اخر الاخبار:
بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل - الأحد, 02 تشرين2/نوفمبر 2025 11:14
سامراء.. القبض على الإرهابي "أبو إخلاص" - الخميس, 30 تشرين1/أكتوير 2025 20:34
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي// محمد علي محيي الدين

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

محمد علي محيي الدين

 

للذهاب الى صفحة الكاتب 

سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي

محمد علي محيي الدين

 

في مدينةٍ تحتشد بتاريخها بين ضفاف الفرات وظلال النخيل، وُلد سعد خليل إبراهيم الحيدري الكبيسي سنة 1974، في محلة الشيوخ من قضاء المسيب، ليكون ابنًا وفيًّا للمدينة، لا يني عن استحضار ملامحها وتوثيق تفاصيلها، حتى غدت كتاباته بمثابة سجل وجداني لذاكرة جماعية تكاد تُنسى لولا انشغاله الحميم بها.

 

 لم يكن الكبيسي كاتبًا اعتياديًا يبحث عن المجد في عناوين الصحف الكبرى، بل انهمك في بناء مجده الخاص بين الأزقة القديمة، والمقاهي الشعبية، وصفحات الكتب التي ينشرها بجهد ذاتي، وإيمان لا يتزعزع بأهمية الكلمة التي تخرج من رحم المكان.

 

مارس الكتابة مبكرًا، وجعل من الصحف والمجلات منبرًا لنشر رؤاه وأفكاره، لكنه لم يكتفِ بذلك، فأسس كيانات ثقافية وأدبية، كان لها الأثر الأكبر في تحريك الساكن في الحياة الثقافية في المسيب. أبتدأ بالعمل من "المنتدى الأدبي" إلى "التجمع الثقافي والأدبي"، ومن إصدار أول جريدة بعد عام 2003 إلى تأسيس مكتب ثقافي ومعرض كتاب دائم، ظل الكبيسي يضع حجرًا فوق آخر في صرحٍ ثقافي يريد له أن يكون شامخًا ومستمرًا.

 

الكاتب الذي يسكنه التاريخ

ما يُميز الكبيسي هو ذلك الولع بالتاريخ المحلي، ورغبته الجامحة في إنقاذه من النسيان. لم يكن هذا التاريخ بالنسبة له مجرد وقائع، بل أرواح تسكن الأماكن، وأسماء تستحق الخلود. لذا جاءت مؤلفاته مثل: شهداء مدينة المسيب، والمسيب: أحداثها ووقائعها، وتربويون في الذاكرة، وقضاء المسيب في الوثائق العثمانية، كأعمال توثيقية ترتقي إلى مصاف الأدب الشعبي، لأنها مشغولة بالتفاصيل الصغيرة التي تصنع ملامح الإنسان والمكان معًا.

 

كما لم يُخفِ الكبيسي إعجابه بالأدباء والشعراء الذين سبقوه، فكتب عنهم بإجلال وتقدير، كما في شاعر الفراشات: توفيق حنون المعموري، وقبسات من أشعار أحمد زكي الأنبارِي، وكأنّه يسعى إلى صون إرثهم وإعادة تقديمه للأجيال. ولعل هذا الحس التوثيقي، مقرونًا بذائقة أدبية تتجه نحو الجمال الحيّ، هو ما جعل من سعد الكبيسي كاتبًا فريدًا في مجاله.

 

رأي النقّاد: أديب التفاصيل الصغيرة وراوي المكان

يرى النقاد أن سعد إبراهيم الكبيسي يمثل نموذجًا للأديب الملتصق بجذوره، لا يكتب من برجٍ عاجي، بل من قلب مجتمعه، ومن ذاكرة الشارع والمقهى والمدرسة والبيت الطيني. إنه "راوي المكان"، كما وصفه بعض الأدباء الذين تابعوا تجربته، لأنه استطاع أن يصنع من قضاء المسيب فضاءً سرديًا يستحق التأمل والقراءة.

 

ويذهب بعض النقاد إلى أن الكبيسي قدّم مساهمة فريدة في "أدب الهوية المحلية"، إذ أنه يكتب عن بيئته لا بوصفه مؤرخًا فحسب، بل بوصفه شاهدًا، وشاعرًا، ومحبًّا، وهذا ما يُكسب نصوصه نكهةً خاصة لا تتوفر في الكتابات المؤرشفة الجافة.

 

كما يشيد آخرون بمبادرته في جمع ونشر أعمال كتاب آخرين، ما يدل على نكران الذات وإيثار نادر في الوسط الثقافي، حيث تطغى النزعة الفردية. لقد طبع وحرر أعمال غيره، وتبنّى طباعة كتب لأصدقاء وأدباء راحلين، إيمانًا منه بأن خدمة الثقافة لا تتوقف عند حدود الذات.

 

كتابات لا تعرف السكون

تنوّعت مؤلفات الكبيسي بين التاريخ والشعر والقصة والمقال، من هواجس شقاء الغابة إلى المقتضب في معرفة الأدب، ومن ديوان شعري مطبوع إلى كتاب قصصي مخطوط، لتكشف عن عقلٍ خصب لا يتوقف عند حقل معرفي واحد، بل يغوص في أكثر من مجال. وفي كل تلك الحقول، لا يزال الكبيسي وفيًا لحسّه المحلي، فهو يكتب من المسيب، ولها، ويبدو أن هذه البلدة الصغيرة قد كافأته بمكانة راسخة في وجدان أبنائها، وباعترافات رسمية من اتحادات الأدباء والبيوت الثقافية والمؤسسات الأكاديمية التي منحته عشرات الدروع وشهادات التقدير.

 

حجرٌ صغير في جدار الثقافة.. لكنه ثابت

قد لا يكون اسم سعد إبراهيم الكبيسي متداولًا على نطاق واسع في المحافل الكبرى، لكنه بالنسبة إلى مدينته وأدبها، علامة مضيئة. إنه أشبه بحجر صغير في جدار الثقافة العراقية، لكنه حجر ثابت، لا تزحزحه ريح العولمة، ولا تهمشه ضوضاء المدينة الكبرى. إنه الكاتب الذي آمن أن الحكايات الصغيرة تستحق أن تُروى، وأن للأماكن المنسية أصواتًا يجب أن تُكتب. ومن هذا الإيمان، يواصل رحلته في الكتابة، كما يواصل النهر مسيره، دون أن يفقد صبره أو حلمه.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.