اخر الاخبار:
ليل بغداد يهتز بأصوات غامضة.. توضيح أمني - السبت, 29 تشرين2/نوفمبر 2025 20:54
ترمب يعلن إغلاق المجال الجوي فوق فنزويلا - السبت, 29 تشرين2/نوفمبر 2025 20:46
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

السحر والتنجيم في التراث الإنساني والشرق الأوسط: بين العلم الغابر والخرافة// سامح إدوار سعدالله

تقييم المستخدم:  / 7
سيئجيد 

سامح إدوار سعدالله

 

للذهاب الى صفحة الكاتب 

السحر والتنجيم في التراث الإنساني والشرق الأوسط:

بين العلم الغابر والخرافة

سامح إدوار سعدالله

 

السحر والتنجيم في التراث الإنساني والشرق الأوسط: بين العلم الغابر والخرافة

قديمًا جدًا، منذ خرج الإنسان إلى الأرض يدوسها بقدمه، وشرع يعتمد على عقله في التأمل والتفكير والتمييز للمأكل و المشرب و الملبس ثم البحث عن الأمان من مخاطر الطبيعية، ثم رفع عينيه إلى السماء، وراح يراقب النجوم والكواكب، ويتساءل عن أسرار الكون، والحياة بتفاصيلها، والسعادة، والحظ، والمصير، والطالع، ومعه سرّ الموت؛ وُلدت محاولات لتفسير المجهول، أو لفلسفة الميتافيزيقا، وهي البحث فيما وراء الطبيعة، وصياغة معنى لما يتجاوز الإدراك الحسي.

 

في هذا السياق، شرع الإنسان يتواصل مع المجهول، ويرتبط بالغيبيات، ولكن لا نعرف بالضبط متى توصّل الإنسان إلى هذه القوى السحرية. ومعها، ظهر السحر والتنجيم، لا كوسائل عبثية، بل كأدوات مبكرة لفهم العالم أو السيطرة عليه.

لكن يبقى السؤال الجوهري:

هل تؤمن بالسحر؟

هل يستطيع السحر أن يؤثر في مسار حياة الإنسان؟

هل كان السحر والتنجيم علمًا غابرًا سابقًا على ظهور المنهج العلمي، أم أنهما مجرد خرافة باطلة لا تستند إلى منطق أو إلى برهان؟

وهل انتشارهما في تراث الشرق الأوسط تحديدًا، كان نتيجة نقص معرفي، أم أنه يعكس منظومة فكرية ودينية معقّدة تستحق التأمل بدل الرفض المطلق؟

للإجابة على هذه الأسئلة، لا بد أن نتعمق أكثر في دراسة السلوك والتراث الإنساني القديم، وحضاراته القديمة، ونتتبع آثاره وأيديولوجيات الفكر عند الشعوب القديمة.

 

وقبل دراسة الفلسفة ومحاولات الإنسان في استكشاف الحياة وأمور ما حوله، اعتمد الإنسان على إيمانه بالطبيعة والديانات القديمة، وعلى السحر. وقد نشأت علاقة وثيقة بين الديانات القديمة الوثنية، والتي كانت تعتمد اعتمادًا كليًا على السحر، وقد سخّرت العلم لأغراضها السحرية. قديمًا، كان يُطلق على الكيمياء اسم الخيمياء أو السحر الأسود، ونجد ذلك في بعض دراسات المستشرقين في أبحاثهم العلمية التي تدور حول علم المصريات القديمة. فنجدهم يفسّرون حالات الاختناق التي تحدث لمنقّبي الآثار في المقابر الأثرية بأنها نتيجة خروج غاز سام يخنق كل من يستنشقه، ويخرج هذا الغاز بمجرد فتح المقبرة. فما هو إلا غاز الخردل الذي استعان به الكهان قديمًا عند دفن المومياوات لحمايتها من سرقة الكنوز. وقد عُرف هذا بلعنة الفراعنة. وهذا لا ينكر أن المصريين القدماء اعتمدوا على العلم بجوار السحر لتلبية رغباتهم وخدمة أغراضهم. وقد ذُكر السحر في الحضارة المصرية القديمة عندما اشتد الصراع بين النبي موسى وحكماء فرعون. فقد حوّل موسى عصاه إلى حيّة مدعومًا بقوة إلهية، فيما اعتمد سحرة فرعون على سحرهم في تحويل عصيّهم إلى حيات. ولكن في هذا الصراع القائم بين الدين والسحر، انتصرت حيّة موسى وابتلعت حيات السحرة.وهناك دراسات ومحاولات عديدة لفهم هذه الظاهرة عن السحر والتنجيم في الحضارات القديمة، أي: "العلم قبل أن يولد العلم".

