مقالات وآراء
العراق: برلمان للمولاة والمعارضة في الشارع؟// جمال محمد تقي
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 01 كانون1/ديسمبر 2025 12:42
- كتب بواسطة: جمال محمد تقي
- الزيارات: 521
جمال محمد تقي
العراق: برلمان للمولاة والمعارضة في الشارع؟
جمال محمد تقي
من يستطيع جمع اكثر من220 مقعد برلماني، من اصل 329 مقعد، أي اكثر من ثلثي اعضاء البرلمان، من تركيبة الحكم التحاصصي بدورته الجديدة، يستطيع ان يعيد هيكلة السلطة التنفيذية بمجملها، والمكونة عمليا من رئيس الجمهورية ذا الصلاحيات الرمزية، ومن ثم رئيس الوزراء ذا الصلاحيات الفعلية، والوزراء وكل الدرجات الوظيفية الخاصة. التكتلات الشيعية عمليا هي صاحبة النصيب الاكبر من المقاعد، ككل المرات الخمسة السابقة والتي جرت بعد 2003، وبحسب النتائج النهائية المعلنة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق حصلت قوى الاطار الشيعي على 187 مقعد، لتكون هي الاقدر عمليا على استقطاب ما يكمل نصاب الثلثين، وبتفاهمات مع المنفتحين على المغانمة من الكتل السنية الفائزة بنحو 77 مقعد، وبما ان محاصصة الرئاسات الثلاث محسومة مقدما، كما جرى العرف، في حصر رئاسة مجلس النواب بالكتلة السنية الاكبر، ورئاسة الجمهورية بالكتلة الكردية، صاحبة56 مقعد في الانتخابات الاخيرة، فأن توافق الكتل الشيعية على مرشح لرئاسة الوزراء من بين صفوفها سيكون الخطوة الاولى لرسم خارطة الجهاز التنفيذي، والذي سيُكلف بدوره من قبل رئيس الجمهورية، لتشكيل الحكومة مع جدولة متفق عليها لتسمية وتوزيع المناصب الوزارية على اغلب الكتل المتحاصصة، ولكل حسب عدد مقاعده، وهذه الصيغة لا تشمل الوزراء فقط، وإنما نوابهم، والسفراء، والمدراء العامين!
الثابت والمتحول في الانتخابات العراقية:
تم برمجة العملية السياسية بمجملها بثوابت جعلتها غير قادرة إلا على إعادة انتاج ذاتها، لانها لو فعلت غير ذلك تنهار، وهي ثوابت ملفقة تريد إعادة صياغة الكيان العراق بعيدا عن ركيزة المواطنة الواحدة، وتكافوء الفرص، والإستقلال المصان للقضاء، والفصل بين السلطات، لا، المكونات، التي يفترض انها مدغمة اصلا، بالمواطنة الموحدة، وحقوقها الخاصة والعامة، حيث يجب ان تكون مصانة قانونيا، ولها حق طبيعي في حرية التعبير عن ذاتها، في دولة تحترم حقوق الانسان، وتوفر لمواطنيها ما يعزز تجانسهم لا انعزالهم، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا. الدستور الدائم للعملية السياسية الركيزة الثابتة للتعاطي مع المجتمع العراقي وكأنه عبارة عن مجموعات بشرية متجاورة، شيعية وسنية وكردية وتركمانية ومسيحية، كلدانية واشورية، وصابئية وايزيدية وفيلية وكاكائية وشبكية، وعليه تم تأطير التمثيل السياسي بممثلين عن تلك المجموعات بما يشبه انتخاب الكوتات، واصبح ذلك عرفا منذ قيام مجلس الحكم الذي اسسه بول بريمر الحاكم المدني بعد الغزو الامريكي للعراق 2003، ومع كل دورة انتخابية جديدة، يُدور هذا العرف الدستوري تحت مسميات وتفرعات جديدة، الشيعة ينتخبون شيعتهم والسنة سنتهم والكرد كردهم وهكذا، لذلك لا تجد قوى منتخبة خارج هذه الاطر، حتى من يتقدمون بصفة مستقلين، يتم ترويضهم او تهميشهم، ليندمجوا ويتفاعلوا مع الطقس السائد داخل برلمان، لا وجود فيه لاحزاب او كتل عابرة للطوائف والاعراق، وقد يسمح احيانا بمنح بضعة مقاعد لعدد من العناوين المضللة من خارج الاطر الطائفية، للتغطية على طغيان الهويات الفرعية، كما حصل ايام بريمر عندما ادخل ممثل عن الحزب الشيوعي لمجلس الحكم ضمن الكوتة الشيعية، اما في الانتخابات الاخيرة فلم تحصل كل هذه العناوين على اي مقعد، فتحالف الشيوعيين والمدنيين كانوا خارج التغطية وخرجوا تماما من المولد الانتخابي الاخير، وبلا مقعد. المتحول الوحيد، هو القانون الانتخابي ذاته، فمع كل دورة انتخابية يجري تعديله، وبما يلائم هيمنة معادلة الحكم القائمة، ويرسخ ثوابتها بالضد من محاولات المقاطعين والمستائين والداعين لإختراقها ومعارضة فسادها!
