مقالات وآراء
الرِّحلةِ الرائدةِ للعراقيِّ الموصليِّ المسيحيِّ الكلدانيِّ القس إلياس حنا، -ح7// عبد يونس لافي
- تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 02 كانون1/ديسمبر 2025 11:16
- كتب بواسطة: عبد يونس لافي
- الزيارات: 300
عبد يونس لافي
الرِّحلةِ الرائدةِ للعراقيِّ الموصليِّ المسيحيِّ الكلدانيِّ القس إلياس حنا،
من بغداد الى أمريكا قبل اكثر من 350 سنة)- الحلقة السابعة
عبد يونس لافي
بعد ثمانيةِ أيّامٍ، غادر إلياسُ بَرَّا الى مدينة مكسيكو (Mexico City)، ثمَّ عِبْرَ خليج فونسيكا (Fonseca) في زورق، ومر بالقرى الهندية الى سان سلڤادور (San Salvador). من سان سلڤادور ذهب الى گواتيمالا (Guatemala) ، ثم چياپاس (Chiapas) في المكسيك (Mexico)، ثم ذهب الى اواكساكا (Oaxaca)، حيث اشترى كميةً كبيرةً من القِرمز (cochineal)، وهو صبغةٌ حمراءُ مصنوعةٌ من الحشرات.
أخيرًا وصل الى مدينة مكسيكو، لكنه مَرِض لعشرةِ أيّامٍ نتيجةَ الإرهاق الذي عاناهُ من السفر الطويل عِبْرَ امريكا الوسطى. وبعد ان شُفِيَ، اسْتأجرَ بيتًا في مدينة مكسيكو وأثَّثه، واشْترى بغلةً وبدأ يزور الوالي كلَّ مساءٍ لساعتين.
بِزِيِّهِ الغريب، مرتديًا ثوبَ الكهنة، والعمامة على رأسه، أثار ضجَّةً في المدينة لذلك الزِّيِّ الذي لم يألفوه. مكث إلياس في مدينة مكسيكو مدةَ ستةِ اشهرٍ، في نهايتها هجم قراصنةٌ على ميناء ڤيرَكروز (Veracruz) حيثُ احْتُلَّتِ المدينة، وأُريقتْ دماءٌ كثيرة، وسُرِقت اموالٌ بلغت 8 ملايين قطعةٍ من ثمانية، امّا خسارةُ إلياس فقد كانت ما كان يملكه من قرمز، والتي تُقَدَّر قيمتُها بِ 1000 قطعةٍ من ثمانية. لقد وصف إلياسُ غزوَ ميناءِ ڤيرَكروز، اجملَ وصفٍ وكان من اكثر المواقف تصويرًا في رحلاته.
بعد هذا العديدِ من الرحلات التي أجْهَدَتْهُ كثيرًا، راح إلياس يفكر في العودة الى بغداد. وضع في فكره ان يغادر من مدينة أكاپولكو (Acapulco) المكسيكية، مستقلًا سفينةً من سفن مانيلا (Manila)، ويتحه غربًا الى الفلپين (Philippines)، ثم الى سورت (Surat) في غرب الهند بواسطة سفينة ارمينية من مانيلا، ومن سورت يتوجه الى بغداد.
كانت هذه خطته الاولية، لكنه الغاها وقرَّر ان يولِّيَ وجهَه شرقًا نحو إسبانيا. ابحر اولًا الى كوبا من ميناء ڤيرَكروز في الثاني عشر من نيسان عام 1685. كان عليه الانتظار في كوبا مدةَ اربعةِ اشهرٍ ونصفِ الشهر لكي يستقلَّ سفينةً الى إسبانيا من كراكاس (Caracas)، وقد اخذ معه هديةً الى الحاكم هناك.
يقول دخلنا ميناء قادس (Cádiz) ومررنا بسلامٍ بين رجال الحرب المكلفين من قبل الملك الفرنسي، يقابلهم رجال الحرب المكلفين من قبل ملك اسبانيا. عند مرورنا سلمنا، تحت صخب مدافع الطرفين، على الرجال من كلا الجانبين فردوا علينا السلام، ولم يتعرضْ لنا احد.
حين وصل الياس اسبانيا، لم يُفتَحِ الصندوقُ الذي معه، وكان بصُحبتِه اربعُ ببغاواتٍ وشمعدانٌ مصنوعٌ من الفضة صناعة رائعة. والشمعدان هو حاملٌ او عمودٌ رئيسيٌّ تتفرع عنه فروع جانبية لِتُثبَّتَ عليها الشموع، والكلمة مؤلفةٌ من جزأين:
الاول عربي شمع (جمع شمعة)، والثاني فارسي (دان) اي (وعاء او مكان) حَمْلِ الشمع.
عند سفره الى اشبيلية (Seville) ساهم في دعوى قضائية ناجحة ضد قُبطانِ سفينةٍ، اخفق في سداد دَيْنٍ مُتَرَتَّبٍ عليه.
بعدها سافر إلياس الى روما، وقدم الشمعدان الى المنظمة التبشيرية للكنيسة، وقد منحهُ البابا إنِسَنْت الحادي عشر (Pope Innocent XI) منصبًا فخريَّا دون واجبات، إذ جعله كاتبًا رسوليًّا، عقبته تكريماتٌ اخرى رفيعة.
امضى إلياس سنواتِ حياته`المتدهورة في مدينة پويرتو دي سانتا ماريا (Puertode Santa Maria)، المدينة الساحلية الساحرة على المحيط الاطلسي. توقفت هنا رحلات إلياس من بلدةٍ الى أخرى، فعكف على إكمال ما كَتب عن تاريخ اكتشاف امريكا. ولعلَّنا نتوقَّفُ هنا نحن أيضًا لِنصِلَ الى ختام هذه الرحلة المثيرة التي غطَّت ظروفًا مفروضةً واجهها الياس، وظروفًا خلقها بنفسه ليصل الى غاية لم يكن ليعرف تفاصيل ما عانى من أجلها.
لقد كانت رحلته بمجملها، وقد دامت سنين طويلة، بمثابة مغامرة قام بها هذا العراقي، بغض النظر عما اذا كانت الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان - لعلاقةٍ ما تربط عائلته بها- وراءها، او جهة اخرى لم تكن واضحةً او معروفةً فيما تُرِكَ من معلوماتٍ وُثِّقَت حولها، ولم يُفْصِحْ بها إلياسُ نفسه، لكنها تبقى نادرة تضُمُّها سجلّاتُ ألتأريخِ الحديث.