 

ففي الحضارة البابلية، يُعد البابليون من أوائل من حاولوا قراءة السماء بوصفها "نصًّا" يمكن من خلاله التنبؤ بما يحدث على الأرض. حيث سجل الكهنة البابليون تحركات الكواكب والنجوم، ويربطون بينها وبين الظواهر الأرضية من فيضانات، أوبئة، أو حتى سقوط الملوك.

 

يرى جان بوتيرو (في كتابه بلاد الرافدين – بدايات التاريخ) أن التنجيم البابلي كان جزءًا من نظام كوني شامل، حيث تتداخل الميثولوجيا مع الملاحظة الفلكية، بما يشبه محاولة بدائية لخلق علم شامل. ونعود إلى مصر القديمة؛ ففي مصر الفرعونية، لم يكن هناك فصل بين الدين، والسحر، والعلم. التمائم، التعاويذ، و"كتاب الموتى" كانت وسائل لضمان الانتقال الآمن إلى العالم الآخر.

 

السحر الفرعوني يعد علمًا استطاع من خلاله سحرة الفراعنة معرفة علوم ما بعد الطبيعة أو الميتافيزيقا، إضافة إلى التحكم في القوى غير الملموسة، وفي الجمادات والأحياء. وهذا السحر هو أحد فنون الفراعنة والحضارة المصرية القديمة، وهذا الكلام بناءً على ما قاله عالم الآثار زاهي حواس، كما أن المصريين قد عرفوا السحر منذ قديم الأزل.

توضح أن السحر كان علمًا قديمًا، وكان السحرة علماء لدى مصر القديمة.

 

ومن الأمثلة على ممارسة الطقوس السحرية، كان السحرة يصنعون دمية لشخص يريدون إيذاءه، ويقومون بوخزها بالإبر أو حرقها، وحيثما يكون وخز الإبرة في الدمية، يشعر المسحور بوخز في ذلك المكان لديه فعليًا, كما كانوا يستعملون التعاويذ والأحجبة والطلاسم، إضافة إلى مواد غريبة كشعر التيس، ومخلفات فرس البحر، والتماسيح. وكان يُنظر إلى المرض الناتج عنها على أنه من فعل روح شريرة دخلت جسم الإنسان.

 

وكان هذا السحر يُمارس على يد كهنة أُطلق عليهم اسم الكهنة المرتّلين أو "غريو حب" باللغة الهيروغليفية، وهم الذين كانوا يرتّلون التعاويذ والنصوص الدينية.

كما كان الكثير من الملوك المصريين لديهم معرفة بالسحر، فقاموا بإلقاء تعاويذ على قبورهم حتى لا يسرقها أحد بعد وفاتهم. وقد أكد الخبير الأثري د. سليم رشدان تواصل السحرة مع العالم الخفي، وهو عالم الجن.

 

وكان السحرة في مصر القديمة يشربون "الكود السحري" الذي يُكتب على ورق البردي بعد إذابته تمامًا. أما عن المعتقدات الزرادشتية وفارس القديمة، فقد قسّم المجوس السحر إلى قسمين: السحر الأبيض المستخدم للخير، والسحر الأسود المنسوب للأرواح الشريرة. وكانوا يُتقنون التنجيم كعلم ديني منضبط.

