مقالات وآراء
تقديم وتصحيح: آدم بوبل: شاب مغربي يجمع بين التميّز الأكاديمي والالتزام المجتمعي// عبدالحق الريكي
- تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 30 تشرين2/نوفمبر 2025 18:37
- كتب بواسطة: عبدالحق الريكي
- الزيارات: 524
عبدالحق الريكي
تقديم وتصحيح:
آدم بوبل: شاب مغربي يجمع بين التميّز الأكاديمي والالتزام المجتمعي
عبدالحق الريكي
إحياء فكر المهدي بن بركة: واجب الذاكرة
الجزء الأول
بقلم :آدم بوبل
28 أكتوبر 2021
يُشكّل يوم التاسع والعشرين من أكتوبر، في كل سنة، مصدرًا للحزن والكآبة والمرارة والغضب بالنسبة لليسار المغربي.
ففي هذا التاريخ، اختُطف واختفى المهدي بن بركة سنة 1965 في باريس، كما اختُطف الحسين المانوزي سنة 1972 في تونس.
لم تُكشف الحقيقة في القضيتين إلى اليوم، وما زالت الأنظمة المغربية والفرنسية (في قضية بن بركة) والتونسية (في قضية المانوزي) ترفض نشر الوثائق أو رفع السرية عن الملفات المرتبطة بهاتين القضيتين السياسيتين.
وفي هذا اليوم، 29 أكتوبر 2021، بعد مرور ستة وخمسين عامًا على اختطاف المهدي بن بركة وإجهاض مشاريعه التحررية الكبرى، سواء على الصعيد الوطني أو على مستوى العالم الثالث، وتسعةٍ وأربعين عامًا على اختطاف الحسين المانوزي، أحد النشطاء البارزين في الحركة النقابية المغربية والعربية في بلجيكا وهولندا وليبيا، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نتمسك بالحقيقة، تلك القضية النادرة التي ما زالت توحّد صفوف اليسار المغربي.
من أجل بن بركة، ومن أجل المانوزي، ومن أجل عائلتيهما أولًا، ثم من أجل الشعب التقدّمي بأسره.
لم تتوقف العائلات عن المطالبة بالعدالة، ولكن دون جدوى. فـ«منطق الدولة» ظلّ دائمًا هو الغالب.
وفي هذه الذكرى، أودّ أن أتناول فكر المهدي بن بركة. فكلّما تعمّقنا في قراءة هذا الرجل، أدركنا أكثر حجم التهديد الذي مثّله بالنسبة للحكم الفردي والإقطاعي، الذين كانوا الداعمين الأوائل للنظام وللاستعمار الجديد.
قررتُ أن لا أتحدث عن تفاصيل اختطافه لسببين:
أولًا، لأنني مجرّد متفرّج على هذه القضية ولستُ طرفًا فيها، والوحيدون الذين يملكون الحقّ والمعرفة الكاملة للحديث عنها هم عائلة بن بركة ومحاميها الأستاذ موريس بوتان وآخرون.
ثانيًا، لأنّ قضية بن بركة قد تناولها الأستاذ موريس بوتان في كتابه المفصّل «الحسن الثاني – ديغول – بن بركة: ما أعرفه عنهم» الصادر عام 2010 والمعاد طبعه سنة 2015، إضافة إلى عدة مقالات وحوارات، آخرها بعنوان «احتقار السلطة» المنشور في موقع ميديا بارت بتاريخ 28 يونيو 2020.
إنّ هذا النصّ الذي أقدّمه سيكون مقسّمًا إلى خمس فقرات، كلّ فقرة تتناول فكرة من الأفكار الأساسية لزعيم المعارضة المغربية.
ويجب أن نعلم أنه لا شيء يُغني عن قراءة المهدي بن بركة نفسه لفهم فكره، إذ إنّ عملي هذا ليس سوى جهدٍ تبسيطيٍّ وتنويريّ يهدف إلى نشر أفكاره التقدّمية، المساواتية، الاشتراكية، والأممية.
وللتعمق أكثر في فكره، يمكن الرجوع إلى كتاب «المهدي بن بركة: مجموعة نصوص» الذي قدّمه بشير بن بركة عام 2013.
وإذا كان جسد المهدي بن بركة قد اختفى، فإنّ فكره لا يجب أن يختفي.
وإذا كانت هناك تصفية جسدية، فلا ينبغي أن تكون هناك تصفية فكرية.
إنّ إحياء فكره واجب من واجبات الذاكرة الوطنية.
1. بناء المغرب الجديد
إنّ بناء مغرب جديد، أو ما سمّاه المهدي بن بركة بـ«المجتمع الجديد»، يشكّل – في نظري – العمود الفقري لمشروعه الفكري والسياسي.
