم مقاطعة أكبر أحزاب النظام - والمكون الشيعي معاً - أي التيار الصدري، والذي فاز بأكبر عدد من مقاعد مجلس النواب سنة 2021- وهو 72 مقعدا، وتمثل عشرين بالمئة من مجموع مقاعد المجلس البالغ 329 مقعد "؛ وعلى الرغم من فشل الحكومة الحالية في تنفيذ معظم فقرات برنامجها، وتفريطها بالعديد من الثوابت والمصالح الوطنية ومنها؛
-التفريط بالسيادة الوطنية على النهرين دجلة والفرات لمصلحة تركيا بموجب الاتفاقية المائية الجديدة التي لم تنص صراحة على ضمان حصة عراقية عادلة من مياههما وأوكلت إدارة المياه في العراق إلى دولة أجنبية هي تركيا.
-التفريط بخور عبد الله للكويت.
-تسليم نفط حقل "مجنون" الجنوبي، أكبر حقل نفطي في العالم باحتياطي يقدر بـ 58 مليار برميل من النفط الخام و38 تريليون قدم مكعبة من الغاز لعملاق النفط الأميركي إكسون موبيل.
-تسليم إدارة ميناء الفاو حتى قبل أن يكتمل إنشاؤه إلى شركات إماراتية قد لا تخلو من أصابع الكيان الصهيون.
ورغم الزيادة السكانية السنوية (1.2 مليون ومائتي ألف نسمة سنويا)، التي أضافت على الأقل مليوني ناخب جديد خلال أربع سنوات، فقد انخفض عدد الذين حدَّثوا بطاقاتهم الانتخابية من 22 مليون سنة 2021 إلى 20 مليون سنة 2025، وقفزت نسبة المشاركة من 42 إلى 56 بالمئة. فكيف حدث ذلك؟
وبخصوص نسبة المشاركة أيضا، نسجل الآتي: في جميع دول العالم التي تأخذ بالانتخابات التعددية، تؤخذ نسبة المشاركين في الانتخاب والتصويت من مجموع "من يحق لهم التصويت" إلا في عراق المحاصصة الطائفية، فهنا تؤخذ النسبة من أصل مجموع من حدثوا بطاقاتهم الانتخابية!
معنى ما تقدم، وحتى لو أخذنا بأرقام المفوضية الرسمية واعتبرناها صحيحة وهي ليست كذلك قطعا، فإن حياة ومستقبل 44 مليون عراقي سيتحكم فيها 12 مليون ناخب فقط شاركوا في التصويت. علماً أن هذا التحكم مفرَّغ من المحتوى، فالحكام الحالي لا علاقة لهم بالإرادة الشعبية ولا حتى بالبرلمان المنتخب الذي منحهم الشرعية بل هو يدار من خلال توافقات واتفاقات وصفقات تعقد في الحدائق والمزارع الخاصة بالرؤساء السابقين والحاليين.
مفوضية الانتخابات المستقلة ليست كذلك
يقول تعريف مفوضية انتخابات في العراق إنها "هيئة حكومية عراقية، مهنية، مستقلة، ومحايدة". أما عملياً فأن مجلس النواب وعبر اجتماعات خاصة لرؤساء الكتل النيابية الحزبية، هو الذي يشكل ويحدد مهام المفوضية ثم يطرح مشروع قانون خاص بها والمُقترَح أصلا كمسودة مشروع من قبل الحكومة المشكلة على أساس المحاصصة الطائفية أيضا، على التصويت العام في المجلس. يتم التصويت بعد أن تتوافق الكتل الكبرى على جميع تفاصيل مشروع القانون أو تعديل القانون النافذ وتشكيلات المفوضية وأسماء أعضاء مجلس أمنائها وهم تسعة أعضاء ترشحهم الكتل الكبيرة من المستقلين اسما والتابعين سرا أو ممالئين لهذه الكتل وفق النسب المكوناتية السائدة.
هذه الحصص والنِّسب والمحاصصة برمتها لا وجد لها في دستور النظام، رغم أنه دستور بالغ السوء. ولكنها تكرست وصارت عرفاً أقوى أحياناً من القانون الدستوري. وصار يؤخذ بهذه النسب في الصغيرة والكبيرة من تعيينات السفراء إلى المدراء والمدراء العامين والوزراء والرئاسات الثلاث وأعضاء مجلس القضاء الأعلى وأعضاء المحكمة الاتحادية. حتى قال أحد مسؤولي غير مازحٍ ذات مرة، إن المحاصصة الطائفية والحزبية تشمل كل المناصب في الدولة بدءا من بواب الوزارة والشايجي وصولاً إلى الرئاسات الثلاث!
