مقالات وآراء
الاشوريون في التاريخ- الحلقة 19// يعكوب ابونا
- تم إنشاءه بتاريخ الأربعاء, 03 كانون1/ديسمبر 2025 18:57
- كتب بواسطة: يعكوب ابونا
- الزيارات: 140
يعكوب ابونا
الاشوريون في التاريخ- الحلقة 19
يعكوب ابونا
شلمنصر الرابع ( 782 – 772 )
اشوردان الثالث ( 772 – 754 )
اشور نيراري الخامس ( 754 – 746 )
ترك ادد نيراري الثالث، بعد وفاته الدولة الاشورية على عتبة فترة ضعف جديدة، لان لم يجرأ احد من ابناءه الثلاثة الذين خلفوه بالتوالي على العرش وهم (شلمنصر الرابع 782 – 772) واشور دان الثالث (772- 754) واشور نيراري الخامس (754 – 746) . على استخدام لقب (ملك الجميع) كابيهم وجدهم.
فكان اول اولاده شلمنصر الرابع 782 – 772 قبل الميلاد، الذي في ايامه كما يذكر ادي شير ص77، بان اشور سقطت من ذروة العظمة التي بلغت فيها ايام الملوك العظام، ويصف جورج رو ص 406، هذا الملك فيقول يبدو ان سلطة هذا الملك كانت محدوده جداً، بدليل ما وجد في المخطوطات التي عثر عليها في – تلبارسب (تل احمر) بان احد قواده المدعو (شمشي – ايلو) يفتخر بانتصاراته على الاورارطييبن، دون ان يذكر اسم سيده الملك، وهذه الظاهرة لاسابق لها في السجلات الاشورية.
وبعده جاء الابن الثاني وهو (اشور – دان الثالث)- 771- 754- قبل الميلاد. الذي لم يوفق في حملاته على سوريا، بلاضافة الى تفش الطاعون في البلاد، وفي عهده اندلعت الاضطرابات في اشور وعرفه (كركوك) وفي كوزانا (تل – حلف).
اما الابن الثالث وهو (اشور – نراري) الخامس (753 – 746 ) ق.م فقد كان قليلا ما يجازف بترك قصره، الا ان الثورة التي نشبت في (كالح)، قد يذهب الكثير الى الاعتقاد بانه قد لاقى حتفه فيها .".1 "
وهكذا اصبحت الدولة مشلولة في هذه الفترة، بعد ان كان الملك أدد – نيراري الثالث، قد حقق انتصارات وكيف فرض سيطرت اشور على جميع الأراضي الواقعة الى الغرب البلاد حتى البحر المتوسط، وكيف كان ملك إسرائيل يواش (800 – 784 ق.م) يدفع الجزية للملك الآشوري، الذي ورد اسمه ضمن اسماء الملوك العبرانيين الذين وردت أسماؤهم في النصوص الآشورية، وهو يعلن خضوعه للملك الاشوري، وهذا يعبر عن امتداد سلطة الدوله الاشورية الى الممالك الفلسطينيه والعبريه والفينيقيه، وهكذا جعل هذا الملك بقوته وحكمته العسكري ان يجعل الإمبراطورية الاشورية تتبوأ المكانة السامية ... " 2 "
ولكن للاسف هذه المكانة السامية التي حققها ادد نيراري الثالث بداءت تتزعزع بعد وفاته، لابل ان الملوك الذين جاوا من بعده جعلوا اشور تدخل مرحلة مـن التدهور السـياسي والاقتصـادي على مدى ايام حكمهم
قد يمكن ان نعزي ّ ذلك الى عاملين:
اولا- العامل الداخلي كان ضعف الملوك الذين جلسوا كرسي الحكم من بعده.
ثانيا- العامل الخارجي تمرد الدويلات التي كانت تخضع لاشور وتهديدها لامن واستقرار اشور.