فبعد الاستقلال سنة 1956، وجد المغرب نفسه أمام واقعٍ معقّد يتمثّل في عبء إرثين:
- «الأول يمكن أن نسمّيه الإرث الاستعماري، والثاني – وهو غالبًا متأثر بالأول وأهمّ منه – إرث الجمود والعزلة، الأمر الذي جعل المغرب متأخرًا بما يقارب ثلاثة قرون في مجالات الاقتصاد والتقنية والمؤسسات.»
ولذلك لم يكن من الممكن أن نبقى أوفياء لعاداتنا السيئة المتمثلة في الجمود والاعتداد الفارغ بالنفس.
لكن، لماذا مغرب جديد؟ ولماذا مجتمع جديد؟
- «لكي نُمكّن الإنسان من أن يتفتّح ويتمتع بالمكاسب العلمية والتقنية التي ساهم أجدادنا أنفسهم في تطويرها، وأن نقضي على كلّ أشكال الاستغلال.»
فالمطلوب ليس إنهاء الاستغلال الناتج عن فترة الحماية فحسب، بل أيضًا الاستغلال الداخلي، أي استغلال الإنسان المغربي لأخيه الإنسان المغربي.
ويرى بن بركة أن هذا التأخر يعود أيضًا إلى حرص المغاربة التاريخي على الحفاظ على استقلالهم، إذ يقول:
«إنّ الأسوار التي شيّدناها ضد الغزو منذ العهد السعدي كانت في الوقت نفسه أسوارًا منعت العلم من الدخول إلينا.»
فكيف يمكن إذًا بناء هذا المجتمع الجديد؟
لقد وضع بن بركة معالم هذا المشروع منذ يونيو 1958 في تطوان، أمام أطر حزب الاستقلال، حيث قدّم رؤيته العملية للإصلاح والبناء.
إحياء فكر المهدي بن بركة: واجب الذاكرة
الجزء الثاني
بقلم : آدم بوبل
28 أكتوبر 2021
ـ الدستور والديمقراطية
إنّ الدستور يسير جنبًا إلى جنب مع الديمقراطية، فالأول يضمن الثانية، والثانية تفترض وجود الأول.
لكن عن أي ديمقراطية نتحدث؟ وعن أي دستور؟
يرى المهدي بن بركة أنّ
> «الديمقراطية ليست لافتة نعلّقها للزينة أمام السياح، بل هي واقع يجب أن يتيح لكل فرد فرص التقدّم الفعلية.»
أما الدستور، فلا يمكن اعتباره دستورًا حقيقيًا إلا إذا
> «ضمن الحريات العامة وجعلها قابلة للتطبيق من خلال مراقبة السلطة ومحاسبتها، ومنع التأثيرات الأجنبية من التدخّل في شؤون وطننا.»
ولكي يتحقق مسار دمقرطة البلاد، لا بدّ من إصلاحات عميقة — اقتصادية ومؤسساتية واجتماعية وثقافية — وليس مجرد تعديل للدستور يتم بعيدًا عن ممثلي الجماهير الشعبية الحقيقيين.
إنّ الديمقراطية، في نظر بن بركة، هي أيضًا البحث عن الجهات الحقيقية التي تملك السلطة العامة، بهدف تحديد المسؤوليات السياسية لكل فاعل.
> «إنّ ما يهمّ في الدستور، هو تحديد السلطات والمسؤوليات أمام الشعب، وإقامة مؤسسات حقيقية تعبّر عنه.»
ولا يمكن أن تضمن ذلك إلا جمعية تأسيسية منتخبة.
لقد عاش المهدي بن بركة تجربة دستورية واحدة عن قرب، هي دستور 7 ديسمبر 1962.
فبعد صدور الظهير المؤرخ في 4 نوفمبر 1962 المتعلق بتنظيم الاستفتاء، أصدر الأمانة العامة لـ الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 7 نوفمبر 1962 بيانًا ناريًا، احتجاجًا على تحديد فترة التسجيل في اللوائح الانتخابية في أسبوع واحد فقط، دون إعلان رسمي لتاريخ الاستفتاء أو نشر نص الدستور المقترح.
وفي اجتماع اللجنة المركزية بتاريخ 15 نوفمبر 1962، قرّر الحزب مقاطعة الاستفتاء، أي قبل نشره بثلاثة أيام.
وقد عكست هذه الخطوة تمسّك قادة الحزب — وفي مقدمتهم المهدي بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري — بضرورة احترام شكل ومنهج صياغة الدستور.
لكن الأمر لم يكن شكليًا فحسب؛ إذ إنّ مضمون الدستور نفسه كان قد كُتب من قبل ممثلين عن المصالح الاستعمارية في المغرب، وكان يكرّس السلطة الفردية وامتيازات الإقطاع.
وقد استندت أطروحة المعارضين على ضرورة انتخاب جمعية تأسيسية، وهو المطلب الذي تبنّاه كلّ من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وذراعه النقابي الاتحاد المغربي للشغل (
يقول بول شمبرجورا Paul Chambergeratفي هذا السياق:
> «يبدو أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الاتجاهات المختلفة في حال قرر الملك عرض مشروع دستور أعدّه بنفسه مباشرة على الاستفتاء، كما وعد بذلك سابقًا.»