إن سيطرة زاعمي تمثيل الطوائف وقد أحكموا سيطرتهم على مفوضية الانتخابات وتقاسموا حصصهم من المراقبين والوكلاء ومن التصويت الخاص أصبحوا يتحكمون فعلا وبدرجة كبيرة بنتائج الانتخابات. وما يقوله السيد مسعود بارزاني مستنكراً من أن الانتخابات محددة النتائج سلفا بسبب التلاعب صحيح تماما، ولكن لا يحق له التباكي والاستنكار الآن بعد أن خاض غمار ستة دورات الانتخابية طوال عقدين ولم يشكو أو يحتج أو يطالب بالتغيير والإصلاح. وربما نجد سبب شكواه في مكان آخر هو النتائج الضعيفة التي سجلها حزبه وحلفاؤه.
الحيتان السياسية تصادر مائة مقعد مقدما
ربما اعتبر البعض تصريح مسعود البارزاني عن أن الانتخابات الأخيرة حُددت نتائجها مقدما، وتصريح المرشح الشيوعي رائد فهمي، عن أن الأحزاب الكبرى ضمنت مقدما اقتسام مائة مقعد برلماني مقدما، نوعاً من تصريحات خاسرين لا يعول عليها. ولكن التدقيق في ما طرحه فهمي (قبل ظهور النتائج) وآخرون من أدلة وأرقام تجعلنا نفهم الدرجة المذهلة التي بلغها التزوير غير المباشر والتلاعب المباشر والمغلف بغشاء شرعي رقيق.
من الواضح ان المال السياسي لعب دورا مهما في شراء الأصوات كما يقول السيد فهمي ونتفق معه على ذلك وعلى إمكانية التزوير عبر التحكم والتلاعب بمحركات البحث (سيرفرات) التي تدير أجهزة الفرز وحساب الأصوات. أما بالنسبة لموضوع تدخل عامل السلاح فقد كان مبالغا فيه كثيراً إن لم يكن مختلقاً، وخصوصا من قبل المتحاملين على الفصائل المسلحة المناهضة للاحتلال الأميركي فقط وليس على جميع الفصائل المسلحة التي لا تخضع لإمرة القائد العام للقوات المسلحة العراقية كقوات البيشمركة الكردية. بالعودة إلى تصريحات مرشح اليسار رائد فهمي نجد أنه يعتقد أن الأحزاب الكبيرة والمتنفذة استطاعت أن تضمن 100 مقعد برلماني مقدماً، "أولا عندما وافقت المفوضية المستقلة للانتخابات على ترشيح مليوني مراقب انتخابي، هذا رقم رسمي، وهؤلاء مصوتين وهذا شكل من أشكال بيع الأصوات، ويضمنون ما يقرب من 40 الى 50 مقعداً برلمانياً".
ولا أدري إنْ كان المتحدث بالغ أو أخطأ سهواً في الرقم هنا، وهو المعروف برصانة معلوماته عموما، أم أن لديه مصدراً خاصا لهذه المعلومة لم أتوصل إليه. لقد بحثت عن عدد المراقبين في موقع المفوضية وخارجه فلم أجد إلا تصريحا للسيدة جمانة الغلاي المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق. قالت السيدة "سيشارك أكثر من 1500 مراقب دولي، فضلا عن قرابة 150 ألف مراقب محلي، في مراقبة الاقتراع، إلى جانب نحو نصف مليون مراقب، من وكلاء الأحزاب السياسية المختلفة المتنافسة". أي أن مجموع المراقبين المحلين هو 650 ألف مراقب ووكيل حزبي كلهم يصوتون تلقائيا لأحزابهم التي عينتهم كمراقبين ووكلاء هم ومَن يستطيعون اقناعهم معهم. ويبقى الرقم كبيرا وخصوصا في حالات ضعف إقبال الناخبين. والراجح عندي أن عدد المراقبين قد يصل إلى مليون مراقب ووكيل حزبي.
