مقالات وآراء

الأساطير التي بنيت على الحقائق// سامح إدوار سعدالله

• 

تقييم المستخدم:  / 3

سيئجيد 

تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 02 كانون1/ديسمبر 2025 19:29

كتب بواسطة: سامح إدوار سعدالله

الزيارات: 303

سامح إدوار سعدالله

للذهاب الى صفحة الكاتب 

الأساطير التي بنيت على الحقائق

سامح إدوار سعدالله

الأساطير التي بنيت على الحقائق

في عالم القصص والحكايات الحقيقية القديمة، التي خرج من رحمها الخرافات، وتشكلت في صورها المختلفة، من أساطير وبطولات كثيرة، على مدار عمر الإنسان على الأرض، وذلك لأن الإنسان هو محور الحياة والفكر والعقل والفلسفة، هو الذي حدثت له الواقعة، وهو الذي سردها وحكاها. وهنا جاء دور المبدع والملهم، الذي يتأمل ويتخيل، لينسج لنا قصة خيالية، وربما تصل إلى حد الخرافة، ليصنع منها بطلًا وأسطورة، من مجرد قصة بسيطة. استطاع هذا المبدع أن يكتب، ويحبك قصة أسطورية عظيمة وخيالية تسحر العقول والألباب، بمجرد حدث عابر بسيط، ربما يكون فيه جزء قليل من الحركة أو الحدث المروع أو غموض أو سحر, جاء هذا المبدع المتمكن, من خلق حياة وروح داخل هذه القصص لتصبح أساطير، أو بعض الأحداث شديدة القوة، التي أجبرته على التأمل والتفكير في ما بعد الطبيعة، ليحلل لنا مدى أسطورية القصة، وبهذا التفكير الخرافي، وهو نوع من أنواع التفكير البدائي، الذي يعتمد على تفسير الظواهر الطبيعية، بمجرد البحث في الميتافيزيقا، ليحلل لنا، ويرسم من خياله أساطير تعيش في وجدان الأجيال لعصور طويلة، وهي مثل الشعاع الذي لا يُعرف له بداية، ولا تحده نهاية. ومن أشهر الكتاب المصريين عن الأساطير الكاتب الكبير حسين فوزي, ورحلات السندباد. دونما شك، لقد قرأت واطلعت على كثير من هذه الأساطير، التي دُوِّنت لنا عبر حضارات وتواريخ العالم القديم، ومنها أساطير المصريين القدماء، وتتميز الأساطير المصرية القديمة بعالمها السحري والخرافي المشوق، من خلال النقوش الصورية الخالدة، التي تسحبك إلى عالمها الخيالي الممتع إلى درجة تفوق الوصف. وهي تتميز الأساطير الفرعونية بالعديد من العناصر المرعبة والمخيفة، حيث تضمنت مخلوقات أسطورية مثل "أبو الهول" و"أمت" و"أبو فيس"، بالإضافة إلى قصص عن الموتى الأحياء واللعنات. هذه الأساطير، التي غالبًا ما ارتبطت بالطقوس الدينية والعقائدية، تهدف إلى إثارة الخوف والرهبة لدى الناس، وتعكس جوانب من ثقافة الخوف والغموض التي كانت سائدة في مصر القديمة. فعندما تجد الإنسان برأس تمساح أو أسد أو قرد، تدخل في عالم من الغموض والغرائبية، يجعلك تخضع لها بكل حواسك وإدراكك، وأنت في عالم من السحر والخيال.

وأشهرها على الإطلاق أسطورة البعث والحياة بعد الموت، وقصة الخلود، قصة إيزيس وأوزوريس، وهي مصدر الإلهام للقصص والأساطير الكثيرة، لكثير من شعوب الشرق الأوسط القديم. الأساطير الفرعونية هي تلك القصص المقدسة التي كان قدماء المصريين يؤمنون بها. تتميز الأسطورة بعمقها الفلسفي، وكانت الأساطير حينذاك كالعلم الآن أمرًا مسلَّمًا بمحتوياته. في معظم الأحيان، كانت شخصيات الأسطورة من الآلهة أو أنصاف الآلهة، أما تواجد البشر فيها فكان مكمِّلًا لا أكثر. تحكي الأسطورة قصصًا مقدسة تبرر ظواهر الطبيعة، مثل نشأة الكون أو خلق الإنسان، وغير ذلك من المواضيع التي تتناولها الفلسفة على وجه الخصوص، والعلوم الإنسانية عمومًا.