الاول - ان ضعف الملوك الذين جاؤا من بعد ادد نيراري الثالث، والذين حكموا حوالى أربعين سنة، لم نجد لهم اية مبادره للمحافظة على مكانة الدولة الآشورية بشكل واضح. رغم اننا نجد في حوليات هؤلاء الملوك ذكر لحملات مختلفة ست منها شنها شلمناصر الرابع سنة (781) ضد أورارتو على اطراف ينابيع نهر دجلة، وفي سنة 780 جرت حرب في خاخياس في وادي نهر بهتان، وفي سنة 779 و778 كان ميدان الحرب في اطراف بحيرة اورمية، وكان النصر لملك اراراطو، وفي سنة 775 اغار شلمنصر على جبل حمانا في سوريا، حيثوا كانوا الاراراطو قد تسلطوا على الممالك الصغيرة وعلى بلاد نمري، فاسرع شلمنصر لكي يخلصها من يدهم، ولكن خسر المعركة وانكسر جيشه، كما قام بحملاته ضد سوريا الشمالية بين عامي 773 – 772. فكان موقف الملك الاشوري موقف الدفاع في الكثير من الاحيان، وتوفى شلمنصر في نفس السنة " 3 "
لان كل المؤشرات تدل على أن هذه أعمالا كانت دفاعية يقوم بها خاصة ولاة محليون أو هجمات لاتزيد عن كونها مناوشات حدودية، وهذا ادى لاحقا ًالى انتقال القوة من الحكومة المركزية إلى الولاة المحليين، وان كان ذلك له امتداد تاريخي تطور تدريجياً منذ أيام شلمناصر الثالث (859 – 824 ق.م). حيث أن فرض الهيمنة الآشورية، كان يتطلب إقامة إدارة محلية ذات صلاحيات بالغة تضمن الأمن في مناطق اطراف المملكة. وقد أحرزت هذه السياسة نجاحاً، حيث سمحت للولاة القريبين من جيوش أورارتو مجال الرد بسرعة على اي تهديد.." 4 "
ولكن من جهة اخرى هذا الاجراء اخذت جانب اخر سلبي هو ازدياد طموح الولاة المحليين، خاصة بغياب ملك قوي، فاخذوا يمارسون قدراً كبيراً من الاستقلالية، لا بل وصل الامر الى ان يشكلوا ما يشبه السلالات الملكية المحلية، ونجد هذا الأمر ظاهر في المخطوطات التي تركها ثلاثة ولاة على الاقل من ذلك العصر سجلو فيها مآثرهم الخاصة من نجاحات عسكرية وتأسيس مدن (وتلك شؤون كانت في أغلب الأوقات ترد حصراً في المخطوطات الملكية) ..
بالاضافة الى ما اشرنا اليه اعلاه، وعما ورد بالمخطوطة التي عثر عليها في تلبارسب "تل الاحمر".
نجد حاكم اخر من منطقة على ضفة الفرات الأوسط، يدون أعماله بالعودة إلى سنوات ولايته هو، دون ان يذكر اسم الملك، مما يدل على كونه حاكماً مستقلاً فعليا.
لنقرأ ما سجله هذا الوالي "الحاكم" من مدح نفسه وافتخار عمله، يقول:
«أنا شمشي - ريش - أوسور، والي سوهو وماري منطقة الفرات الأوسط). النحل الذي يجمع العسل، والذي لم يره ولم يجلبه أحد من اجـدادي إلى أرض سوهو، جلبته أنا من جبال حبحا (تركيا الشرقية) وأسست بلدة كباري-ابني، أنهم يجمعون العسل والشمع وأنا أعرف كيف يجب تذويب العسل والشمع وكذلك يعرف البستانيون. أي شخص يظهر بعدي، فليسأل الشيوخ في البلدان إن كان صحيحاً أن والي سوهو شمشي - ريش - أوسور هو الذي أدخل النحل". انتهى
في ظل حكومة مركزية ضعيفة زادت المشاكل الاقتصادية الناجمة عن صعوبات تأمين. البضائع التي كانت آشور تامنها من سوريا أو من الشمال. فبدأ التوتر يشتد بالداخل، لابل وصل الامر الى الاستياء الشعبي لهذا الوضع، وثمة تقارير من مدن مختلفة تتحدث عن 760 عصيان مسلح وقع خلال عهد الملك الأخير في هذه الفترة - آشور نيراري الخامس (753-745) - أحرزت أراراطو مكاسب" سياسية وربما عسكرية بالغة الشأن في شمال سوريا." 6 ".
ثانيا - العامل الخارجي: من الطبيعي عندما تضعف الدولة، يصيبها الشلل من الناحية العملية، وهذا ماحدث للدولة الاشورية خلال فترة حكم الملوك الاخوة الثلاثة، فادى الى تغيرات مؤثرة في الجغرافية السياسية للشرق الادنى، منها بابل التي اندحرت مرتين امام شمشي ادد الخامس، وكانت تحت السيطرة الاشورية، ولكن نجد حسب وثيقة بابلية تتحدث عن ملكها الذي كان (أديبا - مردوخ 782 -763) ق. م، فهو يصور احدى حملاته التأديبية الصغيرة الشأن ضد الآراميين الذين انتزعوا من أهالي بابل وبارسيبا بعض الحقول والبساتين على انها انتصار مجيد. وفي سوريا كان الامراء الاراميون منغمسيين تماما في نزاعاتهم التقليدية لدرجة انهم اخفقوا في تحقيق وحدة متماسكة بينهم.