ويتابع المتحدث فيقول "ثانياً، هناك التصويت الخاص الذي يضمن للأحزاب الكبيرة أكثر من 50 مقعداً وهذا يعني ان الاحزاب المتنفذة ضمنت، قبل فرز الاصوات وظهور النتائج أكثر من 100 مقعد، وهذه أساليب ظاهرياً تعتبر شرعية وأمنت لهم شبكة ضمان لمستوى معين جعلتهم ليسوا بحاجة الى التزوير والتلاعب بنتائج التصويت".
والتصويت الخاص يشترك فيه عادة أفراد الجيش والشرطة وغالبيتهم الساحقة من المدمجين الحزبيين أو من الحزبيين والموالين يصل عديدهم إلى مليون وثلاثمائة ألف صوت وفاقت نسبة التصويت عندهم الثمانين بالمئة.
سانت ليغو بأنياب طائفية
تُعرف آلية "سانت ليغو" بأنها إحدى طرق توزيع المقاعد على القوائم الانتخابية المتنافسة. ابتكرت هذه الآلية سنة 1912 من قبل عالم الرياضيات الفرنسي أندريه سانت ليغو، وبدأ تطبيقها في خمسينات القرن الماضي في النرويج والسويد ولكنها لم تطبق قط في الانتخابات الفرنسية.
أصرَّ واضعو قانون الانتخابات العراقي على أن تكون وفق طريقة حساب سانت ليغو المعدَّلة، أي وفق نسبة واحد فاصلة سبعة، والتي لا تأخذ بها أي دولة في العالم، بدلا من واحد فاصلة صفر كما هي الحالة الأصل، أو حتى واحد فاصلة أربعة كما هي الحال في نيوزيلندا والنرويج والسويد وقد أخذ بها في العراق في الانتخابات ما قبل الأخيرة ثم رفعت النسبة إلى واحد فاصلة سبعة لقطع الطريق نهائيا على أي قوى مستقلة صغيرة، وتكبير حصة الأحزاب الكبيرة وإهدار المزيد من أصوات الناخبين. وبقليل من التدقيق وبتقسيم نتائج الانتخابات التي حازتها كل قائمة انتخابية على العامل واحد ثم على العامل واحد فاصل سبعة ومقارنة الفرق بينهما نفهم بيسر لماذا ربحت الأحزاب الكبيرة وخسرت القوائم الصغيرة والشخصيات المستقلة، وكم هي الأصوات التي ذهبت هباء بنتيجتها، وكيف - على سبيل المثال لا الحصر – فشل المرشح رائد المالكي في الحصول على مقعد برلماني رغم أنه حصل على أكثر من 12 ألف صوت في حين فازت مرشحة حزبية هي حنان الفتلاوي بمقعد نيابي مع انها حصلت على سبعة الاف صوت.
يبدو أن أهل الحكم قرروا أن يشطبوا على هذا "الترف" الديموقراطي البسيط برفع عامل التقسيم إلى (1.7) فأسقطوا المنافسين صغار حجم وبقيت الحيتان لوحدها في حوض السباحة الأميركي.
خلاصة
إنَّ المنظومة الحاكمة في العراق، قد استقر بها المقام على هذه الآليات والقوانين الانتخابية التي تطيل من عمرها وتضمن لها ممارسة هيمنتها على الحكم. وهذا يعني في ما يعني ترسيخ الطائفية السياسية والتبعية للخارج -الغربي قبل غيره – وأن العراق كلما ترسخ الطائفية السياسية فيه اقتراب أكثر من هاوية التقسيم الكياني إلى دويلات طائفية قائمة فعلا على الأرض ولا ينقصها سوى تبادل الاعترافات، ومن ثم التلاشي الحضاري للعراق التاريخي. إن الخيار الممكن والوحيد أمام القوى الاستقلالية والتقدمية في طليعتها الاشتراكيون الثوريون الحقيقيون مواصلة العمل والكفاح الشعبي السلمي واسع النطاق من أجل تفكيك منظومة الحكم الطائفية التوافقية الرجعية المحمية من قبل الأجنبي وإعادة كتابة الدستور المكوناتي لإنقاذ العراق وشعبه من براثن التردي والتقسيم والنهب المنهجي لثرواته.
*كاتب عراقي