من أشهر الأساطير الفرعونية: أسطورة إيزيس، وأسطورة أوزوريس، وأسطورة ست، وأسطورة حورس. كان البعث والحساب عند المصريين القدماء يُمثَّل بميزان يوضع فيه قلب الميت في كفة، وتوضع ريشة من الإلهة "ماعت" في الكفة الأخرى، فإذا رجحت كفة قلبه، يدخل الفردوس في وجهة نظرهم، وإذا رجحت كفة الريشة، يدخل الجحيم، وقد صُوِّر على هيئة حيوان مفترس. وكانت تتكون المحكمة من 42 قاضيًا، بعدد أقاليم مصر.

وكذلك أسطورة من الأساطير الريفية المصرية، حيث يزعم الفلاحون أنها امرأة جميلة جدًا وغريبة، تظهر في الليالي الظلماء في الحقول، لتنادي باسم شخص معين، فيقوم هذا الشخص مسحورًا ويتبع النداء، إلى أن يصل إليها، ثم يجدونه ميتًا في اليوم التالي. هي باقية إلى يومنا هذا. ومن أشهر القصص التي كُتبت في هذا الموضوع، رواية يوسف إدريس "النداهة"، بطولة ماجدة وشكري سرحان.

ولكن لا يقف الإبداع البشري قديمًا عند هذا الحد، بل لا يزال ممتدًا، ومتشعبًا في جذوره منذ القديم، ليصنع لك أسطورة من الجبل والتل والمياه والشجرة. هو إبداع إنساني خالص، وربما يكون لأصل الأسطورة قصة واقعية، وتبقى لنا القصص وتحليلها، مع وجود كمٍّ هائل يصحب هذه الخوارق، وقد فسرها هذا الجيل على أنها "لعنة الفراعنة"، وهي تحتاج إلى كتب ومراجع لتوثيق كمّ المغامرات والقصص والحوادث والكوارث التي تحدث، عند النبش في قبور المصريين القدماء، أو اكتشاف حقائقهم.

فعندما تبحث عن كنوزهم، وتنبش قبورهم، يحدث لك مثلما حدث مع هوارد كارتر، والكشف عن مقبرة توت عنخ آمون. أتعرف ما حدث في القصة بالتفصيل؟

لقد كان كثير من المصريين وعشاق الحضارة المصرية يعتقدون أن هذه اللعنة تصيب كل من يحاول الاقتراب من كنوز الفراعنة القديمة، وانتشر الحديث عن هذه اللعنة في أعقاب اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، على يد عالم الآثار هوارد كارتر، في عام 1922؛ حيث وُجدت عبارة على إحدى غرف المقبرة تقول: "سيضرب الموت بجناحيه السامين كل من يعكر صفو الملك"، وزادت قوة الأسطورة بعد وفاة مكتشفي المقبرة، حتى أنتجت شركة "أمازون" العام الماضي فيلمًا وثائقيًا لبحث أسباب وفاة 22 عالمًا شاركوا في اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، خلال سبع سنوات من اكتشافها.

والأسطورة الثانية الأكثر شهرة هي تلك المتعلقة بالزئبق الأحمر، ووُثِّقت في فيلم "المومياء" للمخرج شادي عبد السلام، حيث يصل جرام هذا الزئبق إلى ملايين الدولارات، وتتفرع الأسطورة إلى شقين: الأول هو عودة الشباب للإنسان مرة أخرى، وقدرته الجنسية الهائلة، والشق الآخر يقول إنها غذاء للجن، فعندما يأكلها هذا الجن، يعيش في خدمتك طوال العمر. لكن أثبتت البحوث العلمية، وهي الصدق، أن الزئبق الأحمر يدخل في صناعة القنابل الذرية والهيدروجينية شديدة الانفجار. وملخص اكتشافه يرجع بدايته إلى الأربعينيات من القرن الماضي، عندما وُجد سائل يميل إلى الاحمرار أسفل مومياء لأحد قادة الجيوش من عصر الأسرة السابعة والعشرين، ليبدأ الحديث عن الزئبق الأحمر، وقدرته على إعادة الشباب ومنح القوة لمن يحصل عليه.

إذن نستخلص من هذا، وبدون شك، أن الإنسان قديمًا وحديثًا، هو عقل مفكر ومتأمل، فيلسوف محب للحكمة، يتفاعل مع الحدث والقصة الواقعية، ثم يضيف عليها إبداعه وتخيلاته، لينسج قصة جميلة مشوقة واقعية، تعيش في كل العصور، ويتداولها الأجيال، ربما تزيد أو تنقص في أحداثها عند نقلها من شخص لآخر، ولذلك يقال: إن الأسطورة، في حقيقتها أو أساسها، قصة واقعية.

• < السابق
• التالي >