برلمان بلا معارضة !
في صلب العمل النيابي والبرلماني ان تكون هناك اكثرية لها حق تمرير التشكيلة الحكومية التي تنسجم مع طبيعة برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتشريع ما تراه مناسبا لرعاية شؤون الدولة والمجتمع طيلة فترة الدورة الانتخابية، وأقلية منافسة لها وناقدة لسياساتها، انطلاقا من تعارض البرامج والاهداف، والتي على اساسها تم اقناع الجمهور للتصويت لها، وعلى هذا الاساس تعمل البرلمانات الطبيعية، فبدون المعارضة البرلمانية الحقيقية يصبح البرلمان عبارة عن هيئة عامة للسلطة التنفيذية، وتكون الحكومة مطلقة اليدين وبلا حسيب او رقيب، وفي الحالة هذه يكون البرلمان راعيا لها ومبررا لوجودها. برغم اختلاف الكتل طائفيا وإثنيا لكنها جميعا تعمل وفق قاعدة "شيللني وشيلك" اي اعطني حصتي وخذ حصتك، ولا تحاسبني كي لا احاسبك، والسلطة غنيمة المتحاصصين، فما يطرح في البرلمان ذا الصبغة التحاصصية يجب ان تتوافق عليه الكتل الرئيسية وبالتالي قادتها، وان حصل القفز على التوافق تخلق ازمة ينشل بموجبها العمل البرلماني، وهذا ما حصل اثناء طرح مقترح قانون اخراج القوات الاجنبية من العراق، بسبب اغتيال قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، فالقرار لم يحصل على توافق بحكم تأثيرات خارجية فاعلة لكن الكتلة الشيعية مررته برغم تغيب النواب الكرد والسنة، ومع تمريره كانت الحكومة غير قادرة على تنفيذه، اولا لأن امريكا مازالت هي المتحكمة بعائدات بيع النفط العراقي، وثانيا لان سماء العراق تحت رحمة طيرانها، وثالثا لأن اغلب تلك القوات موجود في مناطق كردية وسنية ومن مصلحة الكتلتين بقاء هذه القوات على اعتبار انها توازن التغلغل الايراني الذي تستقوي به الكتلة الشيعية عليهما، وكان اقليم كردستان قد اعلن على لسان رئيسه مسعود برزاني عن استعداده لإستضافة اي عدد كان من القواعد الامريكية، ولم يستطع لا برلمان العراق ولا حكومته من محاسبته، لأنه لا يخضع عمليا للسلطة الاتحادية بحكم استقلاليته الامنية والعسكرية ولاحقا الاقتصادية، ولأن العلاقة هشة ومبنية على التخادم المصلحي، والاستبداد هو هو ان كان بالاقليم او في بغداد، ويمكن اعتبار كتلة البرزاني اقل ازدواجية من كتلة الاطار، لانه لا يتخادم مع طرفين متناقضين في وقت واحد كما يفعل جماعة الاطار الشيعي حيث تخادمها المتأرجح بين ايران وامريكا، وذات الشيء بخصوص إستفتاء انفصال الاقليم عن العراق، حيث جرى الاستفتاء دون اعتبار لبرلمان منتخب او دولة اتحادية، وكانت نتيجته لصالح الانفصال، لكن التدخلات الامريكية جمدت السير بمقتضاه!
المعارضة في الشارع :
نسبة المشاركة في الانتخابات الاخيرة بحسب ارقام المفوضية 56 بالمئة، مبالغ فيها لأن هناك اعداد مليونية لم تجدد تسجيلها في سجل الناخبين وبالتالي لم تحصل على البطاقة البارومترية، وهناك مقاطعة معلنة من التيار الصدري المعروف باتساع قاعدته الشعبية التي تقدر بالمليونية ايضا، وهناك اكثرية صامتة وناقمة ولا تثق بما يجري خاصة بعد التنكيل الدموي السافر باحتجاجات تشرين 2019، صحيح ان نسب التصويت كانت جيدة بين موظفي الدولة والاجهزة الامنية ومنتسبي الفصائل المسلحة ومناطق نفوذ الاحزاب المتنفذة في الاقليم والمناطق السنية، لكنها كانت متواضعة في اغلب محافظات الوسط والجنوب، والتوقعات الغالبة، خاصة بعد ان شكل الاطار الشيعي لجنتين واحدة لإختيار رئيس جديد للوزراء واخرى للتفاوض مع الكتل الفائزة لبلورة صيغة متكاملة لمحاصصات السلة الواحدة، تقلل من حظوظ السوداني بولاية ثانية، ويجري تداول اسماء من قبيل قاسم الاعرجي وحميد الشطري اضافة الى نوري المالكي والسوداني، لتفتح صفحة جديدة من حكم المحاصصات البغيض، والذي سيستمر الشارع بمعارضته حتى تحين فرصة الانقضاض عليه!