ويضيف شمبرجورا
> «كان بعض السياسيين مستعدّين للتخلّي، في الوقت المناسب، عن مطلب الجمعية التأسيسية المنتخبة إذا دُعي الحزب إلى المشاركة في الحكومة وحصل على ضمانات محددة بخصوص مضمون الدستور. ويمكن إدراج بن بركة ضمن هذه الفئة.
أمّا الاتجاه الآخر، فكان يدعو إلى معارضة منهجية. وكان من بين أعضائه بعض عناصر المقاومة، وعلى رأسهم الفقيه البصري، إضافة إلى وزير المالية الأسبق في حكومة إبراهيم، عبد الرحيم بوعبيد، الذين كانوا يؤيّدون هذا الموقف المعارض.»
وقد انتهت قيادة بن بركة لهذه المرحلة الحاسمة يوم 16 نوفمبر 1962، إثر محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في الطريق الرابطة بين الرباط والدار البيضاء.
تقديم وتصحيح: عبدالحق الريكي
آدم بوبل: شاب مغربي يجمع بين التميّز الأكاديمي والالتزام المجتمعي
في الثالثة والعشرين من عمره فقط، يبرز آدم بوبل كأحد الوجوه الواعدة لجيل جديد من الشباب المغربي الواعي، الذي يجمع بين المعرفة، والوعي السياسي، والانفتاح على العالم.
وُلد في المغرب وبدأ مسيرته الجامعية في كلية الحقوق أكدال بالرباط، حيث اختار التخصص في القانون باللغة الفرنسية.
عرفته في تلك المرحلة: أنا، رجل متقاعد شغوف بالعلم، وهو شاب حديث التخرج من الثانوية بشعبة العلوم، يجلس لأول مرة على مقاعد الجامعة.
ورغم رغبة والدته في أن يتجه نحو دراسة الطب أو التحاقه بإحدى المدارس الخاصة المرموقة، فقد اختار آدم بوعيٍ وإصرار الجامعة العمومية، مؤمناً بأن الكفاءة والاجتهاد خيرٌ من الامتيازات والمظاهر.
وكان خياره صائباً: فقد نال جائزة التميّز وتصدّر الرتبة الأولى في شعبتين، العربية والفرنسية.
هذا التفوق مكّنه من الحصول على منحة دراسية فرنسية لمتابعة دراسات الماستر في جامعة مرموقة بباريس، ثم من منحة أوروبية أخرى أتاحت له الالتحاق بـمدرسة عليا بمدينة بروج البلجيكية المرتبطة بـالمجتمع الأوروبي.
واليوم، يواصل دراسته في سلك الدكتوراه في إحدى الجامعات الفرنسية المرموقة، بفضل منحة فرنسية جديدة.
لكن مسيرة آدم لا تتوقف عند النجاح الأكاديمي، إذ يُعد أيضاً فاعلاً فكرياً ومجتمعياً بارزاً.
يكتب بانتظام مقالات فكرية وسياسية، من بينها دراسات وتحليلات حول شخصية المهدي بن بركة، أحد أبرز رموز اليسار المغربي، مقدّماً رؤى نقدية عميقة تفوق سنّه.
كما يساهم بفعالية في مدوّنة "ميديابارت" الفرنسية، حيث ينشر مقالات وتحليلات فكرية حول القضايا الديمقراطية الراهنة.
وعلى الصعيد النضالي، يُعتبر آدم من قيادات حركة "جيل Z 212" في باريس، وهي منصة شبابية مغربية تدافع عن قيم التقدّم والعدالة الاجتماعية وحرية التعبير.
إلى جانب ذلك، يلعب دوراً أساسياً داخل شبيبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في باريس، حيث يُعد من الأصوات الصاعدة لليسار المغربي في المهجر.
إن آدم بوبل، الطالب المجتهد والمفكر والمناضل، يجسّد جيلاً من الشباب المغربي الذي يرفض الاستسلام للواقع، ويسعى لبناء مستقبل أكثر عدلاً وكرامة.
فبين باريس والرباط وبروج، يواصل مسيرته بثبات، مؤمناً بأن العلم لا قيمة له إلا إذا أنار طريق الفعل.
ويُذكر أن جدَّه من جهة الأب كان من رفاق المهدي بن بركة، في حين أن والدته تمتهن المحاماة بهيئة الرباط، وكانت في السابق نائبة برلمانية وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
ومن الجدير بالذكر أن هذا المقال كتبه آدم بوبل سنة 2021، أي خلال سنته الأخيرة في الإجازة، ويُنشر اليوم مترجماً للمرة الأولى، لما يحمله من رؤية ناضجة وأفكار مفيدة.


