اخر الاخبار:
بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل - الأحد, 02 تشرين2/نوفمبر 2025 11:14
سامراء.. القبض على الإرهابي "أبو إخلاص" - الخميس, 30 تشرين1/أكتوير 2025 20:34
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

ماذا لو توقفتُ عن الكتابة؟// رانية مرجية

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

رانية مرجية

 

للذهاب الى صفحة الكاتبة 

ماذا لو توقفتُ عن الكتابة؟

رانية مرجية

 

ماذا لو استيقظتُ ذات صباحٍ، ولم أجد في أصابعي تلك الرغبة المجنونة في ترجمة الصراخ إلى كلمات؟

ماذا لو انكسرت اللغة داخلي كما تنكسر المرآة حين تملّ من وجهي؟

هل سأصمت؟ أم سأتحول إلى ظلٍّ آخر في هذا العالم الصاخب، يمرّ دون أن يترك أثرًا، كما يمرّ العابر في جنازته؟

 

الكتابة كقدر

الكتابة ليست مهنة كما يظنّ البعض، ولا هي هواية تُمارس حين يتّسع الوقت، بل هي قدر من لا يملكون ترف الصمت.

هي النجاة الوحيدة في زمنٍ تتكاثر فيه الخيبات كالفطر بعد المطر.

أكتب لأنني لا أستطيع أن أتنفّس دون الورق، ولأن العالم يزداد قبحًا حين أُغمض قلمي.

أكتب لأحمي نفسي من الجنون، من اليأس، من التواطؤ، من الصمت الذي يبتلعنا كما يبتلع البحر صياديه.

 

الكتابة ليست فعلًا، بل حالة نجاةٍ متكرّرة، تُعيدني إلى إنسانيتي كلّما حاول الواقع أن يسلبها مني.

وحين أقول “ماذا لو توقفتُ عن الكتابة؟”، فإنني في الحقيقة أقول: “ماذا لو توقفتُ عن الحياة؟”

 

الكتابة وطنٌ من الكلمات

وحدها الكتابة من منحتني وطنًا حين سُرق الوطن، وصوتًا حين خُنق الصوت، ووجهًا حين غابت الملامح.

في الكتابة لا أحتاج جواز سفرٍ ولا تأشيرة، يكفيني أن أُغلق الباب وأُشعل شمعة، لأعبر إلى مدنٍ من ضوءٍ وحبر.

هناك، ألتقي من أحببتهم وماتوا دون وداع،

أحادث أطفالي الذين لم يولدوا بعد،

وأعاتب الله على قسوته، ثم أستغفره لأنني أحبّه رغم ذلك.

 

في الكتابة، كلّ شيءٍ مسموح، حتى الحلم.

هي المساحة الوحيدة التي لا يحتلّها أحد، ولا يفرض فيها الاحتلال رقابته، ولا تفرض فيها القبيلة وصايتها.

لهذا، فإن التوقف عن الكتابة سيكون بمثابة إعلان نفيٍ ذاتيّ، نفي من اللغة، من الذاكرة، من الوجود.

 

الكتابة كجريمة نبيلة

يخاف البعض من الكُتّاب، لأنهم يعرفون أن الكاتب الحقيقي لا يكتب ليُرضي، بل ليُربك.

أنا لا أكتب لتجميل القبح، بل لأكشفه.

ولا أكتب لأكون مقبولة، بل لأكون صادقة.

الكتابة في عالمٍ كهذا ليست هواية، بل فعل مقاومةٍ سرّيّ ضدّ القمع والبلادة والاعتياد.

كل نصّ أكتبه هو طلقة رمزية في وجه الظلم، وقبلة خجولة على جبين الحرية.

لذلك، فإن توقف الكاتب الحقيقي عن الكتابة ليس راحةً، بل خيانةٌ للذين ما زالوا ينتظرون من يقول الحقيقة.

 

من يكتب من؟

أحيانًا أشعر أنني لا أكتب النص، بل هو الذي يكتبني.

الورق يعرفني أكثر مما يعرفني البشر.

حين أكتب، لا أكون رانية مرجية الصحفية أو الكاتبة أو المرأة — أكون امرأة من لحمٍ وكلمات، تخلع قلبها على السطر دون أن تخاف من النزيف.

كل جملة هي جرح، وكل نقطة دمعة، وكل نصّ محاولة فاشلة لترميم ما انكسر في الداخل.

 

ماذا لو توقفتُ فعلًا؟

سيقولون:

«لقد تعبت.»

«لقد قالت كل ما لديها.»

لكن الحقيقة أن الكاتب لا يتعب من الكتابة، بل من العالم الذي لا يتغير رغم كل ما كتبناه.

ومع ذلك، سأكتب.

سأكتب حتى آخر نفس، لأن الكتابة — رغم قسوتها — هي الوحيدة التي لم تخذلني.

حين يخذلني الحبّ، أكتب.

حين يخونني الوطن، أكتب.

حين أنظر في المرآة ولا أعرف وجهي، أكتب لأعيده من الحبر.

 

خاتمة: لأن الصمت موت آخر

ماذا لو توقفتُ عن الكتابة؟

سأموت، لكن ببطءٍ أكثر لؤمًا.

سأعيش جسدًا بلا روح، وقلبًا بلا نغمة.

الكتابة ليست فعلًا اختياريًا، إنها قدر من يملكون حساسية تجاه الصمت.

هي الحبل الذي يربطني بالحياة، وهي الدليل الوحيد على أنني — رغم كل شيء — ما زلتُ قادرة على الحلم.

 

لهذا، لن أتوقف.

سأكتب حتى يملّ القلم منّي، وحتى يقول الورق:

«كفى يا رانية، لقد قلتِ ما يكفي لتذكّري العالم أنه ما زال فيه من يحلم بالكلمة.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.