ووفقًا لما جاء في كتابات فراس السواح (دين الإنسان)، فإن الممارسات السحرية لم تكن مجرد شعوذة، بل كانت ترتبط بنظام كوني أخلاقي يربط بين أفعال البشر وقوى الخير والشر في العالم.

إلا أن التمييز بين علم الفلك (النجوم) وعلم التنجيم (أحكام النجوم) أصبح أكثر وضوحًا لاحقًا، خاصة مع المفكرين العقلانيين. ورأى ابن خلدون في المقدمة كان أكثر صرامة، معتبرًا التنجيم ضربًا من الدجل، قائلاً: - فإنه ليس من العلم في شيء".

ابن رشد، بوصفه ممثلاً للعقلانية الفلسفية، رفض السحر والتنجيم لأنه لا يقوم على برهان أو تجربة، بل على "توهّمات وخرافات".

 

في الثقافة الشعبية- : وها نحن نعاصر ذلك حتى يومنا هذا، حيث يرتبط السحر اليوم بمشاعر الكراهية والحقد، مما يدفع بعض الناس إلى مضايقة غيرهم من البشر من خلال ما يُعرف بـ"الأعمال السفلية".

 

نشاهد اليوم من يضع الأحجبة والعرائس ويدفنها في المقابر، بغية إتعاس شخص بعينه أو التسبب في شقائه، على العكس من الساحر قديمًا، الذي كان يُنظر إليه على أنه عالم، يستخدم السحر لقضاء أغراض أفضل، وربما تكون نبيلة.

ورغم المواقف الرسمية، ظلّ السحر والتنجيم جزءًا من الثقافة اليومية.

فقد انتشرت كتب مثل شمس المعارف الكبرى والصحيفة السليمانية، وارتبطت بأدب الطب الشعبي، وتحضير الأرواح، والطلاسم. وفي الأسواق الشعبية، كما في قصور الملوك، استمر العرّافون والمنجّمون في لعب أدوار ثقافية واجتماعية، مما يشير إلى قوة الخيال الجماعي في إنتاج المعنى خارج حدود العقل الصارم.

 

من منظور علمي: يرى كارل بوبر أن التنجيم لا يمكن اعتباره علمًا لأنه لا يُقدّم فرضيات قابلة للتكذيب. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن السحر والتنجيم مثّلا محاولات أولى لفهم النظام الكوني، قبل تطور الأدوات التجريبية والمنهج العقلي.

 

من منظور ثقافي وأنثروبولوجي: في قراءة كلود ليفي شتروس، يمكن اعتبار السحر لغة رمزية تحاول بناء علاقة بين الإنسان والطبيعة، أي بين الروح والمادة، بين الحاضر والمستقبل. هذه الممارسات ليست غبية أو طفولية، بل هي "منطق بدائي" معقّد يعبّر عن حاجات وجودية عميقة.

 

من منظور نقدي وسلطوي: يشير ميشيل فوكو إلى أن إنتاج المعرفة ليس بريئًا، بل غالبًا ما يرتبط بالسلطة. وفي هذا الإطار، كان الكاهن أو المنجّم يحتكر معرفة "الغيب" ليؤمّن لنفسه موقعًا اجتماعيًا. كما أن بعض الحكام استخدموا التنجيم لتبرير أفعالهم أو لإضفاء طابع "قدري" على قراراتهم السياسية.

 

نجد أن السحر، بكل معانيه ومفرداته التي حاولنا أن نُسلّط الضوء عليها — أو حتى ما لم نُسلّط عليه الضوء أو لم نذكره أصلًا — لا يزال حاضرًا في وجدان الكثيرين.

فمن المؤكد أن الأغلبية العظمى، حتى يومنا هذا، تؤمن بقوة السحر، وللأسف، يُستخدم غالبًا بدافع الكراهية، والحقد، والرغبة في الانتقام.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.