وفي ايران طفق الفرس بالهجرة من الشمال الى الجنوب نحو جبال بختياري فترك الميديون احراراً ليوسعوا رقعة بلادهم لتصل كل الهضبة الايرانية. وحول بحيرة اورمية استطاع المينويون، تنظيم أنفسهم من امة صغيرة ولكنها اصبحت قوية. "7"
لكن اهم تلك التطورات كانت قد جرت في ارمينيا حيث تحولت اورارطو من اقليم صغير على شواطئ بحيرة وان الى مملكة لم تلبت أن اتسعت حدودها، واعترفت بسيادتها الدويلات المجاورة،
اذ توسع سلطانها في عهد حكم ملكها (ارجستس الاول) (778 – 750 ) ق. م ، لتمتد تقريباً من بحيرة سيفان في ارمينيا الى الحدود شمال العراق، ومن بحيرة اورمية الى وادي الفرات الاعلى في تركيا.
وتوسع نفوذها لدرجة ان عدة دويلات وقبائل اخذت تدفع الجزية الى اورارطو، وتعترف بسيادتها عليها وترتبط واياها باتفاقيات عسكرية.
وقد استطاع خليفة أرجستس، « سردور الثالث (749 – 734 ) ق. م بدهاء فك ارتباط ملك ارفاد متيع - أبلو من التحالف الذي كان قد عقده مع أدد ـــ نراري الثالث؛ وعن طريق هذا الملك انتشر سريعا التأثير السياسي الاورارطي بين الممالك الآرامية في شمال سوريا.
ادى ذلك الى حرمان اشور من جميع المنطقة الواقعة الى الشمال والغرب من كركميش، فخفت سيطرة اشور على تجارة المعادن في اسيا الصغرى، هذا الوضع الاقتصادي الخانق في اشور ادى الى نتائج خطيرة وقيام تمردات في عدة مدن وفي عام 746 ق. م حدث تمرد في العاصمة "كالح" نفسها، مما ادى الى اغتيال اشور نيراري الخامس وهو اخر الاخوة الثلاثة من الملوك الذين حكموا بعد والدهم ادد نيراري الثالث وقد قتل معه جميع افراد العائلة المالك "8 "
بعد التوترات الداخلية في كالح اعتلى العرش والي المدينة الذي ربما كان مغتصبا للسلطة ولكنه من اصول ملكية، واسمه بول وفقا لنص التوراة وبعض المخطوطات المسمارية، ولكنه اتخذ اسم تغلات بلاصر كلقب ملكي في دلالة على نمط السياسية التوسعية التي كان ينوى فرضها سيرا على خط الصاحب الاول لهذا اللقب؟
ولكن في احدى النقوش يدعى انه منحدر من اسرة ادد نيراري الثالث وليس من سبب للشك في هذا الاعاء، فلم يستعمل اسمه في التوراة فحسب بل ايضا استعمل في بابل، وقد قيل ان هذا اسمه الخاص فقد كان اسم تغلات بلاسر قد اطلق عليه عند توليه العرش الملكي املا في ان يتبع خطوات ذلك الملك الظافر الذي حمل هذا الاسم لاول مرة ، " 9 " ..
وبهذا نصل الى نهاية الامبراطورية الاشورية الاولى (911 – 754) قبل الميلاد ..
وننتقل في الحلقة القادمة بالحديث عن الامبراطورية الاشورية الثانية ( 745 – 612 ) قبل الميلاد ..
_________ المصادر _______
1-الدكتور عيد مرعي تاريخ بلاد الرافدين ص 118
و جورج رو تاريخ العراق ص 406
2-احمد لفته الفعاليات الاشورية في اسيا الصغرى رسالة ماجستيرص 52 – 60 .
3- ميخائيل ابراهيم نجيب مصر والشرق الادنى القديم ج5 ص 264
ماسبيرو مملكة اراراطو وانحطاط اثور 103- 104
ومجلة الكتاب المقدس ص 183 – 188
طه باقر مقدمة في تاريخ الحضارات ص 185
4- هنري ساغس جبروت اشور ص 122
5-جورج رو العراق القديم ص 406
6-هنري ساغس جبروت اشور ص 123
7-ميخائيل ابراهيم نجيب المصدراعلاه ص 264
وجورج رو ص 407
8-هنري ساغس عظمةبابل 106 – 107
وهنري ساغس جبروت اشور ص 123
9- جورج رو المصدرالسابق ص 409
وهنري ساغس عظمة بابل 106 – 107
ساغس جبروت اشور ص 123 – 124


